انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 946/تعقيبات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 946/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 08 - 1951



للأستاذ أنور المعداوي

مقال لا ينسى للأستاذ الزيات:

هو مقال ذعر في (الرسالة) منذ أثني عشر عاما فكان له في النفوس وقع، وفي الآذان دوي، وفي القلوب مكان

. . . وأشهد ما ذكرتني به هذه المناسبة التي أرويها هنا ودفعتني إلى الكتابة، لأنني أذكره منذ أن قرأته وقبل أن أعرف صاحبه وبعد أن عرفته وربطت الأقدار بيننا برباط من الود العميق. ولست وحدي الذي أذكره فيما أظنن ولكن يذكره معي الكثيرون ممن لا يسمحون ليد الزمن أن تطمس ما يؤثرون لغيرهم من قيم ويحفظون من كلمات!

أما المناسبة التي دفعتني إلى الكتابة وأثارت القلم بين يدي وبعثت التاريخ من مرقده، فهي سطور كتبها الأستاذ مصطفى أمين بك في كتابه الجديد الذي أصدرته (أخبار اليوم) وأعني به (عمالقة وأقزام). . سطور أشار فيها إشارة عابرة إلى ذلك المقال وهو في معرض الحديث عن الزعيم العظيم محمد محمود، وهناك حيث مر مسرعا وكان يجب أن يطيل الوقوف، وقال موجزا وكان يجب أن يطنب ويفيض:

(وفي سنة 1929 قمت بحملة في مجلة آخر ساعة ضد نادي الفروسية، وضد الكبراء الذين يتعالون على الشعب. . . وذات يوم استدعاني رفعة علي ماهر باشا وكان رئيسا للديوان الملكي، وقال لي إن هذه الحملة قد تؤدي إلى إسقاط وزارة محمود، وذلك لأن محمود رفض تقديمي إلى محكمة الجنايات!

وذهبت إلى محمد محمود وقلت له: إنني مستعد أن أقف الحملة مؤقتا وقصصت عليه حديثي مع علي ماهر. فقال رئيس الوزراء: إنه يشرفني أن تستقيل الوزارة بسبب الدفاع عن حرية رجل يدافع عن شعور المصريين! وقال لي: لقد طلبوا إلى محاكمتك فقلت لهم: أنا الذي أمليت عليه هذه المقالات، فإذا كان الدفاع عن شعور المصريين جريمة فأنا المجرم الأول!

وحدث بعد هذا أن كتب الأستاذ أحمد حسن الزيات مقالا في (الرسالة) في موضوع الطبقات وهاجم فيه بعض الكبراء. . فذهب أحد الكبراء إلى محمد محمود وطلب إليه تعطيل مجلة الرسالة، وتصادف أني كنت أزور محمد محمود فاخبرني بما حدث، وطلب منا أن نذكره في اليوم الثاني بالموضوع في مكتبه برياسة مجلس الوزراء!

وقبل أن يذكره أحد بالموضوع. . كتب بخطه الأمر التالي: (يجب أن تشترك وزارة المعارف في مجلة الرسالة، وأن تعطي إعلانات حكومية أسوة بباقي المجلات)!

وسلم الأمر إلى سكرتيره وهو يقول لي: هذا هو العقاب الذي أنزلته بمجلة الرسالة. .)!

هذه هي الإشارة العابرة التي وردت في كلمة الأستاذ مصطفى أمين عن مقال الأستاذ الزيات. إنها تعطيك فكرة ضخمة عن كبرياء محمد محمود وعراقة مصريته وأصالة قوميته، وبقى أن أحدثك أنا عن موقف الأستاذ صحاب الرسالة حديثا يحدد مكانة في نفسك ويقدم شخصه إلى حكمك وحكم الناس. ولقد دفعني إلى هذا الحديث أن الأستاذ مصطفى أمين بك قد مر بهذا الموقف مسرعا كما قلت لك وكان يجب أن يطيل الوقوف، وتعرض له موجزا وكان يجب أن يطنب ويفيض! لقد نسى الأستاذ مصطفى أمين بك أن مقال الأستاذ صاحب الرسالة كان يدور حول الموضوع نفسه الذي دارت حوله حملة (آخر ساعة) ضد نادي الفروسية وضد الكبراء الذين يتعالون على الشعب ونسى مرة أخرى أن يقول لقرائه إن الزعيم المصري العظيم محمد محمود قد وقف من الأستاذ الزيات نفس الموقف الجليل النبيل، حين طلب إليه أن يقدمه إلى القضاء فرفض هذا الطلب في إصرار وإباء. . . ونسى مرة ثالثة أن يقص على قرائه قصة مادي الفروسية التي ألهبت شعور الزيات وأثارت قلمه وأخرجت إلى الناس أعظم مقال كتب في تاريخ الكرامة المصرية!!

لقد حدث أن ذهب المغفور له محمد محمود باشا يوما إلى نادي الفروسية وهو رئيس للوزراء عام 1939، فوقعت عيناه على لوحة على الباب الخارجي تحمل إلى الزبائن هذه الكلمات: (منوع دخول الفلاحين). . . وثار الزعيم العظيم وهتف وهو يدق الباب بقدمه ويفتح على مصراعيه: (إن حكومة جلالة الملك لا يمكن أن تسمح بإعادة الطبقات. نحن هنا في بلد ديمقراطي، وكل المصريين سواء، وجلالة الملك يضرب كل يوم أعظم الأمثال في ديمقراطيته ومصريته. أنا فلاح وابن فلاح، وأفخر بأن أكون كذلك. . والفلاح هو عماد هذه البلاد وفخرها، وإذا كان بين أعضاء (نادي الفروسية من لا يعجبه هذا الكلام فليرحل عن بلاد الفلاحين)! نطق محمد محمود بهذه الكلمات فألهب شعور الزيات كما قلت لك وأثار قلمه فأخرج إلى الناس أعظم مقال كتب في تاريخ الكرامة المصرية. . زولا تظن أنني أجامل الزيات بهذه العبارة الأخيرة أو أغلو في وصف أثر من آثاره، ولكنها كلمة حق من قلم لا يعرف المجاملة ولا يطيق الغلو ولا يفرق في النقد بين الصديق وغير الصديق! وإذا بقى في نفسك شيء من الشك فقرأ معي هذا المقال الذي إليك من الصفحة الحادية والستين من المجلد الثاني من كتاب (وحي الرسالة)، وهناك حيث يبرز لك الزيات على حقيقته من وراء السطور والكلمات:

(جلست كعادتي في عصر كل سبت أفكر في موضوعي الأسبوعي للرسالة، فتردد على خاطري المكدود معان شتى من وحي الساعة وحديث الناس وحواز القلوب، كمأساة حلحول في فلسطينن وصلة الجديد بالقديم في الأدب، فكنت أذودها بالفتور والإهمال، لأن معنى من المعاني القوية كان قد استبد بذهني منذ الصباح، فهو يرواده ويعاوده ويلح عليه حتى لم يكن من الكتابة فيه بد. ذلك هو بيان رئيس نادي الفروسية الذي بعث به إلى الأهرام) وطلب إليها أن تنشره في عدد اليوم. والذي استفزني من هذا البيان لهجته المنتفخة في الرد على رئيس الوزراء، والدفاع الظنين عن نظام الطبقات، والتفسير المجازف لكلمتي الفلاح والديمقراطية، والتلميح المحتزل إلى السامية والطورانية، فإن هذه مسائل دقيقة ما كان له أن يعرض لها بهذا الاستكبار في بيان دفاعي فيه عن التنصل أو الاعتذار! لست والحمد لله من طبقة أولئك المنادين إلى هذه (الكلبات) التي تتضاءل فيها الديمقراطية بين أرستقراطية الدم أو المال أو المنصب، فلا أزعم أني سمعت الأشداق الملوية تأمر، ورأيت الأنوف الوارمة تمتعض، ولكني قرأت كما قرأ الناس ثورة رئيس الشيوخ وزارة رئيس الحكومة، فعلمت والأسى يحز في الصدر أن لعض الذي جعلناهم عظماء وكبراء لا يزالون على عقلية ذلك التركي الفقير الذي كان يقرع الأبواب مستجديا، فإذا أجابه المجيب الفزع قال له في عنف وصلف وأنفة: (هات صدقة لسيدك محمد أغا).

ولا أدري ما الذي سوغ لهم أن يعتقدوا أن الله خلقهم من المسك للملك، وخلقنا من الطين للطين، وجعلهم للثروة والسيادة، وجعلنا للخدمة والعبادة؟ إن كانوا مسلمين فلإسلام قد محا الفروق بين الطبقات إلا البر والتقوى، فالعرب والعجم سواء، وقريش وباهلة أكفاء. وإن كانوا وطنيين فالوطن لا يعرف التفاضل بين أبنائه إلا بأثرهم في تقويته وترقيته وخدمته، فالفلاحون على درجته العليا، لنهم عماد ثروته وعدة دفاعه وقوة سلطانه، والكبراء على درجته السفلى، لأنهم فيه معنى السرف الذي يفقر، والترف الذي يوهن، والبطالة التي تميت! وبين هاتين الدرجتين تتفاوت مواقف الوزراء والزعماء على حسب ما لكل منهم عليه من فضل

لا يا سيدي الأمير! ليس نظام الطبقات هو القائم في مصر وأوربا كما تقول، فإن جعلك نفسك ونظراءك طبقة متميزة واقعة. إن مصر كلها من أعلى شلالها إلى أسفل دالها طبقة واحدة، فيها الغني والفقير، والمالك والجير، والصحيح والمريض، والعالم والجاهل، فهل تجعل كل حال من هذه الحالات طبقة؟ وهل تستطيع أن تعين لي الفرق بين طبقتك المرفوعة وطبقتنا الموضوعة إذا كان الدستور الذي تخضع له الطبقتان يستطيع أن يجعل ابن الخادم الذي ينظف لك الحذاء جليسك ورئيسك؟ لقد كان امتياز طبقتك أنك تمسك الكرباج ونحن نمسك الفأس، وتأكل الذهب ونحن نأكل التراب، وتعبد الشيطان ونحن نعبد الله، وتتكلم اللغة الأجنبية ونحن نتكلم العربية. فلما قيض الله لمصر العظيمة فؤادا العظيم فتزوج منا وحكم بنى وسعى لنا ونشأ على خلائقه المصرية المحض شبله المرموق (فاروق)، شعرنا بأن العرش يستقر على كواهلنا، والعلم يخفق على معاقلنا، والسلام الوطني يتردد في شعورنا، والحكومة تقوم بأمرنا، والنيل يجري بخيرنا، ورأينا حين أخذكم - رضوان الله عليه - بأدب الإسلام والشرق الذي بأطراف الغربة، وقبعتم في زويا العزلة، وكنتم من مصر وثروتها مكان البالوعة تطفح بعرق الفلاح ودمه لتصب في منافع البلدان الغربية!

لا يا سيدي الأمير! ليس المصريون في الجنسية والوطنية بمنزلة سواء، فإن منهم من تمصر بالقانون لا بالأصالة، وتوطن للمنفعة لا للعاطفة. وكيف يستوي في الميزان من يقف على مصر يده وقلبه وكسبه، ودمه لا يعرفها إلا معرفة الغرماء، ولا يعيش إلا شهور الشتاء، ولا يعنيه من أمرها إلا أجرة العامل وسوق القطن! كذلك من خالص الحق قولك: (إن حق الشخص في الانتساب إلى أمة إنما يناله بما يؤديه إلى وطنه من الخدمات سواء أكان ذلك بنفسه أم بأفراد أسرته من آبائه وأعمامه وأجداده وأجداد أجداده) فإن أموال أبيك لك، ولكن أمجاده له. والوطني الصميم هو الذي يرفع ما بنى أبوه، ويتمم ما بدأ جده. ولا ينفع المرء عند الوطن أن أباه وطني وهو خائن، ولا عند الله أن أباه مسلم وهو ملحد!

أيها الكبراء والعظماء! في لكم في سيدكم الفاروق أسوة حسنة. فخذوا أخذه الجميل في سيرته ومصريته وشعبيته ودينه، فإن ذلك يكفل لكم رضا الشعب في الدنيا ورضا الله في الآخرة)! هذا هو المقال الذي ظهر في (الرسالة) منذ أثني عشر عاما فكان له في النفوس وقع الآذان دوي وفي القلوب مكان. . واليوم حين تدعوني المناسبة إلى إثباته، اشعر شعورا عميقا بأن من حق الزيات علي أن أخفض قلمي تحية لمصريته، وكرامته. وأقسم أن هذا الشعور ليس مرجعه إلى أنه صديق وإنما مرجعه إلى أنه (مصري). . . وأعظم بكل مصري ولو كان خصما من الخصوم!!

إلى الشاعرة فدوى طوقان:

إذا قلت لك إنك من هذه الفئة القليلة التي تملأ نفسي اطمئنانا على حاضر الشعر العربي وتذهب بأكثر ما فيها من قلق على مستقبله، فانظري إلى هذا القول على أنه تقرير لحق وتصوير لواقع، ولا تنطوي إليه على أنه مجاملة لآنسة شاعرة وقصيدة مهداة. . . لقد تفضلت فأهديت إلى قصيدتك المحلقة في العدد (944) من الرسالة، وأنا إذا أتقبلها شاكرا فإنما أغترف الشكر من منابع تقديري لشعرك. وما أكثر دواوين الشعر التي يهديها إلي شعراء (كبار) فلا يسمعون مني كلمة شكر، لأن الشكر عندي أساسه التقدير، ولأن التقدير عندي مبعثه الإثارة النفسية التي يلهب بها الشعور كل فن جميل!

إن قصيدتك لتذكرني بأنني مقصر في حقك وحق شعرك لأن للفن الجميل حقوقا على النقد يجب أن يؤديها بإخلاص ويرعاها بأمانة. ولست أدري كيف شغلت عن حقوق فنك وأنا حريص على حقوق الناس. . . مهما يكن من شيء فإن بوسع الغد المرتقب أن يستدرك ما غفل عنه الأمس الغابر واليوم المشهود. وأشهد أن شعرك جدير بأن يحتل من تاريخ الدب مكانا ملحوظا وسطورا مشرقة. وأشهد مرة أخرى أن هذه الكلمات خالصة لوجه الحق وحده دون سواه، وليس مرجعها إلى مجاملة الآنسة الشاعرة وقصيدتها المهداة! تذكرني قصيدتك بهذا كله ثم تعود فتعصف بالوجدان وهي تقدم إلي قصة (لاجئة في العيد)، لاجئة رسمت ريشة الشعر قصة بؤسها على لوحة الشعور، شعور فدوى الإنسانة وفدوى الفنانة. . .

فدوى التي تقول في هذه الأبيات وتزفرني هذه الأنات:

أختاه هذا العيد عيد المترفين الهانئين

عيد الألى بقصورهم وبروحهم متنعمين

عيد الألى لا العار حركهم ولا ذل المصير

فكأنهم جثث هناك بلا حياة أو شعور

أختاه لا تبكي، فهذا العيد عيد الميتين!

أجل يا فدوى إنه عيدهم، عيد هؤلاء الذين عنيتهم بهذه الكلمات يوم أن تحدثت منذ شهور عن مأساة اللاجئين، وأطلقت هذه الزفرة المحترفة على صفحات الرسالة: (قلت مرة إنني كفرت بالضمير الإنساني، كفرت به حين كفر هو بكل وشيجة من وشائج الإنسانية وكل خليقة من خلائق الأحياء، حين تكون تلك الوشائج مجموعة من المشاعر والأحاسيس، مشاعر الدم الواحد واللغة الواحدة والتقاليد الواحدة، وأحاسيس الأخوة والعروبة والجوار!

قلت هذا فاعترض بعض الناس، وحجتهم أن الضمير الإنساني لا يزال بخير، في هذه البقاع الطيبة التي عنيتها بكلمات رسبت في نفسي رسوب اليقين. . . هم ينظرون إلى الجزء وأنظر أنا إلى الكل، ويحكمون في ضوء الفرد وأحكم أنا في ضوء المجموع، ويتكلون عن الضمير الإنساني من زاوية ضيقة ينحصر فيها فلان وفلان من عشاق الخير وصناع الجميل، وأتكلم أنا عن الضمير الإنساني في صورته الكاملة الشاملة التي تعني أكبر عدد من أقطار العروبة!

إن الضمير الإنساني في هذه البقاع الطيبة وبهذا المعنى الذي رميت إليه قد مات. . . ولو كان حيا لما سمح لنفسه بأن يطيق منظر الموت البشع وهو يحصد بمنجله الرهيب جموعا من الأحياء شردهم الظلم والطغيان فهاموا على وجوههم في كل فلاة: بطونهم خاوية، وأجسادهم عارية، بينما شبعت الكلاب واكتست الأضرحة واطمأنت إلى المأوى الأمين أخس أنواع الحشرات!

وأتطلع إلى هؤلاء المشردين الذين أضناهم البرد وقتلهم الجوع ولفح شعورهم الهوان، ثم أتذكر أن هناك غيرهم ممن أنعشهم الدفء وضاقت بطونهم بالتخمة وامتلأت نفوسهم بالأمان. . أتطلع إلى هؤلاء وأولئك ثم أخرج من جولة الفكر وفورة الأسى بهذه الحقيقة، وهي أنني لا أملك لهؤلاء الجياع العراة غير هذا القلم! وماذا يجدي القلم يا رب وهناك من ينتظر الثوب الذي يستر الجسد، واللقمة التي ترد عادية الجوع، والقطرة التي ترطب حرارة الظمأ، والوطن الذي يشعر بكرامة الحي ويعبر عن جمال الحياة؟! وماذا يصنع القلم وهو لا يجد ما يهديه إلى هؤلاء الجياع العراة غير هذه الفروش الفكرية؟ ومن يخاطب وقد مات الضمير الإنساني عند حراس الخزائن وملاك الضياع وسكان القصور؟ إننا لا ندعو إلى الشيوعية ولكننا ندعو إلى الإنسانية، الإنسانية التي تصرخ في وجه هؤلاء جميعا بأن في أموالهم حقا لكل فقير وكل جائع وكل محروم، وتقول لكل واحد منهم في همسة إن لم تكن جازعة فهي ضارعة: تنكر للفتك إذا شئت، ولعروبتك إذا أردت، ولقوميتك إذا أجبت، ولكن. . . ولكن لا تنس أنك إنسان!

إنها قروش فكرية كما قلت، وحسبي حين أجود بها أنني أجود بخلجات النفس وخفقات القلب ودفقات الوجدان. حسبي هذا، وحسب اللاجئين أن يتقبلوا على أنها نفحة من نفحات الألم، فيها من مشاركة الشعور ما يقوم مقام العزاء، حين يضيع كل أمل في الضمير الإنساني ويخيب كل رجاء)!

لحظات مع أندريه جيد:

قارئ من قراء الرسالة يسألني: لماذا لم تكتب (الرسالة) كلمة واحدة عن الكاتب الفرنسي أندريه جيد بعد أن أصبح في ضيافة الخلود؟ لقد كتبت مثلا عن برناردشو مقالين تعرضت في أولهما لشخصيته الأدبية والإنسانية، ثم تحدثت في الثاني عن موقفه من الرأسمالية. . . ترى هل يستحق شو أن تكتب عنه كلمتين ولا يستحق أن تكتب عنه كلمة واحدة؟ وجوابي عن هذا السؤال هو أن مكانة أندريه جيد في نفسي لا تقل عن مكانة برناردشو على التحقيق. . وإذا كنت حتى الآن لم أكتب عنه فليس معنى ذلك أنني صرفت القلم عن الكتابة أو صرفت الذهن عن التفكير فيه. وأزيد على هذا أن أقول للأديب الفاضل صاحب السؤال: لقد كانت لفتة جميلة منك أن تذكرني بهذا الواجب الأدبي الذي تسأل عنه (الرسالة) ويسأل عنه كاتب هذه السطور، وهو واجب لم أغفل عنه وإنما أرجأته إلى حين، وقد يكون هذا الإرجاء إلى الأسبوع المقبل أو الأسبوع الذي يليه!

أنور المعداوي