انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 931/طبقات الحنابلة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 931/طبقات الحنابلة

مجلة الرسالة - العدد 931
طبقات الحنابلة
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 05 - 1951



لابن رجب عبد الرحمن بن أحمد المتوفى سنة 795هـ

نشره الدكتور سامي الدهان

للأستاذ إبراهيم الابياري

الطبقات - ولا ضير أن أميل بك نحو اللغة ميلة - جمع طبقة بفتح فسكون، ومعناها ما تعرف. . القوم المتشابهون. ويكاد يكون الناظر في هذا التصنيف بادئ ذي بدء رجال الحديث ومن لفة لفهم. فعن هذه الطبقات المحدثة الرواية نقل إلى المسلمين تراثهم الديني الخالد. ولهذا الأمر خطر. فلا غرو أن تسبق العناية به غيرها في نواحي أخرى، ويسبق المحدثون إلى الرواة يميزونهم على الأسنان واللقيا والسبق إلى الإسلام، أمنا للشبهات وتخلصا من التدليس

ونعرف في الطليعة أبن سعد المتوفى سنة 230 بكتابه الطبقات الكبرى، أو طبقات الرواة كما يقول حاجي خليفة. ثم حذا حذوه أبن عبد البر وأبن منده وأبو نعيم وأبن الأثير وأبن حجر

ونرى الأدب يجري مع الحديث في هذا الميدان. فإن أبن سلام صاحب طبقات الشعراء مات سنة 232 أي بعد أبن سعد بعامين والرجلان بصريا النشأة، جاران في الحياة، وكلاهما له كتاب في الطبقات، هذا في الحديث وذاك في الشعر، وسبق عامين يكاد لا يرجح، ولكن طبيعة الفكرة وما توحي به وتدعو إليه يجعلنا مع ما سبقنا بظن، وهو أن السبق في هذا للمحدثين، وأن هذا العمل بتلك البابة أدنى وأشبه، ومع غيرها محاولة المقلد، وأن أبن سلام مشاكل لا مبدع وأنه ألتقط الفكرة التقاطا ثم أخضع لها ما يملك من تراث الشعراء فصنفهم طبقات

ثم شاع هذا النوع من التأليف فلم يقف عند رجال دون رجال، ولا عصر دون عصر؛ وخرج عن غرضه الأول إلى منهج المؤرخين لولا ما يزيده من ضم المترجم لهم إلى فئات

وتكاد تكون طبقات المذاهب الأربعة من هذا، وإن حملت في سنيها الأولى ظلا من ذلك المعنى الذي حدا المحدثين إلى وضع رجالهم على طبقات. فالمتصلون بأئمة المذه والمتتلمذون عليهم الآخذون عنهم محدثون واعون قد ينقلون شيئا يفوت التدوين ويعز على التحرير. ولكن الأمر في غير هذا وبعد أن قيدت الأقلام ما تنطق به الألسنة، وبعد أن أملى الأشياخ وكتبوا، هو من التاريخ لا يقوم إلا على تلك الفكرة الأولى التي عنت المحدثين والتي أسسوا عليها طبقاتهم. وحسبك أن الأمر انقضى عند المحدثين وبقى موصولاً عند غيرهم. ولو شاء مؤرخو اليوم أن يصلوه لوصلوه. ومالي أنسى أن الغزى الحنبلي انتهى في طبقاته إلى 1207هـ وأن الشطي وصلها إلى سنة 1325هـ

والحنبلية والشافعية أسبق من الحنفية والمالكية في جميع طبقاتهم. ويكاد يكون الحنابلة أسبق من الشافعية. فللخلال المتوفى سنة 311 أول جولة في هذا الميدان؛ وأن وفاة أبن حنبل - كما تعلم - سنة 241هـ. ولعل سبب ذلك هو الصراع الذي قام بين المذاهب في نشأته، وبين الرأي المحيط به، وأنه لم يحظ برعاية ذوي الجاه، بل أوذي وأوذي أصحابه، وحورب وحورب رجاله، فكان هذا داعيا لأن يلتفت أصحابه إلى مذهبهم يحفظونه، وإلى رجالهم يترجمون لهم. وقد عرفنا الشدائد مع الأيام حافزة

وتلا الشافعية الحنابلة، فكان أول من صنف في الطبقات منهم محمد بي سليمان المتوفى سنة 404. وبعد الشافعية المالكية، وأحسب ترتيب المدارك ليعارض باكورتهم في هذا. ثم جاء الحنفية بأخرة، فكان القريشي عبد القادر بن محمد المتوفى سنة 775 أول من صنف لهم الجواهر المضيئة

وأبن رجب ذيل لطبقات الحنابلة لأبي يعلى الفراء المتوفى سنة 526هـ. الذي جمع رجال المذهب من لدن عصر الإمام إلى سنة 512، وابتدأ أبن رجب بأصحاب أبي يعلى حتى سنة 751. وفي جمع أبن رجب في ذيله تراجم لنحو قرنين ونصف من الزمن على نحو فيه إفاضة وفيه سعة، فقد ذكر كثرة من الأحاديث بأسانيدها، كما عرض لكثير من المسائل الفقهية وغيرها من الفتاوى. بث ذلك كله خلال التراجم لم يتخفف منه حرصا على أن يفيد وينفع، كما لم يفته أن يروح بما أثر للفقهاء من شعر

والرجل ذو أسلوب متميز فيه وضوح وفيه سلاسة، هذا هو الكاتب الذي شمر له الأستاذان الجليلان هنري لاووست وسامي الدهان. أما أولهما فنعرف له صلته القديمة بالحنابلة ورسالته القديمة في أبن تيمية التي تعد مرجعا في هذا الباب، وأما ثانيهما فقد عددنا له جولات في النشر موفقة، وكاد أسمه يحفظه كل متصل بالحركة الأدبية. وفي الأمس القريب عرفت بكتابه (زبدة الحلب). وأكاد أمضي أشكر لاحقاً بعد سابق فأجدني غير موف، وتسرع إلي ذاكرتي تلك الأحدوثة التي لقناها صغارا عن عجوز كان يغرس نخلة ورآه الخليفة، وحين أخذ يحاوره راقته إجابته فكافئه على الأولى ثم على الثانية، وما أن أمره وزيره بمنحه الثالثة حتى هم بالانصراف وهو يقول لوزيره سوف تفرغ خزائننا ولا تفرغ أجوبته الحلوة

ألا رفقاً بنا أيها الزميل الكريم فسوف نعيا بوفائك على الخليفة بمكافأة ذلك العجوز الغارس، فلك الله عنا يرزقك العوم والصبر لنرى لك مع كل عام جديدا في النشر

وإنا لنرجو للأستاذين الجليلين توفيقا متصلا في هذا العمل الجليل الذي بدأ به، سائلين الله لهما المديد من العمر، والمزيد من العافية؛ لنرى لهم الجهود الموفقة في هذا الميدان

إبراهيم الأبياري