مجلة الرسالة/العدد 916/الألفاظ الأيوبية
مجلة الرسالة/العدد 916/الألفاظ الأيوبية
في كتاب تقويم النديم
لصاحب المعالي الدكتور محمد رضا الشبيبي
عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية
كتاب (تقويم النديم، وعقبى النعيم المقيم)، وبهذا الاسم ورد ذكره في كشف الظنون وفي غيره من فهارس الكتب، كتاب غير غريب عن المؤتمر، فقد ورد ذكره في معرض البحث عن المصطلحات الحرفية، في مؤتمر السنة الماضية، وهو البحث الذي عالجه الأستاذ ماسينيون في محاضرة لطيفة أشار فيها إلى عناية بعض علماء الشرق بوضع معجم في ألفاظ الحرف والصناعات، وكانت لي كلمة في التعقيب على المحاضرة قلت فيها إن أول من طريق هذا الباب أديب مصري من أعلام القرن السابع ومن وزراء الدولة الأيوبية في عصر الكامل بن الملك الصالح أيوب، وهو الأمير فخر الدين يوسف بن حمويه الجوبني، في كتاب له سماء (تقويم النديم وعقبى النعيم المقيم) ضمنه جملة صالحة من المصطلحات الحرفية الشائعة في عصره. وما من شك أن الشربيني في كتاب هز الفحوف، والشيخ قاسم الدمشقي في معجمه نسجا على منوال فخر الدين بن حمويه، فهو أقدم أديب عالج هذا الموضوع على كل حال. وقد قلت فيما قلت في تلك الجلسة إني لعلي استعداد لإهداء نسختي التي ظفرت بها من الكتاب إلى مكتبة المجمع أو إلى وزارة المعارف المصرية لأن مصر بهذا الكتاب أولى من العراق. هذا ولما قفلت إلى لدى بعد انفضاض المؤتمر الماضي بعثت بالنسخة المذكورة فوراً إلى الوزارة المشار إليها ضمن كتاب أرسلت نسخة منه إلى كتب المراقب الإداري في هذا المجمع، فوزارة المعارف هي التي تملك حق التصرف في الكتاب الآن.
إلى هذا الحين كنت وكان غير واحد من المعنيين بالبحث عن الأصول القديمة يرون أن نسختنا العراقية هي النسخة الوحيدة من هذا الكتاب، بيد أني ما زلت منذ نزلت القاهرة في نتصف الشهر الماضي حتى الأيام الأخيرة، في سبيل التنقيب عن لأصول الكتاب في دور الكتب هنا وهناك، إلى أن ظفرت بنسختين جديدتين، توجد إحداهما في دار الكتب، والثان وهي أقد خطا وأدق ضبطاً في المكتبة الأزهرية، وإن كانت ناقصة قليلا ولعلها نسخت في عصر المؤلف، أو قريباً منه، فهي أصل يعتمد عليه، لأن كلا من النسختين العراقية، ونسخة دار الكتب سقيمة لا يوثق بكل ما جاء فيها، وفيهما ما فيهما من المسح والتحريف والتصحيف.
مؤلف الكتاب:
مؤلف كتاب تقويم النديم وعقبي النعيم المقيم، هو الأمير الصاحب فخر الدين يوسف بن صدر الدين محمد شيخ الشيوخ بن حمويه الجويني، من أعلام مصر في صدر القرن السابع، ووزير بني أيوب، ومقدم جيوشهم في عصر الملك الكامل. وآل حنويه بيت مشهور يمت إليه عدد من الأعلام. وحمل التاريخ والطبقات بين أواخر القرن السادس وصدر القرن السابع وممن ترجم لمنشئ هذا الكتاب السبكي في طبقاته وترجمته ضافت مستوفاة، وابن تغري بردى في النجوم الزاهرة وابن أبي شاء في الذيل على الروضتين. وجل المؤرخين المصريين والشاميين الذين عنوا بتاريخ الحروب التي دارت رحاها في مصر بين الأيوبيين والفرنسيين في منتصف القرن السابع وهي حروب طاحنة بعض وقائعها أسر ملك فرنسة، وفي واقعة منها سنة47 قتل مؤلف هذا الكتاب.
قال لبن أبي شامة في حوادث السنة المذكورة ما نصه: (في قتل فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ وهو آخر أخوته موت) وفي حوادث السنة عينها من النجوم الزاهرة ما نصه: (تؤثر الصاحب فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ أبي الحسن محمد حمويه الجوبني كان عاقلا جواداً ممدحا خليقا بالملك محبوبا إلى الناس ولما مات الملك الصالح نجم الدين أيوب على دمياط، ندب إلى الملك فامتنع ولو أجاب لما خالفوه، واستشهد على دمياط) وقال أيد (ومن الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة، الأمير مقدم الجيوش فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ صدر الدين الجوبني في ذي القعدة شهيداً يوم وقعة المنصورة) وفي تاريخ أبي الفد وابن الوردي مثل هذا ذلك.
موضوع الكتاب:
موضوع الكتاب أدبي هو سلس طويلة من المنظوم والمنثور، ولك أم تقول أنه مقامة واحدة من هذه المقامات الأدبية، لم يراع فيها التنوع والتقسيم، فلا عجب إذا اعترى قارئ الكتاب ضرب من السأم، وإنما قلنا (مقامة) لأن المؤلف استهل الكتاب بقوله (حكى السرور ابن اللذة قال: كنت وشعبه جنون شبابي في عنفوانها، وصحيفة عمري لم أقرأ منها غير عنوانها) وهذه العبارة شبيهة ببعض عبارات الحريري وغيره من أصحاب المقامات، والمقامة طافحة من أولها إلى آخرها، بضروب من الأحماض والفحش والمجون الذي لا يستساغ نشره فيما أرى وإن نشر الناشرون ما هو أسوأ منه. وقد حاول المؤلف في مواضع عدة من الكتاب تأكيد سلامة نيته، وحسن قصده في مجونه وعبثه الفاحش، وأن ذلك مجرد أقوال لم تقترن بأعمال وأفراد فصولا أخرى في أول الكتاب وآخره للدفاع عن نفسه والاعتذار عن شطحاته وبداوته، وعرض ببعض خصوصه الذين نسبوا إليه الجد، ورموه بسوء القصد وزعم أنه نسج على منوال البلغاء، فيما وضعوه من الكلام منسوبا إلى الجمادات أو ما عزوه من الحكم إلى الحيوانات مثل ما جاء في كتاب كليله ودمنه وكثير من المقامات؛ وقد يكون هذا العذر مقبولا لولا أن الجوبني أسرف والحق يقال وإفراط في تماجنه وخلاعته من هذا القبيل، ومع ذلك فإن وجه الانتفاع بنشر جانب من هذا الكتاب ظاهر لعناية المؤلف بتدوين المصطلحات الحرفية الشائعة في عصره على وجه لم يسبق له مثيل.
في مطاوي كتاب تقويم النديم مجموعة ألفاظ ومصطلحات كانت تدور على ألسنة المصريين في عصر الدولة الأيوبية، وقد عنى المؤلف عناية خاصة بتدوين هذه الألفاظ أو المصطلحات الأيوبية وإنما قلنا (ألفاظ أيوبية) مع أنها لا تخلو من ألفاظ عباسية أو فاطمية من باب التغليب، أو أنها أوضاع شاع استعمالها في العصر المذكور بطريقة الاشتقاق أو التوليد أو التغليب أو بطريق من طرق المجاز أو الاستعارة.
وقد يكون حظ هذه المصطلحات وإضافتها إلى تراثها اللغوي إحدى غايات هذا الأديب من إنشاء هذه المقامة، كما كان حفظ أوابد العربية إحدى غايات الحريري من إنشاء المقامات، وبعض هذه الألفاظ أو المصطلحات من أوضاع المصريين في اللغة أو من مصطلحاتهم المولدة.
والقريض في هذا الكتاب كثير وأكثر من إنشاء المؤلف وهو مدمج في النثر. فالجويني شاعر وشعره في طبقه نثره. وله طريقة خاصة في اختيار شواهده الشعرية شرحها في آخر كتابه ولا يخلو أسلوبه من تصنع في المنظوم والمنثور.
المصطلحات الحرفية في الكتاب:
تصفحت الكتاب فعثرت فيه على مجموعة من المصطلحات والألفاظ الحرفية التي استعمالها ي دواوين الدولة الأيوبية، وعلى ألسنة الجمهور والكتاب في مصر وما إليها من البلاد. وقد وجدت أن أصول كثير منها فصيحة بل عريقة في الفصاحة في تلك العصور، ولم أجد لبعض ألفاظه ذكراً في المعجمات، وإما لأنها ألفاظ مولدة، أو أوضاع حادثه في العصور الأيوبية، ولم أنقل كل الألفاظ أو المصطلحات الواردة في الكتاب، لكثيرة المسخ والتحريف في نسختي منه، وليس في الآن متسع للمقابلة والتحقيق، ولذلك عنيت بنقل نموذج من ألفاظ الكتاب مع شرح موجز وإيضاح لمعانيها أحياناً، وأما البحث في أصول تلك الكلمات ونقل مذاهب اللغويين وأحكام فيها وفي جوار استعمالها فإن له وقتاً مذاهب آخر والأمور مرهونة بأوقاتها، وهذه هي مصطلحات الكتاب.
الفلاحة والزراعة وما يتصل بالملاحة:
جران، مشاق، قلفاط، جسار، مرابع، فلاح يس قرقورة، طراح، مغرك ودقاق، قفاص، قفاف، خواص، تبان، علاف، ناخوذاه ربان
جران - صانع الأجران
مشتاق وقنفاط - من الألفاظ الداخلة في صناعة السفن
جسار - القيم على الجسر، وهي شائعة إلى اليوم في العراق فيقولون، جسار للقيم على الجسر أي (الكوبرى) باصطلاح المصريين اليوم، والكوبرى تركية ولا تستعمل في العراق والشام. ومرابع وفلاح: الفلاح معلوم وأما المرابع فالغالب أنه الفلاح أو الأجير الذي يأخذ ربع الغلة ولا أدري هل هي شائعة في مصر اليوم أم لا.
ريس قرقورة وطراح: قال الخفاجي في شفاء الغليل قرقور ضرب من السفن تكملوا به قديماً. هذا كل ما ورد في شفاء الغليل. وقال الجواليقي في المغرب من كلام العجم، القرقور ضرب من السفن أعجمي وقد تكلمت به العرب، وزاد ابن دريد أنه ضرب من السفن كبار، وفي اللسان، قيل هي السفينة العظيمة الطويلة. والقرقور أطول السفن وجمعه قراقير. أما الطراح فالأغلب أنهم كانوا يستعملونها في العصر الأيوبي بمعنى الملاح وما إلى ذلك
مفرك دقائق. والفرك هو الذي يفرك الحب، وقال في القاموس أفرك الحب آن له أن يفرك، واستفرك في السنبلة سمن واشتد، وفرك السنبل دلكه فانفرك. وأما الدقائق فهو بائع الدقيق قال الفيروز ابادى: الدقيق الطحين وبائعه دقائق، ومن ذلك يعلم أن أفصح الألفاظ والمصطلحات كانت تدور على ألسنة جمهور المصريين في عصر الدولة الأيوبية.
قفاص. قفاف. خواص صانع الأقفاص والواحد قفص وهو الذي يحفظ به الطير وغيره. والقفص أيضاً أداة زراعية ينقل بها البر إلى الكدس، والقفاف صانع القاف أو بائعها واحدتها قفة بالضم وهي معرفة كهيئة القرعة تتخذ من الخوض. قال المجد الفيروزابادى: الخوض بالضم ورق النخل، والخواص بائعة. ومما يستدرك عليه إناء مخوص فيه على أشكال الخوص
تبان وعلاف: التبان بائع التبن والعلاف بائع العلف قاله في القاموس وهما لفظان في مصر الآن.
ناخوذاه وربان: فاريسة معربة استعمالها شائع في العراق من القديم إلى اليوم بمعنى ربان السفينة ولكنهم يقولون الآن (نوخذه) والظاهر أنها كانت معرفة في مصر أيضاً بالمعنى المذكور على عهد الأيوبيين، قال المجد الفيروزابادى في مادة (نخذ) ملاك سفن البحر أو وكلاؤهم معربة الواحدة (ناخذاه) اشتقوا منها الفعل وقالوا تنخذ كترأس
الفاكهة والمأكول والمشروب:
من ألفاظ الكتاب في هذا الباب مواز وقماح وتمارون لباعة الموز والقمح والتمر والرز ومن ذلك لبان وسماك وجبان وسمان وهراش وشواء وقلاء والألفاظ الأخيرة شائعة في أقصى الشرق العربي إلى اليوم.
قراب: الغالب أنه صانع القرب جمع أو من يتمن الماء من القربة وهي صيغة مولدة؛ أن يكون المقصود به صاحب الغمد أو القراب.
مزار: بائع المزر نبيذ الذرة أو الشعر.
عكار: لبائع العكر وهو الحثالة.
بداد: العامل في البد وهي معصره الزيت قيل إنها مصر
البناؤوق وما يتصل بالبناء
طواب. عجان خراط جباس. مبلط. مزخم. مصور. دهان.
طواب: صانع والطوبة لغة شامية أو مصر
بمعنى البن عندنا في العراق وهو هذا الطين المضروب للبناء
عجان: ورد في الكتاب مرادفا لكلمة طواب وقد يرد من يعجن الطين أو غيره من مواد البناء.
خراط: من خرط العود إذا قشره ويواه وحرفيته الخراطة وهم معروفة بهذا المعنى الآن.
جباس وجبال: الجباس هو العامل بالجيش أي الجص والجبال في العراق هو الذي يجبل الجص ويحمله إلى البناء والكلمة شائعة على ألسنة العراقيين اليوم.
المبلط: عامل حرفته فرش الدار بالبلاط؛ والبلاط الحجار التي تفرش بالدار وكل أرض فرشت بها أو بالآخر، يقال بلط الدار وأبطلها وبطلها فرشها به. والكلمة معروفة الآن في البلاد المصرية.
المرخم: وزان المبلط وهو الذي يعمل في البناء بالرخام ولا يوجد في المعجمات، وفي مصر الآن يقولون المرخماني - للمعنى المذكور مصور ودهان معروفان.
حرف الجوهريين والمعدنيين.
ذهبي مداد. سكاكيني. براد. مبيض. نحاس. صيرفي. نقاد. مرصص. سباك. حجار. طلاع. نشار. حكاك. قفال
الذهبي: بائع الذهب أو الحلي الذهبية.
مداد: هو الذي يمد الذهب أو يبسطه ويسويه، من الأوضاع اللغوية المولدة في عصر الأيوبيين.
فقال: صانع الأقفال أو بائعها
البراد: من حرفته برد المعادن من الذهب وفضة وحديد، ويردها عن قشرها أو نحتها، والنبرد آلته والبرادة هي سحالة المعادن المبرودة.
صيرفي ونقاد: معروفان
مرصص: عامل حرفته طلي الأشياء بالرصاص، قال المجد الفيروز ابادى شيء مرصص مطلي بالرصاص.
سباك: أصله من سبك المعدن أذابه وأفرغه وهي معروفة الآن
مبيض: أصله من بيض ضد سود والمراد به على الأكثر مبيض المساكن والبيوت بالجص والبورق. وفي العراق يطلقون هذه الكلمة الآن على الماهن الذي يبيض الأواني بالقصدير.
الحكاك: يطلق في العراق على من يسوي فصوص الخواتم والقلائد وما إلى ذلك، ولا يعلم المراد منه في هذا الكتاب.
الحرب سلاح:
رماح. زراد. نشابي. قواس. تراس. سياف. صقيل. مشاعي. نقاط.
رماح: الرماح متخذ الرمح وحرته الرماحة قاله المجد الفيروز ابادى في القاموس؛ والرماحة أيضاً فرقة عسكرية تحمل الرماح.
زراد: الزراد صانع الزرد والزرد هي الدرع المزرودة.
النشابي: نسبة إلى النشاب، والنشاب النبل والنشاب بالفتح متخذه وقوم نشابة يرمون به.
القواس: صانع القوس أو الذي يتخذ القوس سلاحاً له
تراس: صاحب الترس أو صانعه والتراسة صنعته
الحيوان.
فهاد. دباب. قراد. لسائس الفهود والدببة والقرود
كباش. حمار: صاحبا الكباش والحمير. قال في القاموس الحمارة أصحاب الحمير كالحامرة وهي شائعة في أقطار الشرق العربي اليوم.
المطير طيوري: الذي يلعب بالطيور والصيغة الأولى شائعة في العراق اليوم.
البراج: القيم على الأبراج. والمقصود بها هنا الأبراج التي تتخذ للطيور.
كلا بزي: قال في شفاء الغليل الكلبزة هي معرفة حال الكلاب السلوقية منسوبة إلى سلوق بأرض اليمن. . قيل إن الكلمة مصرية.
بزدار: صاحب الباري أو الخبير بطباعة وإعداده للصيد معرب كما في الصحاح؛ ويقال بيرار وجمعه بيازره. قال في الشفاء تصرف فيه المولدون حتى قالوا لصناعته (بيزة) أو (بزدرة) كما فعلوا في البيطرة وقد وضعت في هذا الفن كتب يعضها يسمى (كتاب البيزرة) وعندي شيء منها؛ ويراجع عن هذه المادة كتاب المعرب للجواليقي والتذكرة للانطاكي.
ألقاب الخدم
البلان: أصل هذه الكلمة من مادة البلبل وكانت شائعة قديماً بمعنى الحمام ذكرت مرتين في القاموس ففي حرف اللام وفي مادة (البلل) قال المجد الفيروزابادي: البلان كشداد الحمام جمعه بلانات، وقال أيضاً في حرف النون البلان كشداد الحمام وذكر في اللام. ومجمل القول أن أصل هذه المادة من البلل ولكن المجد الفيروز ابادي لم يخلص إلى رأى معين في أصالة النون أو زيادتها؛ بيد أن الشارح تدارك ما أهمله الماتن. وهاك ما قاله الزبيدي في التاج (البلان) كشداد الحمام جمعه بلانات والألف والنون زائدتان وإنما يقال دخلنا البلانات أبي الأزهر ولأنه يبل بمائة أو بعرقه من دخله ولا فعل له. وفي حديث ابن عمر ستفتحون أرض العجم وستجدون فيها بيوتاً يقال لها البلانات من دخلها ولم يستتر فليس مناه قلت والقول للزبيدي - وأطلق لأن البلان على من يخدم في الحمام وهي عامية.
وعاد الزبيدي شارح القاموس إلى شرح الكلمة مرة أخرى في باب النون فقال: (البلان) كشداد أهمله الجوهري. وقال ابن الأثير وهو الحمام ومنه الحديث: ستفتحون بلاداً فيها بلانات أي حمامات قال والأصل بلالات فأبدلت الأم نوناً)
هذا وفي عصر أيوب شاع استعمال هذه الكلمة بمعنى خادم الحمام أو الدلاك. ومن رأى بعضهم أن أصل الكلمة من اليونان وإلى هذا ذهب اللغوي الغراقي انستاس الكرمني وليس بشيء؛ إذ لا يحامرني أدنى شك في عروبة هذه الكلمة. وفي مصر اليوم يقال للماشطة التي تزين العروس ليلة البناء (بلانة) على ما رواه لي بعض أدباء القاهرة.
الوقاف: تطلق هذه الكلمة في العراق اليوم على الرقيب الذي يقف مع الأجير وهو معناها على الظاهر في عصر مؤلف الكتاب فهي كلمة مولدة وكلمة (الوهين) في الفصحى تسد مسد هذه الكلمة. قال الفيروزابادي: الوهين وجل يكون مع الأجير في العمل يحثه عليه.
هذا طرف من الألفاظ والمصطلحات اللغوية التي وجدتها في كتاب تقويم النديم ولم آت على كل ما يوجد في تضاعيف الكتاب من هذا القبيل أو من الأوضاع اللغوية التي كانت شائعا في عصر الدولة الأيوبية. فالكتاب مفيد كل الفائدة لمن يعني بالبحث عن المصطلحات والألفاظ الحرفية في العربية الفصحى أو في اللهجات العربية الشائعة في أقطار الشرق العربي الآن؛ يستفيد منه مضافاً إلى ذلك من يعني بتاريخ العمران والحضارة في مصر الإسلامية.
هنا ومن رأيي أن وزارة المعارف تحسن صنعاً إذا عهدت بنشر هذا الكتاب بعد تحقيقه وتهذيبه إلى لجنة من اللجان المعنية بنشر المخطوطات النادرة. والغالب أن الوزارة المشار إليهم تعني الآن بالنظر في وجوه الاستفادة من هذا الكتاب.