مجلة الرسالة/العدد 966/آيات من الفن الإسلامي
مجلة الرسالة/العدد 966/آيات من الفن الإسلامي
للدكتور أحمد موسى
ظهر في جزيرة العرب في مشارق الأرض ومغاربها بفضلهم، وقامت الإمبراطورية الإسلامية بجهودهم وحسن بلائهم، ولذلك فأن الفن الذي انتشر في تلك الإمبراطورية كان له شأنه الخاص في كل بلد ظهر فيه.
فلم يكن شرقيا ولا مغربيا، كما أنه لم يكن إيرانيا صرفا ولا تركيا خالصا ولا هنديا بقسط، وعلى ذلك نجد أن الفن الإسلامي فن ظهر في العصر الإسلامي في كل هذه الأرجاء حاملا طابع البلاد التي انتسب إليها.
وكان لتسامح العرب وحسن استعدادهم وإقبالهم على استخدام الفنانين ورجال الصناعات الفنية في البلاد التي فتحوها فضل عظيم على ازدهار الفن، فوجد في مصر والشام أساليب مسيحية شرقية، وفي العراق وإيران أساليبهما المتقاربة، فكأن الفن الإٌسلامي مزيج من هذا كله نشأ عن التقاء الفنون المسيحية الشرقية، والإغريقية والهندية. امتزجت كلها امتزاجا عجيبا أخرج لنا منها تراثا عظيما خالدا، هو تراث الفنون الإسلامية.
ولا غرابة إذن أن نجد الفن الإسلامي أكثر فنون الأرض انتشارا بالقياس إلى المساحات الشاسعة التي شغلتها الإمبراطورية الإسلامية من الهند شرقا إلى الأندلس غربا، ومن القوقاز وصقلية شمالا إلى بلاد اليمن جنوبا، وأطولها عمرا بالقياس إلى الفنون الأخرى فيما عدا الفن المصري القديم والفن الصيني.
وقد بدأ الفن الإسلامي في الظهور منذ القرن الأول الهجري وأخذ ينمو رويدا رويدا حتى بلغ النضوج في القرن الرابع عشر الميلادي.
ويعنينا هنا أن نلم ببعض آياته الخالدة على الزمن قبل أن يتأثر المسلمون بالفنون الغربية، ويقبلون على تقليدها.
وبالنظر إلى اتساع الإمبراطورية الإسلامية، فانه كانت لهم فنون سميت بأسماء البلاد التي نشأت فيها كما سبق القول، كما اختلفت طرزه بالنظر إلى طول الزمن الذي استغرقه هذا الفن.
وقد بقيت الحرف والصناعات الفنية ردحا من الزمن بعد الفتح الإسلامي في أيدي أه الصنعة في البلاد المفتوحة مما جعل الأساليب المحلية متصلة الحلقات في كل إقليم مع علائم التجديد التي تطلبها الوضع الجديد للبلاد، أو مع ما يتفق وما أحضره العرب من الأقاليم الأخرى الخاضعة لإمبراطوريتهم.
ومن هنا تجد اتفاق الفنون الإسلامية في الغاية، وتشابهها في مجملها وإن اختلفت في أجزاء تكوينها اختلافا قد يصعب إدراكه على غير المتخصصين.
وقد تطورت الفنون الإسلامية بتطور العصور وتأثرت بالأحداث الاجتماعية والسياسية شأنها في ذلك شأن كل الفنون.
ولعل العمارة الإسلامية من أبرز الفنون تأييدا لما نقول، ذلك لأن فن البناء أكثر الفنون تعبيرا عن الإقليم الذي ينشأ فيه، فهو خاضع للموقع الجغرافي متأثر بالوسط الجيولوجي إلى جانب الحالة الجوية والمدنية، هذا عدا ما يبدو في تفصيل العمائر من اختلاف الأعمدة وتيجانها وعقودها ومآدبها وقبابها وزخارفها فضلا عن تغطية جدرانها بوسائل مختلفة، على حين نجد أن تبادل الأنماط والأساليب أكثر يسرا وأسهل نقلا من الأعمال الفنية الأخرى كالمنتجات الصناعية التي انتقلت من إقليم إلى آخر على يد التجار الذين جابوا الإمبراطورية شرقا وغربا.
بدأ الفن الإسلامي في عصر الخلفاء الراشدين بسيطا بعيدا عن المعنى المصطلح عليه في عصرنا الحاضر، ولم يكن هذا غريبا ما دام المسلمون وقتئذ كانوا متفرغين للجهاد والفتح للجهاد والفتح والعمل على نشر الدين.
ثم تطور الحال بالفتوحات الإسلامية، فرأينا المساجد الشاهقة والقصور الفاخرة والفنون الصغرى تظهر تباعا نتيجة الاتصال بالأمم ذات الحضارات القديمة ومعاينة آثارها وما فيها من جمال الفن، فضلا عن صادق رغبتهم في ألا يظهر المسلمون فقراء في عمائرهم بسطاء في مظهرهم وهم سادة البلاد.
وظهرت الطرز حاملة أسم الدولة الحاكمة فظهر الطراز الأموي والطراز العباسي والفاطمي وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره تفصيلا.
وتشتمل الفنون الإسلامية عدا العمارة فنونا أخرى لا تقل خطرا فالنحت المعماري وإن يكن تابعا للعمارة إلا أنه لعب دورا له قيمته كعمل فني مستقل، وجاء الحفر في الخشب وأشغال العاج والعظم والتحف المعدنية والزجاج والبلور والأشغال الخزفية والمنسوجات والسجاد وهذه كلها لها قيمتها الفنية العظيمة.
ثم هناك فن مستقل آخر هو فن التصوير في الكتب ويدخل ضمنه فن التذهيب والخط والزخارف الكتابية التي تتصل كثيرا بالزخارف الهندسية المعمارية والزخارف البنائية.
ونحن إذ نقدم بعض النماذج لآيات الفن الإسلامي نرجو أن يلمس القارئ ناحية من نواحي الحضارة الإسلامية العظيمة جديرة بالعناية والدرس.
أحمد موسى