انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 90/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 90/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 03 - 1935



خواطر عن الدستور الإنكليزي

ملخص محاضرة للسيد جون سيمون

قرأنا في (الطان) نص المحاضرة الممتعة التي ألقاها السير جون سيمون وزير الخارجية البريطانية، في باريس، وافتتحت بها سلسلة المحاضرات السياسية الكبرى التي نظمتها (الطان) وشهدها رئيس الوزارة الفرنسية وأعضاؤها وأكابر رجال الحكم والسياسة والأدب والفن المال

وكان موضوع محاضرة السيد سيمون طريفاً شائقاً وهو: (بعض خواطر عن النظام الدستوري في بريطانيا العظمى) وقدم السير سيمون إلى الحضور رئيس الوزارة الفرنسية مسيو فلاندان، في كلمة بليغة نوه فيها بالمركز الرفيع الذي يتبوأه المحاضر في عالم السياسة والقانون؛ فهو اليوم عميد السياسة البريطانية، يتناول أقدارها ومصايرها بين يديه، وهو مشترع كبير ومحام بارع يترك وراءه ماضياً حافلاً بأعظم الذكريات

وألقى السير سيمون محاضرته بفرنسية بديعة؛ ولم يلجأ إلى الشروح الفنية أو الفقهية في بسط آرائه، ولكنه عرضها بطريقة واضحة سهلة، محكمة في نفس الوقت؛ واستهلها ببيان حقيقة يجهلها الكثيرون، وهي أنه لا يوجد في الواقع دستور إنكليزي، أو بالحرى لا يوجد دستور إنكليزي مكتوب ومبوب في نصوص ومواد يرجع إليها في تطبيقه؛ ولكن الدستور الإنكليزي عبارة عن مجموعة من القواعد والتقاليد القومية، تكونت مدى القرون وأصبحت مراجع محترمة تتبع بأمانة وإخلاص. ولهذه الخاصة الغريبة مزية قيمة هي المرونة التي تمكن ولاة الأمر من التمشي مع ظروف العصر ومقتضياته بتعديل بعض القواعد والتقاليد بطريقة عملية؛ وضرب السير سيمون مثلا عملياً لتطبيق هذه الخاصة، هو أنك لا تجد مطلقاً في القوانين البريطانية ذكراً للوزارة أو مسئولياتها أو رئيس الوزارة واختصاصه؛ فالوزارة التي تمسك بيدها مصاير الحرب والسلام هي نتيجة تطور دستوري لا يعرف أصله، ومع ذلك فهي تقوم على أصول دستورية معروفة؛ فهي مسئولة أمام البرلمان، ويجب أن يكون أعضاؤها جميعاً من أعضاء البرلمان؛ وأما رئيس الوزارة فليس له ذكر أو مرجع في القوانين الإنكليزية؛ وإقامته لا تستند إلى غير العادة والتقاليد، والمعروف أ والبول هو أول وزير إنكليزي أطلق عليه هذا اللقب واعتبر رئيساً للحكومة؛ أما قبل ذلك فكان الملك يصطفي من بين وزرائه وزيراً أو أكثر يعهد إليهم بمهام الأمور

وللوزارة البريطانية خاصة أخرى هي أن يفرق دائمً بين ديوان الوزارة (كابنت) وبين مجلس الوزارة. فأما ديوان الوزارة فلا يشمل كل الوزراء، ويعقد فقط من الوزراء الذين يمثلون الوزارات الهامة وفي مقدمتهم الرئيس؛ وهؤلاء هم الوزراء اللذين يحملون لقب (سكرتير الدولة) وعددهم سبعة، ومستشار المالية، واللورد تشانسلور، ورئيس البحرية، ورئيس مجلس التجارة وغيرهم؛ وهؤلاء يحضرون دائماً جلسات (الديوان) أما غيرهم من الوزراء الثانويين مثل وزير البريد، فلا يحضرون هذه الجلسات إلا في أحوال معينة

وقد كان العرش فيما مضى يشرف على اجتماعات الوزارة، ويرأس الملك جلساتها عادة؛ وكانت الملكة (آن) هي آخر من رأس مجلس الوزراء؛ ولكن حدث في عهد جورج الأول (أوائل القرن الثامن عشر) أن غيرت هذه العادة، فعدل الملك عن رئاسة المجلس لا لسبب سوى أنه كان ألمانياً لا يعرف الإنكليزية ولكنها غدت من ذلك الحين سنة في الدستور الإنكليزي، فملك إنكلترا لا يرأس مجلس الوزراء منذ قرنين

ولم يكن لمجلس الوزراء سكرتارية، ولا يوضع لجلساته مجلس أعمال حتى الحرب الكبرى، فاستحدث مستر لويد جورج هذه القاعدة، وعين سكرتيراً للمجلس بداعي الحاجة وما تقتضيه الأمور من سرعة الفعل؛ فغدت سنة دستورية؛ وأضحى هذا السكرتير من أهم أعضاء (الديوان) وعليه مسئولية كبيرة، فهو الذي يضع جدول الأعمال بمصادقة الرئيس ويوزعه على الأعضاء مشفوعاً بجميع الوثائق اللازمة، وفي وسع الوزراء البريطانيين متى تركوا خدمة الحكومة أن يكتبوا مذكراتهم كما شاءوا، ولكن قاعدة حكيمة مرعية تحملهم دائماً على احترام أسرار الدولة الخطيرة، فلا يبوحون بها مطلقاً

وهناك خاصة أخرى للوزارات البريطانية هي استقرارها وطول بقائها في الحكم؛ وهذه الخاصة ترجع إلى عوامل ثلاثة: الأول أن الأحزاب السياسية في إنكلترا قليلة العدد، وليست موزعة القوى والفرق كما هو الشأن في بلاد أخرى. والثاني هو أن صدور تصويت ضد الوزارة لا ينتهي بإسقاطها حتما؛ والوزارة الإنكليزية لا تطرح مسألة الثقة؛ ولا تسقط الوزارة إلا إذا هزمت في مسألة خطيرة أو وجه أليها قرار لوم على أثر المناقشة في مسألة هامة. والثالث هو أن أعضاء الأغلبية يترددون غالباً في التصويت ضد الحكومة، لأنه يحتمل جداً أن رئيس الوزارة إذا هزمت الوزارة، يشير على الملك بحل البرلمان، وهو اعتبار له قيمته في اتزان النواب. والمفهوم دائماً أن الرئيس إذا أشار بحل المجلس، فإنما يرجع ذلك إلى أسباب جوهرية تقتضيه؛ ولم يحدث أن رئيساً أشار مرة بالحل ورفض طلبه

ولمجلس النواب البريطاني رئيس له تقاليد خاصة واحترام عميق في نفوس الأعضاء، وهو الذي يطلق عليه (مستر سبيكر) وهو يحمل مسئولية النظام في المجلس، ويؤديها بمقدرة عجيبة؛ وليس له جرس يقرعه، ولكنه إذا احتدم الجدل إلى حد كبير، يقوم من مجلسة فقط، فيضطر الأعضاء احتراماً لعادة قديمة أن يجلسوا جميعاً وبذلك تسود السكينة. ولم يحدث منذ ثلاثين عاماً أن أخرج عضو من المجلس أو اتخذت أي إجراءات غير عادية لتأييد النظام

الموسوعة الإيطالية

كان من مظاهر الأحياء الفاشستي في إيطاليا، أن عنيت إيطاليا الجديدة بالناحية الثقافية والعمل على ترقية العلوم والآداب؛ ومنذ سنة 1925 تعنى جهات الثقافة الرسمية بإصدار موسوعة إيطالية كبرى (دائرة المعارف) لا تقل في حجمها وموادها عن الموسوعة الإنكليزية أو الأمريكية أو الروسية؛ ولم تكن إيطاليا قد عملت بعد لإخراجموسوعة من هذا النوع، وكان أول من فكر في تنفيذ المشروع السناتو تريكاني وهو من أقطاب الصناعة والمال، ورأى أن يستعين على تنفيذه بأقطاب العلم والأدب والفن في إيطاليا وفي خارجها؛ ولما رأت الحكومة خطر المشروع وأهميته تناولته بيدها، وأصدرت به قراراً رسمياً في يناير سنة 1933؛ وتحولت الهيئة التي كانت قائمة به إلى هيئة رسمية، واشتركت معظم البنوك الإيطالية الكبرى في إنشاء الاعتماد اللازم؛ وتولى الإشراف على الناحية العلمية السنيور جنتيلي وزير المعارف السابق وهو علامة وفيلسوف كبير؛ فجمع حوله أقطاب العلم والأدب والفن؛ وقسمت أبواب الموسوعة إلى خمسين باباً وزعت على مختلف العلماء والاخصائيين؛ وروعي فيها أن تكون تامة التماسك والتناسق؛ فالمواد تفحص حين ورودها ويستبعد منها ما كان جدلياً أو مذهبياً أو متناقضاً مع غيره، وتصحح التجارب مراراً عديدة، وقد بدأ ظهور هذه الموسوعة منذ سنة 1929 في ثوب أنيق رائع هو أبدع ما أخرجت المطابع الإيطالية وربما كان أبدع ما أخرجت مطابع العالم؛ ومن ذلك الحين يصدر مجلد واحد كل ثلاثة أشهر بانتظام تام؛ وسوف تظهر الأجزاء الأخيرة في سنة 1937، وتكون الموسوعة في ستة وثلاثين مجلداً. وقد ظهر إلى اليوم المجلد الرابع والعشرون ووصلت المواد إلى حرف ويحتوي كل مجلد على نحو مائتي صورة؛ وهي تطبع في مطبعة أنشئت خصيصاً لها في ميلانو عاصمة الطباعة الإيطالية، وقد اشترك في موادها جميع العلماء على اختلاف نحلهم ومذاهبهم العلمية والسياسية، وبلغ عدد الذين يشتركون في كتابتها 2500 عالم منهم نحو العشرة فقط من الأجانب، وكتب السنيور موسوليني مادة (الفاشزم)، وكتب كثير من أقطاب الحركة الفاشستية عن مناحي الحركة وتطوراتها؛ وسوف تكون هذه الموسوعة بلا ريب من أحدث المجموعات العلمية والأدبية والفنية التي ظهرت حتى اليوم