مجلة الرسالة/العدد 913/الهجرة الكبرى في سبيل السلام
مجلة الرسالة/العدد 913/الهجرة الكبرى في سبيل السلام
للأستاذ محمد محمود زيتون
(والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر
إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه
فأولئك هم المفلحون. .).
قرآن كريم
لم تكن هجرة النبي عليه السلام إلا مرحلة من مراحل الدعوة إلى السلام، فقد دعا العرب إلى الحق والخير، بالحكمة والموعظة الحسنة، فآذوه في شخصه وأهله وصحبه، وطوى الزمن ثلاثة عشر عاماً، وهم بين مضروب ومشجوج ومعذب بالرمضاء تارة، وبالحديد والنار تارة أخرى.
واحتل المعذبون مكانهم في التاريخ، وتلألأت صفحاته بآل ياسر وبلال وخباب وزنيرة، أولئك الذين ابتلوا فصبروا، وامتحنوا فشكروا، وهل الإيمان إلا الشكر والصبر.
وإنها لكبيرة على النفس أن تحتمل من العنت والرهق ما لا تطيق، وأكبر من ذلك أن يغير عشرات الرجال وقليل من النساء معهم، مجاهل الجزيرة في سنوات: فإذا الوجه العباس يرتد يساماً ضحوكاً، والقلب المتحجر يرفض بالرحمة والرقة، والعقل البليد يتفتح لنور الحق، ويستجيب لصوت السماء.
وكان طبيعياً أن يكون الجهر بالإسلام بمثابة إعلان الثورة على جميع الأوضاع المألوفة، ولكن يؤلف عن العربي سكوته على الضيم والهوان، فكيف بهؤلاء الصفوة يفتنون في دينهم، ويستضعفون في وطنهم!
تلك المشكلة التي تتطلب الحل المعقول، وإن كان الوقت يمطلها بالتردد والتخير كالمعهود في أشباهها ونظائرها، فقد تم إعداد الحل المسعف، وسرعان ما نزل من السماء على لسان محمد، ومضى أتباعه في الطريق المستقيم.
ذلك بأن دعوة الإسلام ليس لها أن تنحدر إلى مخلفات الجاهلية فتقاوم الإساءة بالإساءة، وتقابل العدوان بمثله، وإلا كان دين الإسلام متناقضاً مع نفسه: يتنزى الدم من يديه، وتتساقط الأشلاء من بين شدقيه.
والحل الذي يستقيم مع روح هذا الدين هو (الهجرة) المرسومة في بدئها وختامها المليئة بمدخراتها للتاريخ إذا أعوزه الكشف عن مواطن العبرة، ومظن الفخار، وليس بدعا من الأحداث أن يهاجر محمد، فقد سبقه لوط إذ هاجر بأهله ونزل بهم بالمؤتفكة. ولكن ما أصعب الهجرة من المواطن المضيم.
فما بال محمد وتابعيه تهون عليهم مكة، وفيها بيت الله الحرام وبها الأهل والوالد؟ ألم يقف محمد في وسط لمجلس يوم خرج مهاجراً، والتفت إلى الكعبة فقال: (إني لأعلم ما وضع الله بيتاً أحب إلى الله منك، وما في الأرضبلد أحب إليه منك، وما خرجت منك رغبة، ولكن الذين كفروا أخرجوني).
وتهامس الأغرار: أنه قرار، واستدرك الدهاة: بل استنصار حقا، أنه بالأمانة خشية الضياع، لهذا قال النبي الرسول (من فر بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبراً من أرض استوجب له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم خليل الله، ونبيه محمد ﷺ)، وحقا أنه استنصار للدعوة من أتباعها فيما وراء الحدود، ولكن هل سكنت ثائرة من قال أنه فرار، وهل أجدى دهاء القائلين بأنه استنصار.
وفر أبو بكر بدينه يعبد الله عليه بأرض اليمن، لولا أن أخذ ابن الدغنة له الجوار من (القارة) شارطين عليه أن يتعبد بداره ولا يستعلن، ولأن أبو بكر فقبل ورجع فإنني في داره مسجدا اخذ يصلى فيه ويقرأ القرآن وبرفع صوته، والبكاء يغالبه، والناس يتهافتون عليه مسلمين من كل صوب، فلما كلمه صاحب الجوار قال له: رددت عليك جوارك، ورضيت جوار ربي) وضربت قريش الحصار على شعب أبي طالب فلم يتمكن أهل النبي مع البيع والشراء والمصاهرة، وأضر الجوع بهم، ولا سيما بزوجته خديجة، وكادوا يهلكون من عند آخرهم، وبعد موت خديجة وأبي طالب اشتد الأذى، وأخذت المؤامرات تدبر في الظلام لاغتيال محمد.
هذا وهو ماض في سبيل الدعوة، لا يمل من لقاء الحجيج في المواسم، والاستكثار من القبائل، بينما فراعنة قريش يحاربونه بكل ما يسعفهم به قلوب مريضة، ونفوس منحلة، ومفاسد مستحكمة، والأصنام أيما استبداد.
وما يكون لنبي السلام أن يهدم السلام، وما ينبغي لمنطق الغريزة المقاتلة أن تستثار فلا تستجيب، ولكن التسامي بها هو المطلب الكريم، والأمنية الكبرى، فما هو إلا أن تراكض المسلمون مهاجرين إلى يثرب تاركين المال والعيال، لم يجردوا سيفاً، ولم يتننكبوا رمحاً، بل تجردوا للسلام، إلى حين ينثلم السلاح في أيدي الخصوم، وحاشا لأهل الإيمان أن يطلبوا الثأر على نحو لا يشرف أقدارهم.
لهذا قال أبو أحمد بن جحش في هجرته:
فكم قد تركنا من صميم مناصح ... وناصحة تبكي بدمع وتندب
ترى أن وتراً نائياً عن بلادنا ... ونحن نرى أن الرغاب تطلب
واجتمعت بدار الندوة نزعات إبليس بنزوات الجبت والطاغوت، وانطفأت في الحال جذوة التدبير، وأنقطع حبل التفكير، فما كان من أصحاب الفراغ، بل هو الشيء الذي لا تسعفهم الغريزة بما فوقه.
ولا أقل من أن يجد العدو مصرفاً للضغينة المكتومة فيما درن غرضه المأمول، أما إذا تركوا محمداً في وجهه إلى يثرب، فإن له بها أنصاراً، وإنهم لناصروه، وإنه لفاتح بهم مكة على أهلها عاجلاً أو آجلاً.
يا له من يوم! كلما تمكن من خيالهم وتحدى كيدهم، لا يستطيعون له صرفاً، ولا يزيدون معه إلا تضييقاً على محمد وتنكيلاً بمن سلك سبيله.
خرج صهيب الرومي بماله فخيره بين نفسه وماله، فهجر المال، وهاجر بالنفس، وربح صهيب على كل حال، وخسر هنالك المبطلون. وخرج أبو سلمة، ولما أرادت صاحبته أن تلحق به ومعها طفلها، خيروها بين ابنها ونفسها، فتركت فلذة من كبدها في أيديهم، وخرجت مؤمنة بأنه وديعة في يد الله، وفتنوا من فتنوا، وحبسوا من حبسوا، ولو لم يكونوا قد انشغلوا بهذا القليل لتبددت الهجرة تحت هاتيك الضغوط، ولفظت الدعوة آخر أنفاسها.
وأطلع الله رسوله على دار هجرته، فأخبر بها صاحبه أبا بكر الصديق الذي طالما كان يستأذنه فيستأجره النبي حتى أراد الله لهما (صحبة) في الهجرة الكبرى إلى الله، وأعد أبوبكر ماله كله ليهاجر معه، وتواعد مع النبي على ساعة الخروج من ليلة الفارقة بين العدوان والأمان، الفاصلة بين الشر والخير المراد.
وتسجى على بالبردة الحضرمية الخضراء، ولزم حزب الضلال باب الدار، وسهدوا أجفانهم، وكدوا أذهانهم، فما هي إلا الخيبة التي لا بعدها، على الرغم من الصفوف والسيوف، وما هو إلا نصر السماء (وإذا يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).
ولبثا ثلاثا بغار ثور، والطلب لا ينقطع، وكان أبو بكر يسمع القوم يتهامسون ويتخافتون، فيأخذ الخوف من كل سبيل، ولكن الذي أعمى بصائر الكفار عند خروج النبي من الدار هو الذي ضلل حدسهم وهو في الغار (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا).
وخرجا من غار الخفاء إلى نهار الجلاء، ومضيا على راحتيهما بين تصويب وتصعيد، وكلما رأى أهل البادية أبا بكر سألوه عن هذا الرجل الذي معه فيقول لهم في تورية صادقة (هذا الرجل يهديني السبيل)، فلما وصلا إلى الجحفة تحرك الحنين إلى مكة في جوانح نبي الوطنية، فتذكر ما كان من قريش معه وهو يدعوهما لربهم، ومن ثمة نزل عليه جبريل بقول ربه (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى نعاد).
ولم يمض على رحيلهما ثمانية أيام حتى أشرف النبي على المدينة فقابله أهلها، والبشر تندي به وجوه الرجال، وبالغناء تتجاوز دفوف الجواري، وبالشعر تتعالى الفتيان، وبالحراب تنوع ألعاب الأحباش.
والأنصار يتسابقون إلى خطام الناقة ويقول: (هلم يا رسول الله إلى المنعة والقوة) وهو يقول لهم (خلوا سبيلها فإنها مأمورة).
ولم تلبث إلا قليلا حتى أناخت، لا في (المنعة والقوة) ولكن في مبروك (الأمن) ومناخ (السلام) حيث المربد الذي لسهل وسهيل أبني عمرو والذي اختاره نبي السلام منذ الساعة الأولى له بالمدينة دار السلام.
وتفرق المهاجرون على دور الأنصار، ونزل النبي مع رحله عندأبي أيوب الأنصاري، واجتمع بهم جميعا بدار سعد بن خيثمه، وأعلن (دستور السلام) منذ اللحظة الأولى فقال: (يا أيها الناس، أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام).
وأسرع إلى موادعة يهود المدينة ليستل السخيمة من نفوس فلا يعكروا صفوا السلام، وعقد معهم معاهدة كتب في ختامها (وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم، وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله ﷺ) فكان له الأمان ولليهود التأمين، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه.
ثم التفت إلى الجماعة ينظم أمرها، ويجمع شملها، ويؤلف وحدتها، فابتنى (المسجد) ليكون بمثابة دار السلام لطلاب السلام، وكان بناؤه نقطة التقاء الهجرة والنصرة، فسرعان ما أصلح النبي فيه العلاقات بين الأوس والخزرج، وعجلان ما أنزل فيه التأييد من السماء (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه، فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين).
ودوى صوت بلال بالأذان للصلاة فكان دعاية لانتصار الهجرة وإذاعة لانتشار التوحيد، ومتى جلجلت البطاح بصوت (الله أكبر) وتجاوزت بصوت (لا إله إلا الله) عرف كل من لا يعرف أن هذه الهجرة الكبرى إنما جاءت لتوحيد الصفوف، ووحدانية المعبود، ووحدة الكلمة، وتلك هي العناصر الأساسية التي لا بد من أن يتألف منها السلام.
وتتابع المهاجرون أرسلا، والمسجد يغص بهم يوما بعد يوم والمسلمون والمؤمنون أخوين سواه في الهجرة أو النصرة وإنه ليوم خالد إذ يجتمع بهم نبيهم في هذا المسجد المبارك، ويسأل عنهم، فلم يزل يتفقدهم ويبعث إليهم حتى انتظم شملهم، ثم قال لهم:
- (إني محدثكم فاحفظوه وعده وحدثوه به من يعدكم، أن الله تعالى اصطفى من خلقه خلقا، ثم تلا (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) وإنياصطفي منكم من أحب أن أصطفيه، وأؤاخي بينكم كما آخى الله تعالى بين الملائكة. . قم يا أبا بكر. .)، وقام أبو بكر فجثا يديه فقال له.
- (إن لك عندي يدا الله يجزيك بها، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذتك خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل، فأنت مني بمنزلة قميص من جسدي). وحرك النبي قميصه بيده. - (إذن يا عمر. .) فدنا، فقال له النبي: (كنت شديد البأس علينا يا أبا حفص فدعوت الله أن يعز بك الدين أو بأبي جهل، ففعل الله ذلك بك، وكنت أحبهما إلى الله، فأنت معي في الجنة ثالث من هذه الأمة.)
وآخى بينه وبين أبى بكر في المسجد الذي أصبح بيت المحبة والتعارف، وصار المسلمون أرواحنا مجندة: إلى الله أسلمت الوجوه، وإلى الكعبة توجهت القلوب، وخلف رسول الله انتظمت الصفوف.
وأقبل سعد بن الربيع على عبد الرحمن بن عوف وقال له: يا أخي إني من أكثر الأنصار مالا، فأنا مقاسمك، وعندي امرأتان فأنا مطلق أحدهما، فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال عبد الرحمن وقد هاجر ولا مال ولا أهل: يا أخي بارك الله لك في أهلك ومالك.
كل ذلك من إشعاع الإيمان الذي انبثقت عنه الهجرة، ومن وحي المسجد الذي قال فيه النبي الكريم (من ألف المسجد ألفه الله)، وقال (إن للمساجد أوتادا: جلساؤهم، إن غابوا افتقدوا، وإن مرضوا عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم، جليس المسجد على ثلاث خصال، أخ مستفاد، أو كلمة حكمة، أو رحمة منتظرة).
وتفيأ النبي ظلال السلام وأرفه منذ نزل بين الأنصار، لذلك قال في مقام الذكر والشكر (لولا الهجرة لكنت من الأنصار) الذين نصروه وأكرموا من معه (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. .).
ويتأكد هنا لكل منصف أن الهجرة الكبرى لم تكن إلا إسراء بالأرواح قبل أن تكون انتقالا بالأشباح، وبذلك تميزت (الهجرة الكبرى) إذ ارتفعت فيها الإنسانية من الهاوية إلى العلية، وخلفت فيما وراءها غريزة الوحش، وشريعة الغاب، ومضت في تصعيدها إلى القمة، وصدق الشاعر.
إذا ما علا المرء رام العلا ... ويقنع بالدون من كان دونا
وسئل النبي: ما أفضل الإيمان؟ فقال: (الهجرة). فسئل وما الهجرة؟ قال: (أن يهاجروا من الضلال والعدوان في بلد أراد الله فيه للناس الأمن والسلام، وفيه البيت الحرام، (ومن دخله كان آمنا).
وظل النبي يحرس السلام، في يقظة وحكمة، فقد قتل قتيل بالمدينة ولم بعرف قاتله، فصعد النبي المنبر وقال (يا أيُها الناس يقتل قتيل وأنا فيكم ولا يعم من قتله، لو اجتمع أهل السماء والأرض على قتل امرئ لعذبهم الله إلا أن يفعل ما يشاء).
ومر شاس بن قيس حبر اليهود بالأوس والخزرج وقد اجتمعت كلمتهم، فغاظه ذلك الائتلاف بينهم فقال: قد اجتمع بنو قيلة، والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار، وأمر فتى من اليهود بالدس بين الأنصار، وظل بهم حتى تنازعوا وتوعدوا على الحرب، وخرجوا بالسلاح واصطفوه للقتال.
وعلم بذلك حارس الأمن السلام، فخرج إليهم فيمن كان معهم من المهاجرين وقال: (يا معشر المسلمين، الله الله، اتقوا الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله إلى الإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم. .).
فعرفوا أنها من نزع الشيطان وكيد العدو، فبكوا وتعانقوا ثم انصرفوا مع النبي وقد نزل عليه (يا أيُها الذين آمنوا أن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى آيات الله عليكم وفيكم رسوله، ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى الصراط مستقيم، يا أيُها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) وإذ يقول نبي الرحمة (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم وجوه بعض) إنما يدل على أن الكفر هو العدوان وأن الإخاء هو السلام بل الإسلام الذي هو أن يسلم الله قلبك وأن يسلم الناس من لسانك ويدك).
ومضى على النبي عامان نشر فيهما لواء السلام على أهل المدينة واطمأنت فيه النفوس، وأصبحت آيات القرآن تخاطبهم (يا أيُها الذين آمنوا) وقد كان الخطاب بمكة (يا أيُها الناس) فما كان هذا التغير إلا عقب الهجرة التي تصافت فيها الصدور، وتوارت الشرور
فلما تألب اليهود والمنافقون والمشرقون على دعوة السلام، لم يكن بد من أن يتنزل على محمد الأذان بالجهاد (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. وإن الله على نصرهم لقدير) فكان الجهاد من لزوم ما يلزم السلام، شأنه الصفاء لا يرتجي إلا في غمرة العواصف والأعاصير، ولا بد دون الشهد من إبر النحل.
واليوم ونحن على باب سبعين عاما بعد ثلثمائة من الهجرة الكبرى، نرى أن للعالم كله العبرة كل العبرة، فما أحوج الإنسانية إلى هجرة السوء من كل لون، ونصرة الحق في كل حين، ودفع الشر والخصام بنشر الخير والسلام.
محمد محمود زيتوق