انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 960/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 960/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 11 - 1951



من صوت الشعراء:

على طلقات المدافع

للشاعر الأستاذ محمد عبد الغني حسن

توجه أستاذ فاضل في العدد (959) من الرسالة الغراء بنداء إلى أربعة من الشعراء ذكر أسمائهم، وذكرني في عدادهم، وكان نداؤه قويا مجلجلا لأنه ظن - سامحه الله - أننا نحن الشعراء نعيش في المريخ. . فقد لا نسمع نداءه ما دمنا لم نسمع أصوات الشهداء في (القناة)

والحق أن الشعراء قد سمعوا أنباء القناة محبرة محررة. . حتى لقد كاد السأم من العبارات والخطب، والمقالات والكتب يزهدهم في قيمة الكلام. . فنحن اليوم إلى سلاح صوال، أحوج منا إلى لسان قوال. .

إن الشعراء يعيشون بينكم - أيها اللائمون - ويحسون بمثل ما تحسّون وبأكثر مما تحسون. . . ولكني أرجو أن تحمد في أمتنا الأفعال. . لا الأقوال

فمتى؟ متى يا رب نرى العمل الجدي قد بدأ؟ ونحن حينئذ نكون في طليعة الصفوف، وفي وسط الحتوف؟

أيها اللائم أسرفت الملاما! ... وتجنيت على الشعر اتهاما!

رب صمت ملأ النفس لظى ... ساعة الجد وأذكاها ضراما

قد شبعنا يا أخي فيكم نداء ... وشعبنا يا أخي فيكم كلاما. .

وحسبنا سئمتم خطبا ... وشبعتم بالعبارات هياما. .!

ما الذي يصنعه الشعر إذا ... لم يجد رمحا، ولم يلق حساما؟

هذه الأقوال لا تحمي شهيدا ... من ضحايا الحق، أو تشقى أواما

أطلقوا المدفع. . . لا حنجرة ... وارجعوا للسيف في الحق احتكاما

إننا نقدر أن نتحفكم ... بالقوافي نملأ الصحف ازدحاما!

إننا نقدر أن نتحفكم ... بالنشيد الحلو فردا، وتؤاما! أترى نقدر أن نسعفكم ... بصليل يملأ الجو اهتزاما؟

أترى نقدر أن نسعفكم ... بالذي يقطع أوصالا وهاما؟

خبرونا اليوم ما موقفنا ... أحروبا قد أردنا أم سلاما؟

كل يوم صفعة مخزية ... فعلام الصبر يا قومي علاما؟

لا يرد الشر إلا مثله ... فادفعوا الشر، وردوه كراما

لا تردوا عنكموا غدر الأعادي ... بالعبارات نثارا ونظاما. . .

الكلام اليوم لا يحمي حقوقا ... والبيان اليوم لا يرعى ذماما. .

أطلقوا المدفع من معقله ... واملئوا الجو دخانا وقتاما

(القناة) اليوم من روعها ... بالخطوب السود غدرا وانتقاما؟

أطلق الغاصب فيها طبعه ... كوحوش الغاب فرسا واهتضاما

ملئوا بالسلم أشداقهمو ... ثم راحو يستفزون السلاما

منطق تفضحه أفعالهم ... كشف الصدق عن الزور اللثاما

مهج الأحرار سالت أنهرا ... وعلى الصحراء قد طافت غماما

شهداء الحق في موكبه ... والبواكير إلى الله اختصاما

في (القناة) اليوم أجسامهم تهاوى ... وعلى الضفة فيها تترامى

صرعتها كف جبار تناسى ... أمسه المملوء خزيا وانهزاما. .

القناة اليوم صارت صفحة ... لمخازيكم، وللشعب وساما

إن صوت الحق قد أفقدكم ... جانب الإنسان وفقا واحتشاما

قد سمعنا وعدكم سبعين عاما ... فاسمعوا تصميمنا - يا قوم - عاما

محمد عبد الغني حسن

ذكرى 13 نوفمبر:

يوم الجهاد

للأستاذ على متولي صلاح

في صبحك الضاحى صحا الوسنان من طول السبات وتمرد العاني الأسير على الشكيمة والعصاة

وتأجج الحقد الدفين على القراصنة الغزاة

شبت ضرامات الجهاد فألهبت ظهر الطغاة

وتسعرت نار على الشطين تأكل كل عات

وغدت أناشيد الرعاة زئير آساد الغلاة

. . . فترنج العادي الأثيم وخر مغلول الشباة

بوركت يا يوم الجهاد المر. . . . . يا بدء الحياة

قيل للدخيل - وقد غدا يمشي على جمر الغضاة -:

ارحل لدارك واغتنمها فرصة قبل الفوات

اذهب وخلفك لعنة تنصب من كل الجهات

لا تتخذ لك منزلا فينا. . . . ودع شط القناة

لا تلتمس أمناً ولا ترفع قواعد للنجاة

لا ترس آساساً ولا تحلم بهذي الترهات!!

قسماً نزلزلها.:. وإن تك كالجبال الراسيات. .

علي متولي صلاح

إلى روح أمي:

الظل المنحسر

للأستاذ حسن كامل الصيرفي

(الأم هي واهبة الحياة بعد الله؛ فإذا فقدها أصحاب الشعور أصبحت حياتهم أقباسا من وهج اللوعة، وفنونا من عبقرية الألم، وخريفا لا يعرف طعم الربيع إلا من أفواه الناس. . كلمات تجد أصدق التعبير عنها في هذه الأبيات)

ذهب الظل الذي كان هنا ... نعمة من رحمة الله بنا

ذهب الظل وعمري لم يزل ... ظاعنا يشكو الصدى والوهنا

طاويا في كل يوم رحلة ... تنشر الغيب وتطوي الزمنا الوداع المر أسقاه بها ... وأنا أقتات منها الحزنا

كم عزيز في ثناياها مضى ... كان دمعي غسله والكفنا!

الصحاري الصفر حولي قصة ... أنا أدري منّهاها المحزنا

مد راويها مداها، ولقد ... أرهق النفس وأوهي الأذنا

ملها السمار حتى انتبهوا ... ونداء الفجر فيهم أعلنا. . .

ما مسيري في طريق عبرت ... تربة قبلي دهور ودنى!

فنيت من قبل أن تدركه ... وخبا في ليلها كل سنا

أنظر الأشباح فيه ذرة ... من هباء في فضاء شحنا

لست أجني من ثراه ثمرا ... غير كد وشجون وضنى!

رحلتي طالت، وطالت غربتي ... فمتي يا روح ألقي الوطنا؟!

كان لي ظل إذا اشتد اللظى ... آوت الروح إليه فحفا. . .

كان لي ظل إذا إمتد الدجى ... وجد القلب لديه المأمنا

كان لي ظل إذا عاصفة ... زمجرت أسمعني لحن المنى

كان لي ظل إذا اليأس طغى ... ردني بعد ضلالي مؤمنا

ذهب الظل فلا مأوي هنا ... لغريب ليس يدري السكنا

الهجير المستبد استعرت ... ناره تشوي وهبت ألسنا

وأنا تلفحني النار ولا ... أجد الظل الذي كان هنا

حائر الطرف، أداري حيرتي ... بالسكون الجهم حتى تسكنا

وأري موكب ليلي زاحفا ... أسود الجبهة يطوي الحزنا

قاسيا يقصف في خطوته ... كل عود كان مأمول الجنى

موحشا تزحف في ظلمته ... أرجل الوهم غلاضا خشنا

عابسا أوشك من سحنته ... أن أراه ناقماً مضطغنا

غارت الأنجم إلا خادعا ... حير العقل وأعشى الأعينا!

عبد الناس حياة ضلة ... وأنا أجحد هذا الوثنا

حيرت طالت على أصحابها ... كل من فيها ينادى: من أنا؟ ذهب الأمل فيها يائسا ... وذوي المأمول فيها وانحنى

يهدم اليوم وفي سخرية ... ما أقام الأمس فيها وبنى!

ذهب الظل ولما أستريح ... من عناء السير إلا موهنا

ذهب الظل إلى بارئه ... فقضت أمي وودعت المنى

جنتي كانت. . ولكن ذهبت ... من أمامي مثلما يخبو السنا

لم تكن إلا جفوناُ أغمضت، ... ورؤى قرت، وروحاً سكنا. .

ثروة كانت. . وما اغبنني ... في تراب الأرض واريت الغنى!

لم يعد أثمن عندي من ثرى ... دفنت فيه أحبائي هنا. . .

حسن كامل الصيرفي