مجلة الرسالة/العدد 909/تعقيبات
مجلة الرسالة/العدد 909/تعقيبات
للأستاذ أنور المعداوي
مع الفن الشهيد في العراق:
لا تعتب على أخيك أن تأخر في تقديم خالص شكره وشكر الشباب العراقي المثقف إليك على ذلك الموقف النبيل المشرف الذي وقفته من محنته على صفحات الرسالة، فلست ذلك الإنسان الذي سرعان ما ينسى الجميل ويتنكر لمعاني الوفاء؛ ولكن ثق أنني كنت في المستشفى أقاسي وخز الإبر وعذاب الداء. . . ولقد جاءت الرسالة وقرأ الناس تعقيبك الأول وكلمتك الثانية، فأعجبوا بهما شأن كل ما كتب، ثم نقلت الصحف العراقية كلمتك الموجهة إلى وزير المعارف معلقة وثمينة. . . وكان الثناء عاطراً عليك وعلى مصر، حتى لقد دفع بعض أصحاب النفوس المريضة إلى أن يفرغوا ما رسب في نفوسهم من أحقاد!
أما عن موقف وزارة المعارف العراقية فقد بقيت كعهدها الأول، صماء بكماء، ويظهر أنها تريد محاربة الأدباء لأنها تخشى انتشار الثقافة في العراق! ماذا أقول لك؟ لقد قلت كل شئ في هذه القصيدة التي تقص عليك أحزان النفس وأشجان الحياة. ألا توافقني بعد هذا كله على أنها يجب أن تكون (اللحن الأخير)؟ صدقني إنها تسمية صادقة، لأن الزورق المجهد يوشك أن يرسو على شواطئ الفناء!!
(بغداد - العراق)
عبد القادر رشيد الناصري
الشيء الذي كنت أنتظره وينتظره معي الناس، هو أن يتفضل معالي الأستاذ خليل كنه فيثبت لنا أنه إنسان. . . كنا ننتظر منه هذا المعنى الكبير، ولكنه أبى إلا أن يثبت لنا أنه وزير! ومن دلائل هذا الإثبات أن معالي الأستاذ قد أغمض عينيه فلم ينظر، وأعلق أذنيه فلم يسمع، وأطبق شفتيه فلم ينطق بكلمة واحدة تنقد الفن الشهيد وتنصف الحق المهضوم!!
إن القلم يتعثر في يدي وأنا أسجل هذه الحقيقة. هذه الحقيقة المرة التي تهمس في أذن التاريخ قائلة له: إن وزير المعارف قد آثر أن يكون من أصحاب المعالي على أن يكون من أصحاب الإنسانية، وفضل جاه المنصب وهو تقليد على فعل الخير وهو تخليد، وزهد كل الزهد في أن تخصه الأقلام بشيء مما تخص به الناس من الذكر الجميل!
ألا يوافقني معالي الأستاذ خليل كنه على أن لأصحاب المواهب حقوقا في الدولة يجب أن تذكر فلا تهدر، وأن تصان فلا تهان، وأن يضرب بها المثل على سلامة الوعي ونزاهة القصد وعدالة التقدير؟ لا أشك لحظة في أنه سيوافقني في قلبه وسيؤيدني بلسانه. . والدليل؟ الدليل هو أن العراق قد ضرب يوماً هذا المثل، حين مد يده إلى مقعد من مقاعد الصحافة لينقل منه رجلا إلى مقاعد الوزراء. . هذا الرجل هو معالي الأستاذ خليل كنه!! ما باله إذن وقد ظفر بكل ما له على الدولة من حقوق، ينسى أن هناك أناساً لهم بعض الحق وهو في يديه، ثم لا يمنحهم شيئاً من هذا الحق وهو قادر عليه؟! سؤال حائر، وسيظل حائراً ما شاء له وزير المعارف أن يحار. . . أما الجواب، فسيوافقني عليه معالي الأستاذ خليل كنه بقلبه إن لم يؤيدني بلسانه. . . وآه من حيرة الجواب بين القلب واللسان!!
ويقول لي الأستاذ الناصري إن صحف العراق قد نقلت كلمتي عن (الرسالة) معلقة وثمينة. . أنا شاكر للصحافة العراقية عطفها على الشاعر وثناءها على الكاتب، وأدعو الله من قلبي ألا ينقل أحد رجالها بعد الآن من مقعد التحرير إلى مقعد الوزير، حتى تظل جذوة الإنسانية متوهجة منه في شعاب القلب متوقدة على شباة القلم، يصطلي دفء هواها كل من أضناه برد الأسى وتجهم الأيام!!
أما أنت يا عبد القادر فدعك من هذا اليأس الذي لا يطيقه الشباب ولا تحتمله الحياة. . إن الشباب ومضة شعاعه بالعزم وضاءة بالتضحية، وإن الحياة زهرة ندية بالصبر فواحة بالأمل، فلماذا تريد للومضة الساطعة أن تخمد، وللزهرة اليانعة أن تذبل، وللأمل الخالد أن يذهب أدراج الرياح؟ إن الحياة يا صديقي ليست هي اليوم المشهود ولكنها الغد المرتقب. . . الغد الذي قد يزف الربيع إلى جفاف الغصون، ويطلق الأحرار من زوايا السجون، ويحمل خمرة السلوان إلى ندامى الشجن!
وتسألني إن كنت أوافقك على تسمية هذه القصيدة التي بين يدي باللحن الأخير؟ إنني أوافقك على أنها يجب أن تكون كذلك. . . أن تكون آخر لحن يضج بالشكوى ويشرق بالدموع! ولهذا سأصفح عن هذه القصيدة الباكية التي لا تتفق مع أحلام الشباب وأمانيه، على أن تكون قصائدك المقبلة كلها باسمة كالأمل مشرقة كالفجر، حافلة بخفقات القلب المتفتح لنداء الحياة!
إن الابتسامة الصادقة هي السلاح القاطع في كل معركة وكل صراع، وإن ما ينقصنا نحن الشرقيين هو أن نتعلم كيف نبتسم. . . نبتسم للخصم كما نبتسم للصديق، نبتسم للمرض كما نبتسم للعافية، نبتسم للنصر كما نبتسم للهزيمة. وعلى مدار قدرتنا على تلوين الابتسامة هنا وتلوينها هناك، نستطيع أن نلمح الغاية ونرسم الطريق ونحدد المصير!
ولا تحسب بعد هذا كله أنك تقف وحيداً بلا نصراء. . . إن بين يدي كثيراً من الرسائل من مختلف أقطار العروبة، يؤازرك أصحابها بكل ما يملكون من عواطف الأخوة ومشاعر الوفاء؛ وأتصفح أنا هذه الرسائل لأتخير منها واحدة عرف صاحبها كيف يخاطب القلوب المغلقة في العراق!
رجع الصدى من السودان:
قرأت تلك الصرخة التي أرسلها الشاعر العراقي المطبوع الأستاذ عبد القادر رشيد الناصري على صفحات (الرسالة) وقرأت ما كتبته أنت بقلمك السيال إلى وزير معارف العراق، راجياً منه أن يتدارك صرخة الفن الشهيد بعطفه ورعايته. . فإلى وزير المعارف العراقي أرفع هذه القصة:
جاء بمجلة كردفان التي تصدر بعاصمتها (الأبيض) الخبر الآتي تحت عنوان: (عطف ملكي). . . (وصل إلى علم جلالة الملك فاروق إبان وجوده بفرنسا، أن الطالب السوداني أحمد مدثر وقد ذهب إلى فرنسا لتلقي العلم، قد أرغمته سوء حالته المالية على أن يعمل (حمالا) في وقت فراغه، ومع ذلك فقد نال دبلوم العلوم السياسية. . . ولولا سوء حالته المالية لسافر إلى سويسرا للحصول على الدكتوراه! وقد تعطف صاحب الجلالة الملك فاروق بعد علمه فمنحه خمسين ألف فرنك، مع إيفاده إلى سويسرا على نفقته الخاصة)
قرأت هذا على ما أسلفت، وأحببت أن أقارن بين الطالبين. . ولكن القلم القاصر والبيان العاجز، لا يتيحان لي أن أصب مشاعر النفس فيما يلاثمها من كلمات. . . وما دمت قد وهبت قلمك للدفاع عن قضايا الأدب وحقوق الأدباء، فليس لي إلا أن أهدي هذه القصة الخالدة إلى وزير المعارف العراقي ليسمع، وإلى كاتب التعقيبات المصري ليعقب (أم روابه - سودان)
محمد الحسن شاع الدين
هذه المأثرة النادرة التي يقص علينا نبأها الأديب السوداني الفاضل، أشارت إليها الصحف المصرية وكانت حديث الناس في كل مكان، وأشادت بها الصحف الفرنسية وكانت محل التقدير البالغ على كل لسان. . وليست هي بالمأثرة الأولى لجلالة الملك فاروق، فما أكثر المآثر والمفاخر التي تمتلئ بها حياة هذا الإنسان العظيم! وقد يقول بعض الذين لا يدركون حقيقة القلب الإنساني كما فطره الله، إن الملك فاروق قد مد يد العون إلى هذا الطالب لأنه واحد من رعاياه. . إن القلوب الكبيرة في شعورها المرهف لا تفرق بين جنس وجنس، ولا بين لغة ولغة، ولا بين دين ودين، ذلك لأنها طبعت على حب الخير، وفطرت على صنع المعروف، وجبلت على إسدال الجميل! وأستطيع أن أقسم لمن يقفز إلي إخلادهم مثل هذا الخاطر العجيب، أن عبد القادر الناصري (العراقي) لو قدر له أن يكون في باريس إبان وجود صاحب الجلالة (المصرية)، لما بكى شبابه الدامي على صفحات الرسالة!!
إنني أشكر لحضرات المتفضلين برسائلهم كريم عواطفهم، وأقتصر على هذه الرسالة لأنها خير لفة يمكن أن تقدم لوزير المعارف العراقي في مثل هذا المجال. . وأكتفي بهذا التعقيب لأنني قلت اليوم وبالأمس كل ما يمكن أن يقال!
كلمات في نقد الشعر:
يشجعني على مواصلة الكتابة إليكم ومعاودة الكلام في شعر العطار وأباظة، أني وجدتكم تلتمسون في الشعر الذي تحبونه وتؤثرونه، تلك الإلتماعات الخواطف للبصر، الخوالب للفكر، التي تلقيها عليه مخيلة أعطيت القدرة على التحليق المتمادي والانطلاق الحر، في عوالم انقطعت دونها أخيلة الكثرة من الأدعياء، عوالم زخرت بطرائف الرؤى وخوارق الصور.
بل يشوقني إلى هذا الكلام أني أجدكم تتحرون في هذا الشعر، بل في الأثر الأدبي دون تحديد، حلاوة ذلك الشعور الناعم بدفء الحياة، الدفء الذي تطلقه فيه روح متصلة السر بسر الحياة الأكبر. فهي تستمد عناصر قوتها وعناصر وجودها من تلك الصلة الخالدة التي تشرف بها على أقصى أعماق الطبيعة الإنسانية، وتفضي بها إلى أخفى الحقائق في محيط هذا الكون الحافل الزاخر اللامحدود. وأنكم كذلك ترهفون السمع في العمل الفني إلى صدى ذلك الرنين، بل إلى الرنين نفسه، الذي أودعته فيه ملكة فذة من تلك الملكات التي ترصد لكل معنى يخطر ولكل كلمة ترسل نغما خالداً لا يجوز عليه الفناء، لأنه مما توقع عليه تجارب الحياة في مجال الشعور الصادق، ومما توحي نتائج تلك التجارب في نطاق الذهن المتفوق!
كل ذلك يحملني على الكلام ويغريني به، لأنه يجعلني أشعر بالطمأنينة إلى أنكم تنظرون إلى الحقائق الفنية الثابتة، من نفس الزاوية التي أحاول أن أنظر منها إليها، وأنكم تضعون للأعمال الأدبية الميزان الذي لست أو من بغيره! أجل، وهاأنذا الآن أقرأ لكم هذا التعقيب البارع على كلمتي السابقة، أو هذا المقال الفصل، على إجازة، في شاعرية العطار، مرتكزاً فيه الحكم على إنتاجه العام، فأجدني راضياً كل الرضا عما أقرأ، مقتنعاً كل الاقتناع بأن ما رأيتموه في شعر الشاعر يتفق في جملته وهذا الذي أراه.
هو في جملته شعر يعوزه عنصر الحياة الذي يذكي خواطر القارئ، ويلهب وجدانه، ويهز أوتار قلبه وكيانه. . وإن كان لا يخلو من اللفتات الشعرية المحلقة في بعض الأحيان! وهو شعر تنقصه أصالة الرؤية الشعرية، وطبيعة الحركة النفسية، برغم أن قائله من أحلى الشعراء جرساً كما تقولون. . أو هو بعبارتي الخاصة، شعر يفتقر إلى ذلك الإشراق الذي يشف عن الآفاق الفنية المترامية التي يتداعى إليها الخيال المبدع؛ وذلك الدفء الحبيب الذي يمسك على الأثر الشعري حياته وأنفاسه ويصون نظره ورواءه، وهو يفتقر أخيراً إلى تلك الموسيقى النفسية التي تحدثتم عنها في نقد الشعر
على أني أخشى يا سيدي الأستاذ ألا نكون قد اتفقنا بعد على وضع الشاعرين، أباظة والعطار، في طبقة واحدة. فشعر أباظة على الأكثر شعر موفور: تحوطه هالة من الألوان التي تهيئ للذهن ذلك الجو الخالص حيث تسبح المعاني وترقص الأخيلة؛ وتترقرق في أعماقه موجة الحياة حارة صادقة، الحياة التي تدنو به من نفسك، بل تلصقه إلى نفسك، ويغطي كل ذلك على مشاعرك ويمتد سحره إلى قلبك، حيث جذور الحياة الإنسانية، ليهزها من أصولها هزاً، ويغمرها غمراً! وأباظة فنان يقدم في إطار من أجمل الشعر وأطرفه مشاهد فنية هي في الأغلب الأعم ملء النظر وملء الحس وملء الفكر، لأنه إذ يقول هذا الشعر إنما يستجيب لحركة نفسه، ويترحم عن خوالج وجدانه، ويغمس ريشته بنور قلبه.
وأخيرا أنا أعاود الكلام يا سيدي لأوكد لكم مخلصا أنه لا هوى يقود رأي حامل هذا القلم إلا هوى الفن الذي يتوخى في آثار الفنانين لمحات الأصالة الذهنية، ودلالات الصدق الشعوري وبعد. . فأختم هذه الكلمة محييا فبكم شخص الأديب والناقد، شاطرا للظروف هذه الفرصة الكريمة التي أتاحت لي لقاءكم في هذا الجو الحبيب الذي تتراوح فيه أنسام الشعر الجميل وأنغام الوداد الخالص وإلى لقاء قريب إن شاء الله، في محراب قصتكم الخالدة (من الأعماق). . . والسلام عليكم من المخلص
(دمشق - سورية)
محمد الأرناؤوط
أتعرف ملكة (المزاج الفني)؟. . إذا استطعت أن تتخيل القصيدة الشعرية بأدائها النفسي جسما من الأجسام، وإذا استطعت أن تفترض كل ملكة من الملكات الشعرية عضوا عاملا في حركة هذا الجسم، وإذا استطعت أن تتمثل الحيز الذي يشغله هذا الجسم من الوجدان المتذوق مكونا من تلك المجموعة من الأعضاء؛ إذا استطعت أن تتخيل وأن تفترض وأن تتمثل هذا كله، فإن ملكة (المزاج الفني) هي الثوب الذي يلتف حول هذا الجسم بمجموعة أعضائه ليبرز تقاطعيه للعيون ويكشف عن مفاتنه! إنه أشبه بالثوب الذي ترتديه أي حسناء. قد يكون جسمها نموذجا خاصا لجمال كل عضو من أعضاءه على حدة، وقد يكون جسمها نموذجا عاما لتناسق تلك الأعضاء مجتمعة، ولكن الثوب هو الحكم الأخير الفاصل بين أجساد الحسان، لأنه هو وحده الذي يطلعنا على مدى التفاوت الجمالي بين جسد وجسد! هناك ثوب يوحي إليك أن صانعه غير (فنان)، لأنه لم يراع النسب الفنية بينه وبين جسم صاحبته: من ناحية الطول والقصر، ومن ناحية الضيق والسعة، ومن ناحية الكماليات التي تلتمس مظاهر الزينة وتوائم بين لون الثوب ولون البشرة، مثل هذا الثوب لا شك أنه يظلم الجسد الجميل لأنه يقدمه للعيون على غير حقيقته؛ على تلك الحقيقة الأخرى التي اقتضاها ذوق صانع غير فنان. ماذا ينقص هذا الصانع من (ملكات الفن) ليصنع (ملكات الجمال)؟ تنقصه ملكة (المزاج الفني)، ملكة تفصيل (الأثواب الكاشفة) عن مفاتن الأجساد!
المزاج الفني إذن هو المسئول، بل هو واضع الحدود والفروق بين طابع كاتب وكاتب وبين طابع شاعر وشاعر. . خذ مثلا طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم - ككتاب في مجال القصة وحدها لا في مجال آخر - فستجد أن طه في (شجرة البؤس) و (دعاء الكروان) يمثل الطابع الأدبي فهو قصاص أديب، وستجد أن العقاد في (سارة) يمثل الطابع الفكري فهو قصاصا مفكر. وستجد أن توفيق في عدد من قصصه يمثل الطابع الفني فهو قصاص فنان. . . وخذ العقاد مرة أخرى وعزيز أباظة وعلي طه - كشعراء - فستجد أن الأول يمثل المزاج الفكري فهو شاعر مفكر، وأن الثاني يمثل المزاج الأدبي فهو شاعر أديب، وأن الثالث يمثل المزاج الفني فهو شاعر فنان. . . هذا التقسيم واضح كل الوضوح في الأدب المصري الحديث كما هو واضح كل الوضوح في الأدب الفرنسي الحديث: أندريه جيد وفرانسوا مورياك كلاهما نموذج لهذا القصاص الأديب، وجان بول سارتر وبول كلودل كلاهما نموذج لهذا القصاص المفكر، وجان كوكتو وجان إنوي كلاهما نموذج أهذا القصاص الفنان!
إن الشعر دفقه وانتفاضة. . دفقه يتلقاها الشعراء جميعا، ولكن فيهم من يتلقاها بانتفاضة الذهن وحده، وفيهم من يتلقاها بانتفاضة الحس وحده، وفيهم من يتلقاها بانتفاضة الذهن والحس والشعور في وقت واحد. ونفرق نحن بين هذه الألوان من الانتفاضات في محاولة فنية تهدف من ورائها إلى استشفاف (الحقيقة الشعرية) من خلال أثوابها الكاشفة، وننتهي إلى أن حقيقة الشاعر الأول صاحب الانتفاضة الأولى هي (وجهة نظر) فكرية، وهذا هو العقاد. وإلى أن حقيقة الشاعر الثاني صاحب الانتفاضة الثانية هي (وجهة نظر) أدبية، وهذا هو عزيز أباظة. وإلى أن حقيقية الشاعر الثالث صاحب الانتفاضة الثالثة هي (وجهة نظر) فنية، وهذا هو علي طه. . . وهكذا تجد مزاج الشاعر المفكر، ومزاج الشاعر الأديب، ومزاج الشاعر الفنان!!
هذا هو رأي الأخير الذي أقدمه للأديب السوري الفاضل تعقيبا على كلمته عن الشاعر عزيز أباظة، ولا أريد أن أفرض هذا الرأي عليه ولا على غيره من الأدباء. . إن للأستاذ الأرناؤوط مطلق الحرية في أن يحتفظ بآرائه الخاصة حول قيم الشعر، كما يهديه إليها ذوقه الخاص وموازينه الذاتية، وله مني خالص الود وصادق التقدير.
أنور المعداوي