مجلة الرسالة/العدد 919/المرأة والأزهر
مجلة الرسالة/العدد 919/المرأة والأزهر
جامعة الزهراء. . .!؟
للأستاذ محمد محمود زيتون
يستعيد العالم الإسلامي الآن للاحتفال بالعيد الألفي لأقدم جامعة بالإسلام. وذلك على أثر اللفتة الملكية الكريمة التي تفضل بها الفاروق العظيم على الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر.
والاحتفال بهذه الذكرى المجيدة إنما ينطوي على المعاني السامية التي حرص هذا الجامع العتيق على أدائها منذ أقدم العصور، فلم يعبأ بخيول نابليون، ولا بمدافع الإنجليز. ذلك بأن الجامع الأزهر هو الثقافة الإسلامية تجسمت في ألف سنة من الزمان، وانبثقت أشعتها على ألسنة العلماء، وتحت ألوية الزعماء، وبين صفحات الكتب والمجلات وعلى متن الأثير اللاسلكي.
ويكفي الأزهر أنتحتل رسالته الإنسانية مكانها الرفيع من تاريخ العلم، لأنه صاحب اليد الطولي في رعاية لغة القرآن، فكان رجاله غواصين على لآلئ الحكمة والشريعة، وفرائد الأدب والتاريخ. ودور الدنيا والدين، قد توارثوها على الأيام والأحكام فصانوا خزائن كنوزها على الدوام.
وبين العلم والسلام وشيجة كبرى لا تنفض، وعروة وثقا لا تنفصم، (والعلم رحم بيننا) حقاً وصدقاً كما قال الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم لدى استقباله مندوب الفاتيكان بالأزهر منذ أيام. ولعل في احتفالنا بعيد الأزهر تجديداً لهذه البشارة الكريمة، وتبشراً بالرسالة الإسلامية التي محورها القرآن الشريف وهو ينبوع التراث الثقافي الذي نعتز به، وندعو الناس إليه.
والدعوة الإسلامية لم تقتصر على الرجال دون النساء، فقد بعث الله نبيه للناس كافة، من غير تفرقة بين العناصر والأجناس، وارتفعت الراية الكبرى بأيدي المسلمين والمسلمات على سواء، حتى لقد أوصى النبي (ص) فقال (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) أي عائشة.
فما بال هذه الجامعة الإسلامية العهدة قد أقفرت أروقتها وحلقاتها من المرأة المسلمة ط هذا الألف الطويل من السنيين، وهي الجامعة التي أرسى قواعدها المعز لدين الله مؤسس الدولة الإسلامية التي انتسبت إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول عليه السلام، فأزدها التاريخ بهذين الاسمين الخالدين (الدولة الفاطمية) و (الجامع الأزهر).
ولا يستطيع أحد أن ينكر المرأة كعنصر قوي في تاريخ الإسلام، فقد كانت خديجة أول حواء آمنت بمحمد. وهي أم البتول فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وحولهما تألقت صفحات السيرة بالنجوم لزاهرة من أمهات المؤمنين، والصالحات من أزواجهم وبناتهم وأخواتهم. ولن ينسى التاريخ عائشة بنت الصديق، أو أختها أسماء ذات النطاقين، أو صفية عمة رسول الله، أو أم عمارة التي دافعت عن النبي بترسها، ورمت عنه بسهمها، أو زنيرة التي عميت في سبيل الله، أو سمية أم عمار بن ياسر التي لقيت الأذى الشديد بسبب عقيدتها، أو الخنساء الشاعرة التي كان يقول لها النبي: هيه يا خناس، أو رابعة العدوية التي عشقت ربها عشقاً روحانياً خالصاً.
وما كانت صفحة من كتب السيرة لتخلو من ذكر هذه الصفوة من المسلمات اللائى تعلمن أمور الدين في عهد النبي، إذ كانت تجيئه المرأة تسأل فيجيب، أو تأتيه وافدة النساء تتعلم منه وتعلم غيره، بل لقد كانت المرأة منهم تنكر قومها، بل أباها وأمها وتلحق بدين محمد؛ فهذه جميلة تزوج من حنظلة مع أنها بنت رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلوا، وهذه أم حبيبة تتزوج النبي وتمنع أباها أبا سفيان من الجلوس على فراش النبي، وهذه صفية تنكر أباها اليهودي وتتزوج النبي، وكذلك مارية وأختها سيرين وقد أهداهما المقوقس للنبي فيتزوج الأولى ويهدي الأخرى لشاعره حسان بن ثابت، كما قامت النساء الأنصاريات بنصيبهن الكامل في مراحل الدعوة؛ فقد
استقبلن النبي بالمدينة - منذ هاجر إليها - بالدفوف والمعازف، ويغنين:
نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار
وهو - عليه السلام - يداعبهن في ظرف ويقول: أتحبينني؟ فيقلن: نعم. فيقول: والله يعلم أن قلبي يحبكن، وكن مع ذلك كله يندفعن إلى الغزوات كلما تجهزت العير، وأصطف النفير.
وضربت المرأة العربية أروع الأمثلة من الثبات بفضل استمساكها برسالة الإسلام. فهذه المرأة الدينارية التي تلقت يوم أحد الخبر بمصرع أبيها وأخيها وزوجها وأبنها، فتجلدت واحتملت ولم يهمها إلا أن تسأل: وكيف رسول الله؟ فيقال لها: أمامك. فتقول: كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله.
وكانت فاطمة وهي بنت النبي تطحن على الرحى بيدها، وتخبز وهي حامل حتى لقد كان بطنها يمس التنور، وتدبر أمر بيتها بنفسها، فلما طلبت من أبيها خادماً أبى عليها ذلك، فكانت خير قدوة للمرأة في تدبير المنزل.
ولن ننسى موقف المرأة المسلمة التي عارضت عمر وهو أمير المؤمنين إذ كان يخطب في حقوق المرأة فيقول خليفة رسول الله: صدقت المرأة وخطأ عمر. فهل كان يكون ذلك إذا لم تكن المسلمات قد طرقن أبواب المسجد، لا يحول بينهن في ذاك إلا الحجاب المشروع؟
هذا وإن ما نرى بين ظهرانينا الآن من انحلال خلقي إنما يرجع إلى إهمال شأن المرأة المسلمة، حتى إذا حصل الرجل من العلوم الحديثة ما يشاء أعوزته الثقافة الإسلامية. فلا معين له عليها إلا همته وغيرته، أما المرأة فإنها - للأسف الشديد - قد حرمة الحرمان كله من هذا وذاك، فليس حولها من يشجعها على شعائر دينها، ولا من يدفعها إلى التفقه في أصوله، والتثقف بآدابه.
وهذا النقص يمس حياتنا الاجتماعية في صميمها، ويسئ إلى التربية الإسلامية في تطبيقها على المرأة، وإزاء ذلك نرى أن الفرصة قد حان قطافها في العيد الألفي للجامع الأزهر.
وخير ما نقدمه للأجيال القادمة - في هذه الذكرى - هو أن ننشئ (جامعة الزهراء) تؤمها المسلمات في مصر وشتى بقاع العالم يغترفن من مناهل هذا الدين المتين، فينشأن نشأة إسلامية صحيحة، تتوطد بها دعائم الأخلاق في الأسرة والمجتمع، وهذا هو الدواء السريع لكل ما نشكو الآن من تصدع في الروابط الأسرية، وانصراف عن صوت الأيمان ونداء الضمير، والتخبط في الانحرافات الزائفة تحت ستار المدينة.
ولن يفوتنا مع ذلك أن نقتبس لطالبات (جامعة الزهراء) كل ما يمكنهن من التهذيب الفردي، وتدبير المنزل، وتربية الأولاد، ومعاونة الزوج، والخروج من الأسرة إلى أوسع نطاق اجتماعي في داخل الحدود التي رسمها الإسلام كدستور سماوي، ونظام إنساني شامل لنواحي العلم والعمل.
فإذا أردنا أن نسد على الفتن مسالكها، ونفتح لمستقبل الأجيال القادمة باب السعادة، فما علينا إلا أن نشيد للمرأة المسلمة (جامعة الزهراء) إلى جانب (الجامع الأزهر) وعندئذ ستعرف المرأة الحديثة أين حقوقها وأين واجباتها.
محمد محمود زيتون