مجلة الرسالة/العدد 935/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 935/البريد الأدبي
تحقيقات جغرافية:
إذا كانت محطة الإذاعة المصرية قد ضربت الرقم القياسي في الأخطاء النحوية واللغوية، وفي توارد اللحن على ألسنة المذيعين والمحدثين، فأنها قد حرفت في أحيان كثيرة أسماء البلاد الجغرافية.
وذلك لان الكثيرين فيها ينسون أو يتناسون عمداً انهم في بلد عربي إسلامي، اسمه (مصر) وللعرب والمسلمين تاريخ طويل، مملوء بالحوادث والأمجاد والأيام حلوها ومرها، وقد تركوا وراءهم دويا في العالم، وصبغوا أنحاءه بلغتهم وثقافتهم وأفكارهم، وهذاشيء لا يمكن أن يزول ويفنى بالسهولة التي يتصورها البعض في مصر، والأسماء التي أطلقها العرب على البلدان في العالم هي التي يجب أن نسمعها كما نطقها العرب عندما تذاع نشرة الأخبار من محطة الإذاعة المصرية، فنحن لا ننحت أسماء غريبة عنا، ولا نقلد الفرنجة في نطقهم، وإنما نريد أن نسمع الأسماء تذاع كما ينطقها العرب.
من قبيل ما سمعته ووعته إذني:
توليدو بدلا من طليطلة
سفيل
(إشببيلية
جراندا
(غرناطة
كازا بلانكا
(من الدار البيضاء
ألجيه
(من الجزائر
وقد تعود بعض المذيعين بنطق بيرما - على الطريقة الأمريكية بدلاً من بورما.
فهل نجد من يلفت نظرهم إلى تحقيق الألفاظ الجغرافية التي قد إذاعتها؟ إننا نؤمل وننتظر!
كنت منذ أيام في زيارة لصديق عزيز وأستاذ كبير، فوقع في يدي كتاب تحت اسم (أطلس تاريخ القرن التاسع عشر)، تأليف وجمع الأستاذين أحمد نجيب هاشم ومحمد محمود نجا، طبعته مكتبة النهضة المصرية في مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، وبينما اقلب صفحاته وقع نظري على الخريطة (6) أمام الصفحة (166) وهي خريطة خاصة بحمل الدردنيل سنة 1915، فرأيت الأسماء منقولة من الأصول الإفرنجية؛ نقلا حرفها تماما عن أصولها، خذ لذلك مثلا:
كوم كيل بدلا من قوم قلعة
نشاناق
(جناق قلعة
اتى بابا
(عنى بابا
زد على هذا التحريف في كيليد البحر، وسد البحر، وغير ذلك من الأسماء التي كان يسهل على المؤلف الجغرافي أن يرجع في تحقيق أسماء البلدان إلى الأصول العربية والتركية وهي معروفة ومتداولة.
لقد راجعت قبل كتابة هذه الكلمة الخرائط الواردة في مؤلفات فون ساندرس والقواد الإنجليز عن الحملة وما نشره ضباط البحرية عن العمليات التي قام بها أسطول الحلفاء: وبين يدي مجموعة الجرائد المصرية لذلك العهد وفيها ذكر الدفاع المجيد لهذه الأسماء التي نقلتها صحف مصر وقتئذ بأسمائها الصحيحة كما أوردتها، فهل ننتظر ونؤمل من المشتغلين بأمور الجغرافيا بعض الاهتمام بأمور التاريخ كما يفهمه المسلمون ويعرفه العرب.
أحمد رمزي
قطع الحديث
يتصل بقوله (الزيات بك) الرائعة؛ في أدب الحديث ما تتزاحم به الألسنة من أساليب المقاطعة، ونقول (الأساليب) لأن أصحابها يفتنون في طرق أدائها ويفتنون بها افتنانا!
وان لهم تعابير عجيبة في الاعتذار عن المقاطعة، فهم يتظرفون ويتملقون الذوق بقولهم: (.
نقول والكلام لك) أو (ما قطع حديثك إلا كل خير) أو (وأنت الصادق). . .
وعندي إن الاعتذارات ليست سوى دلالات على الاعتزاز بالرأي ولو كان باطلا، وفيه مغزى من مغازي الغرور الدال على النقص في التربية الاجتماعية!
أنى ليقف في حلقي القول حتى أكاد اشرق به بعد أن اسمع مقاطعة ثقيل يريد أن يقول بطريق غير مباشر: (اسكت أنت فأنا اعلم منك بما تقول)، أما هذه الاعتذارات المفتعلة، فهي أقنعته تغطى بها شناعة الأكذوبات!
كان الأمام علي يسأل عن الشخص؛ فإذا لم يعلم له حرفة سقط من عينيه، فيجب أن يكون هذا شأننا مع متصدري المجالس، نستدرجهم إلى الحديث حتى تلوك ألسنتهم أشداقهم؛ فإذا وقعت السقطات حق لنا أن نمد الأرجل على حد تعبير الأخفش النحوي!
إن كل نقيصة في هذا المجتمع مردها إلى المجاملة، وعدم المجاهرة بالرأي، وإغفال ذي البلة والغفلة!
يجب أن نهذب هؤلاء المضايقين ماداموا جاهلين بآداب المجتمع، فليس القصد من العلم حشو الرؤوس، بل معرفة تقاليد البيئة وأساليب السلوك الصحيح التي تحدد معنى الحياة الكاملة.
بور سعيد
أحمد عبد اللطيف بدر
إلى الزيات بك
ترددت طويلا قبل أن اكتب إليك على صفحات (الرسالة) فما اعتدت أنت أن تنشر ثناء على نفسك في صفحات مجلتك، ولا اعتدت أنا أن اوجه إليك مثل هذا الثناء، لان الثناء الحق هو ما احتفظ به الإنسان بينه وبين نفسه كما يقول الدكتور طه حسين باشا.
وأحب بعد ذلك أن أقول لك إنني سمعت منذ ثلاثة أعوام أو نحوها إن كلية الآداب في جامعي فؤاد الأول رشحتك لكرسي الأدب المعاصر، بيد انك تنحيت عن هذا المركز الأدبي الممتاز لدواع صحية. وبعد ذلك فكر بعض الزملاء الصحفيين في ترشيحك عضوا لمجلس النقابة توطئة لانتخابك نقيباً للصحفيين، ولكن قال قائلنا إن (الأستاذ الزيات) عزوف عن مثل هذه المظاهر!
أما انتخابك عضوا في المجتمع اللغوي، فقد كان - كما عملت - مفاجأة لك، لأنك لم تسع إلى هذا الشرف وإنما سعى هو إليك سعياً. ولو قد ترك الأمر إليك لآثرت أن تبقى بعيداً عن هذا المنصب الخطير معنيا بأمر صحتك وأمر (رسالتك)!
وكذلك الرتبة يا سيدي، سعت إليك مختالة تجرر أذيالها، ما فكرت أنت فيها ولا طلبتها ولا رجوتها، وكذلك يسعى إليك المجد دون أن تسعى إليه، وتتهالك عليك المظلمة دون أن تتهالك عليها!
وأحسب إن هذه الكلمة لا تدخل في باب الثناء، ومن هنا فإني مصر على نشرها، وهبني أثنيت عليك، فهو ثناء التلميذ على الأستاذ، والصديق على الصديق، وحسبك هذا التقدير السامي الذي دونه كل تقدير
منصور جلب الله
التهذيب للأزهري والتكملة للصاغاني
كتب ألينا الأستاذ أحمد عبد الغفور عطار يقول: عثرت بمكتب شيخ الإسلام عارف حكمة الله الحسيني في صيف العام الماضي على نسخة كاملة صحيحة نظيفة جميلة الخط والشكل من معجمي (التهذيب) للأمام الأزهري و (التكملة) للأمام الصاغاني، وهما بحالة سليمة، عثرت بهذين المعجمين العظيمين مصادفة بتوفيق من الله وحده بين ثمانية آلاف من المخطوطات، بعضها من فوق بعض، وقد استخرت الله في نشرهما فشرح صدري وأعانني، وقد درست كلا المعجمين وقراءتهما قراءة درس وتمحيص فلم أجد بها غلطة واحدة في الخط أو الشكل، مما يدل على العناية الكبيرة التي بذلك في نسختها نسخاً سليما من الخطأ.
وقد رأيت أن أقوم برحلة إلى شمال إفريقيا وأوربا واطلع على المكتبات التي تحوي ذخائرنا وكنوزنا التي أهملناها وأغفلناها، وأفاد منها من يريد بنا السوء والشر، رجاء أن أجد بها ما يعنيني على نشر ما أردت نشره.)
بمكة المكرمة أحمد عبد الغفور عطار