مجلة الرسالة/العدد 945/مشكلة يهود اليمن النازحين إلى إسرائيل
مجلة الرسالة/العدد 945/مشكلة يهود اليمن النازحين إلى إسرائيل
2 - مشكلة يهود اليمن النازحين إلى إسرائيل
للأستاذ عمر حليق
تقول النشرة الرسمية للمؤتمر اليهودي العالمي (ومركزه نيويورك) إن الدافع الرئيسي لهجرة يهود اليمن إلى فلسطين هو الاضطهاد الذي لحق بهم بعد حرب فلسطين، والمجاعة التي لحقت باليمن عامة ويهودها خاصة. أضف إلى لك النزعة الدينية القومية التي حفظها اليهود على مر الأجيال وهي (إن نسيتك يا أورشليم فلتشل يداي). هذا نوع من التضليل والدعاية المغرضة التي تشوب تصريحات أولي الأمر في اليهودية العالمية فقد استعرضنا في مستهل هذا البحث ما سجلته دائرة الأبحاث الشرقية في جامعة اليهود العبرية بالقدس وآراء مبعوثي الهيئات اليهودية إلى اليمن من حسن المعاملة التي لقيتها الطائفة اليهودية في اليمن قديما وحديثا. واضطهاد اليهود بدعة تتفنن القيادة اليهودية من أجلها شنت حملة غزو الأراضي المقدسة في فلسطين
والقول بأن في اليمن مجاعة ينفيه أن ما يعرف عن البلاد اليمنية من انتشار الرخاء فيها، فالبلاد اليمنية مزيج من الجبال الشماء والسهول الخصبة تتوف فيها المياه وتنتشر فيها الزراعة من أقدم العصور. وليس في سجل المعلومات عن اليمن أنها أصيبت بمجاعات
أما النزعة الدينية التي دفعت يهود اليمن إلى النزوح لإسرائيل فهي حقيقة لا تنكر. ولكن الذي أذكى نار الحماس اليهودي لغزو فلسطين هو ما أثارته الحركة الصهيونية العالمية في نفوس الجاليات اليهودية في الشرق والغرب من نار القومية اليهودية العنيفة
وليس أدل على لون الخداع والغش الذي يشوب أعمال الحركة الصهيونية من أن هجرة يهود اليمن إلى فلسطين لم تتحقق على هذا النحو من السرعة والإتقان إلا لأنهها كانت وليدة تدابير يرجع عهدها إلى سنين مضت قبل أن تدخل الدول العربية في حرب مع اليهود وقبل أن تولد الدولة اليهودية
وتشجيع الحركة الصهيونية ليهود اليمن على الهجرة غلى إسرائيل هو جزء من الخطوة التي ترمي غلى حشد أكبر عدد ممكن من يهو العالم في (أرض الميعاد) ليزدادوا قوة وعددا ويحققوا برامج بني إسرائيل في إقامة دولتهم في الحدود التي دونتها التوراة: (من ضفاف النيل إلى ضفاف دجلة والفرات. وم طرسوس إلى صحراء الجزيرة العربية) نستعرض هذه الناحية في قضية يهود اليمن أن نسجل أن عملية قد تمت بنجاح. فقد نقل اليهود الجزء الأكبر من أموالهم (ما خف حملة وغلا ثمنه) ويقول كاتب يهودي زار عدن أثناء اليهود فيها لركوب الطائرات التي نقلتهم إلى إسرائيل - يقول هذا الكاتب (في مجلة كونتري عدد يوليو 1951) إن القوافل اليهودية التي اجتازت حدود اليمن إلى عدن لم تلق أذى أو صعوبة. فلا الحكومة اليمنية وضعت في وجه هذه القوافل العراقيل، ولا قبائل البادية عارضوها، وكل ما فعله المشرفون على هذه القبائل اليهودية أن رشوا بعض المشاغبين مع رؤساء القبائل على حدود اليمن - عدن، فسهل هؤلاء لهم المرور أضف إلى ذلك المساعدة الأوربية التي وفرها حاكم عدن البريطاني أعوانه لحماية هذه القوافل اليهودية في ظل ما له هناك من سلطة ونفوذ
وكانت حين تصل قافلة من هذه القوافل إلى حدود عدن يتلقاها جماعة من يهود أمريكا وبريطانيا كان حاكم عدن البريطاني قد سمح لهم بتنظيم عمليات المعونة والإسعاف والراحة من عناء السفر. ولم تكن هذه القوافل لتنتظر كثيرا قبل أن تجلس في مقاعد وثيرة وفي طائرات ضخمة حديثة من نوع القلاع الطائرة التي وفرتها السلطات الأمريكية الرسمية (للجنة التوزيع الأمريكية اليهودية المشتركة) التي قامت بنقل يهود اليمن إلى (أرض الميعاد). والمشرفون على هذه اللجنة يهود أمريكانيون كان في استطاعتهم التنقل في عدن والسودان والصومال وإرتريا لأنهم من رعايا أمريكا ومن حاملي جوازات سفرها. وقد كلفت عملية نقل يهود اليمن حوالي (65) مليون دولار وهي جزء من التبرعات التي يقدمها يهود أمريكا للحركة الصهيونية - تبرعات مخصومة من ضريبة الدخل الحكومية المفروضة على الرعايا الأمريكان وفي مثل هذه الظروف المواتية نزح يهود ايمن إلى إسرائيل ودفعوا إلى مراكز التجمع لليهود القادمين حديثاً إلى إسرائيل وتكاثر عددهم حتى بلغ عشرات الألوف، ومن هنا نشأت المشكلة (اليمنية) في إسرائيل
أسباب المشكلة:
رأينا من مقدمة هذا البحث أن يهود اليمن كانوا قبل رحيلهم عنها في بحبوحة من العيش والرخاء الاقتصادي، وانهم كانوا ملاكا للأراضي الزراعية وتجارا وصناعا وصيارفة. وبالرغم من أنهم نقلوا معظم أموالهم (الخفيفة الحل الغالية الثمن) معهم إلى إسرائيل لم تسمح لهم الحكومة اليهودية بالتعامل التجاري أو بامتلاك الأراضي والاشتغال بالزراعة أو التجارة على نحو ما كانوا يقومون به في اليمن
والواقع أن الحركة الصهيونية لم تخدع العالم فقط بل خدعت اليهود أنفسهم. . ومشكلة يهود اليمن مثال لذلك
فقد كانت الدعاية الصهيونية في الجاليات اليهودية في اليمن تزين لهم (أرض المعاد التي تدر لبنا وعسلا) والتي تقام فيها شعائر المذهب اليهودي بدقة تامة. ولقد رأينا أن إذكاء الحماس الديني بين يهود اليمن من أهم الدوافع التي مكنت للحركة الصهيونية وأعوانها في محمية عدن من تشجيع يهود اليمن على الرحيل إلى إسرائيل. وعندما استقرت هذه الألوف من اليهود اليمنيين في (أرض الميعاد) تبخرت أموالهم حين كشفت لهم القيادة الصهيونية عن رغبتها الحقيقية في نقلهم إلى إسرائيل - وهذه الرغبة تتوخى جعل يهود اليمن مصدرا للعمل الرخيص في المصانع والمزارع اليهودية في إسرائيل، إذ أن العامل اليهودي المهاجر من أوربا يصر على أن ينالوا أجرا مرتفعا، الأمر الذي لا يشجع سياسة التصنيع والإنتاج التي تبتغي الدولة اليهودية جعلها أساسا لحياتها الاقتصادية وسياستها التوسعية في الشرق العربي
وغضب يهود اليمن حين اكتشفوا ذلك وسقط في أيديهم لأن أولي الأمر في الدولة اليهودية أصروا على التقييد من حريتهم في التجارة والزراعة والصناعة. ولم تكتف بذلك بل أصرت حكومة تل أبيب - وهي حكومة إلحادية النزعة - على أن يطلق يهود اليمن عاداتهم الدينية، ومنعوا من تربية أولادهم تربية وأرغموا على البقاء في معسكرات اللاجئين وحيل بينهم وبين الدخول في ميدان التجارية والزراعية
ثم جاء دور السياسية الحزبية فزاد المشكلة تعقدا. فليس يهود اليمن وحدهم هم الذين غررت بهم الحركة الصهيونية على هذا النحو، بل إنهم ويهود العراق وشملي إفريقيا وإيران سواء في هذه الخدعة التي تحاول أن تقيد حريتهم في مزاولة التجارة والحرف الناجحة - التي أتقنوها على حساب عرب اليمن والعراق وشملي إفريقيا - لتجعل منهم ذخيرة من الأيدي العاملة الرخيصة النفقات لتسد حاجة المصانع والمزارع التي تديرها الحكومة اليهودية أو الشركات الكبرى التي تمولها رءوس أموال يهود أمريكا وبريطانيا ومصر وجنوبي أفريقيا. أو ليست الحركة الصهيونية مغامرة اقتصادية سترت بلون من (الروحانية) والقومية اليهودية العتيدة لتحقيق السيطرة على صميم الشرق الأوسط في ملتقى القارات الثلاث؟
قلنا إن السياسية الحزبية في إسرائيل تدخلت في مشكلة يهود اليمن ويهود العراق وشمالي إفريقيا فزادتها نقدا. فلقد كان لأفراد هذه الجاليات ضلع كبير في أعمال الإرهاب والتجسس الذي ساد فلسطين قبيل المأساة. . . وكان من السهل على يهود البلدان العربية المقيمين في فلسطين أن يتسربوا إلى صميم القطاعات العربية لأعمال الإرهاب والغدر. وقد سهل لهم ذلك تمكنهم من العربية ولون بشرتهم وملامحهم الشرقية، والمكر والمواربة التي اشتهر بها يهود الشرق بصورة خاصة. وقد ساء أن تعاملهم الحكومة اليهودية الحالية هذه المعاملة بعد أن أبلوا في سبيل الصهيونية بلاء حسنا. فأخذوا في تنظيم جموعهم والسعي لإزالة هذه القيود التي فرضتها عليهم الحكومة اليهودية واشتدت غطرستهم، وقوى نفوذهم بعد التكتل، وأخذت الأحزاب في سعيها لاستمالة أصواتهم في الانتخابات تشمل الضغينة والحقد فيهم ضد الحكومة القائمة
ويستفاد من الأنباء التي تسربت من نطاق الصهيونية الحديدي في إسرائيل أن يهود اليمن والعراق وشمالي إفريقيا قد ثاروا مرتين خلال هذا العام. . . وفي كل مرة كانوا يحتلون المنازل ودور الحكومة وأماكن الاستراحة الشعبية إعرابا عن استيائهم. وفي إحدى هذه الثورات رجموا البوليس وأصيبوا بعد قتلي وجرحي. ولم يكتفوا بذلك بل إنهم حملوا شيكاتهم إلى معاقل الصهيونية في أمريكا وبريطانيا، ولكن سعيهم ذهب سدى. فصهيونيو أمريكا وبريطانيا من أشد اليهود تفهما لحقيقة أهداف إسرائيل لأن في كيانها منفعة اقتصادية كبرى. . ولن يسعى صهاينة أمريكا وبريطانيا في عرقلة برامج التوسع الاقتصادي اليهودي رأفة بيهود اليمن، والعراق، وإيران، وشمالي إفريقيا أو ليسوا هؤلاء أقرب عناصر الصهيونية إلى العرب لونا وتكوينا؟ وحكماء صهيون الذين خدعوا طوال هذه الأجيال أمكر من أن يتركوا يهود اليمن يفلتون من قبضتهم ترى هل يذكر هؤلاء اليهود الذين وقعوا في أحضان العرب واصبحوا في بحبوحة العيش وحسن الجوار ما قاله المثل العربي (على نفسها جنت براقش.) عمر حليق
نيويورك
للكلام صلة