انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 950/الولايات المتحدة الأمريكية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 950/الولايات المتحدة الأمريكية

مجلة الرسالة - العدد 950
الولايات المتحدة الأمريكية
ملاحظات: بتاريخ: 17 - 09 - 1951



سياستنا الخارجية

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

- 2 -

هذا هو عنوان رسالة وجهها الرئيس ترومان إلى الشعب الأمريكي محاولاُ أن يشرح سياسة الولايات المتحدة الخارجية والأسس التي بنيت عليها

ومن الخير لنا نحن الشرقيين أن نعرف هذه السياسة وان نحاول الوقوف على كنهها. ذلك أن العالم الآن اصبح وحدة متماسكة الأجزاء ولن تستطيع أمة أن تعيش بمعزل عن العالم. كذلك أرى من واجبنا نحن الشرقيين أن نقف العالم على حقيقة آمالنا وأمانينا، وأمريكا أمة لها تأثير كبير في السياسة الدولية وهي ما تزال إلى الآن انظف الأمم التي تحرك العالم، فواجب علينا أن نناقش سياستها الخارجية وان نواجهها بحقيقة آمالنا وأمانينا وهي مطالب عادلة: وإننا نريد أن نعيش أحراراُ في بلادنا لانبغى إثماُ ولا عدوانا، ولكننا لن نتوانى عن الوقوف في وجه من يهدد أمنا وسلامنا وحريتنا واستقلالنا

ولست ازعم إنني سأنقل إلى القارئ ترجمة كاملة لهذه الرسالة القيمة، ولكني سأحاول فقط تبيان الخطوط الرئيسية التي تهدف إليها السياسة الخارجية الأمريكية

أسسها:

يقول الرئيس ترومان في رسالته (لم يعد هناك فارق حقيقي بين شؤوننا الداخلية والخارجية، فإن كل شئ نعمله: من جباية الضرائب وإنفاقها، والطريقة التي نفض بها الخلافات الداخلية والخارجية، وما تكتبه جرائدنا، وما تذيعه محطات إذاعتنا، كل هذه لا تؤثر في سلامتنا الداخلية فقط، ولكنها ذات تأثير كبير خارج الولايات المتحدة. ومن هذه الأمور جميعاُ تتكون الشخصية الأمريكية والخلق الأمريكي، وعليها تتوقف كرامة الولايات المتحدة وشرفها، ومنها جميعاُ تنشأ سياستنا الخارجية إن السياسة ما هي إلا تعبير إرادة الأمة ورغبات الشعب، أو بعبارة أخرى أن سياستنا توضح حقيقة أنفسنا وحقيقة احتياجاتنا)

وقد تغيرت سياسة الولايات المتحدة الخارجية منذ قيامها سنة1776 ولكن التراث ظل قائماُ طوال هذه الحقبة من التاريخ

نحن أمة مستقلة ونريد الاحتفاظ باستقلالنا

نحن قوم نقدس الحرية الفردية ونريد أن نحتفظ بها

نحن شعب مسالم ونريد أن نتخلص من الحروب ومن التهديد بها

نحن قوم مستوى معيشتهم عالية ونريد زيادة رفاهية شعبنا

نحن شعب صديق وليس لنا أعداء تقليديون

هذه أمور نتفق عليها جميعاُ، ومهمة الحكومة القيام بتحقيق هذه الأهداف. ولكن طريق تحقيق ذلك لم يكن سهلاُ ميسراُ في كثير من الحالات، فقد واجهت الولايات المتحدة كثيراُ من الصعوبات الداخلية والخارجية: داخلياُ لأن بعض الأمريكان لم يؤمنوا بالديمقراطية التي تؤمن بها أغلبية الشعب الأمريكي؛ وخارجياُ لأن بعض الأمم تحاول أن تقيم سيادتها العالمية وسيطرتها التجارية على الأسواق العالمية بطرق الحرب

وللقضاء على هذه العوامل أمريكا إلى امتشاق الحسام ثلاث مرات في القرن العشرين لإعادة السلام العالمي، كما أن أمريكا قد قامت ببعض المشروعات السلمية مثل إنشاء هيئة الأمم المتحدة ومشروع مارشال وبرنامج النقطة الرابعة، وذلك بقصد حفظ السلام العالمي وبقصد القضاء على الصعوبات التي تهدده

ماهيتها:

إن المصالح لرئيسية لأمريكا لا تتغير ولكن السياسة التي تكفل تحقيق هذه المصالح قد تتغير من عام لآخر

في1933 كان في أمريكا اثنا عشر مليون من المتعطلين فكان هم الأمريكان القضاء على هذه البطالة وإصلاح الاقتصاد الأمريكي

في 1945 كان اثنا عشر مليونا من الأمريكان يقاتلون في جبهات مختلفة لأن دول المحور كانت تهدد سلام العالم فوجب القضاء عليها وإعادة السلام إلى العالم

في 1950 واجهت أمريكا مشكلة أخرى. لقد حاولت روسيا نشر مبادئها بالتهديد وبالقوة، فمنذ 1945 ضمت روسيا سبع مليون كيلو متر مربع ونصف، وأكثر من خمسمائة مليون نسمة تحت سيادتها، وحاولت أن تبصط سلطانها على آسيا وبدأ صراع بين الدولتين.

وعمدت أمريكا إلى مقاومة روسيا فحاولت إنشاء (مراكز قوة) لتواجه الخطر الروسي وعمدت إلى تحسين حالة غرب أوربا كما ينجلي في مشروع التعمير الأوربي وبرنامج المساعدة الحربية

وقد عقد مؤتمر صحفي في فبراير 1950 وتحدث وزير الخارجية الأمريكية إلى الصحفيين قائلا (يجب إن نذكر أن الطريق إلى السلام شاق وطويل، ولكن يجب ألا نتردد في العمل للوصول إلى تحقيق هذا الهدف ويجب ألا نيأس من الوصول إليه)

وقد قضت الحرب العالمية الثانية على سياسة العزلة الأمريكية قضاءاً نهائياُ لأن أمريكا لن تستطيع العيش بمعزل عن العالم.

إن فيضاناُ في الصين أو مجاعة في الهند أو اغتيالا في البوسنة قد يؤدي إلى اضطراب عالمي تتأثر به أمريكا حتماُ ومن هنا جاء تفكير الأمريكان في إنشاء هيئة عالمية يستطيع الناس أن يعيشوا في كنفها في أمن وسلام يظلهم القانون وتحميهم راية العدالة

ما معنى إنشاء هيئة عالمية؟

معناها أولاُ أن تتعاون الدول جميعاُ في حل مشاكلها وفي الدفاع عن حريتها واستقلالها وكان للولايات المتحدة اليد الأولى في إنشاء هيئة الأمم المتحدة

ومعناه ثانياً إصلاح ما أفسدته الحرب، وقد كان ذلك هدف مشروع مارشال وغيره من مشروعات التعمير

ومعناه ثالثاُ إعادة الأمم الخارجية على القانون إلى حظيرة القانون، ومن هنا احتلت أمريكا ألمانيا واليابان وعمدت إلى إدخالها في دائرة الأمم الديمقراطية.

ومعناه رابعاُ مساعدة الأمم الأقل تقدماُ، ومعاونتها على النهوض، وتحسين مستوى معيشتها، وهذا هو هدف برنامج النقطة الرابعة ومعناه خامساُ إقامة نظام تجاري بحيث تستطيع الدول المشتركة في الهيئة أن تساهم في حياة العالم الاقتصادية مساهمة مفيدة.

هذا هو مشروع الهيئة العالمية ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بمدى نجاحه، فربما يؤدي هذا إلى إنشاء هيئة عالمية للأشراف على السلاح، أو إلى إقامة حكومة عالمية. ومهما يكن الأمر فإن على الأمريكان أن يقفوا كثيراُ من نشاطهم ومواردهم على دفاع عن حرية العالم.

وينتهي الكتاب أو الرسالة بما يأتي: إن الأمة الأمريكية بدأت حياتها بإعلان استقلالها، وجاء في هذا الإعلان: إن الناس خلقوا أحرارا متساوين، وأن خالقهم قد وهبهم حقوقنا لا يمكن تحويلها أو النزول عنها، وهي الحياة والحرية والعمل على تحقيق السعادة. ولتحقيق هذه الأهداف أقيمت الحكومات وهي تستند في قيامها إلى موافقة ورضى المحكومين.

وأن سياسة الولايات المتحدة الخارجية اليوم إنما هي إعلان وإقامة التعاون بين الأمم والشعوب على أساس احترام حرياتها. إننا نعرف كما أنبأنا الرئيس ولسن منذ أربعة وثلاثين عاماُ (إننا نساهم سواء أردنا أو لم نرد في حياة العالم. إن مصالح الأمم هي مصالحنا أيضاُ نحن شركاء الآخرين وما يؤثر على سكان أوربا أو آسيا يؤثر علينا حتماُ)

أيها الأمريكان:

إن كنتم تؤمنون بهيئة الأمم المتحدة وبمجلس الأمن فقد كفرنا بهما معاٌ كما كفرنا بعصبة الأمم من قبل. لماذا؟ لأن هذه الهيئات لا تؤدي الغرض المقصود منها. إنها تخدم مصالح الدول الكبرى فقط. وإلا فخبرونا ماذا فعلت هيئة الأمم في قضية فلسطين وفي مشروع التقسيم وفي كارثة اللاجئين، وفي مشكلة مصر والسودان والجلاء؟

إن الألفاظ البراقة والكلمات اللامعة لا تقنع صاحب الحق المظلوم ولا ترضيه، وإن هذا السراب الخادع لن يسكته

أيها الأمريكان

لقد دخلتم أخيرا في شؤون الشرق الأوسط فاحذروا أن تلوثكم السياسة البريطانية. واعلموا أن أمم الشرق تطالب بحقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال وفي استغلال موارد بلادها، فإن عاونتموها صادقين كان لكم منا شكر عظيم

أما ان وقفتم في وجوهنا فاعلموا أن دولة الباطل ساعة وأن دولة الحق إلى قيام الساعة، أن صاحب الحق لابد أن يصل إليه مهما طال به الزمن وشق عليه الجهاد

أبو الفتوح عطيفة