انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 899/تعقيبات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 899/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 09 - 1950



للأستاذ أنور المعداوي

ذكريات يثيرها العيد:

(ونظر إلى السماء نظرة طويلة، حار فيها دمع واضطراب بريق. . واحة في صحراء؟ ونبع يتدفق ماؤه؟ وزهرة ندية بالعطر فواحة بالأرج؟ كل هذه الأشياء يا رب له؟ أين كانت وأين كان؟!. وابتسم للحياة من قبله، وأضفى عليها من روحه، وقبس لها من حبه، وأصبح إنساناً غير الذي كان!

وألقى بالماضي كله في زوايا العدم. . لقد كان يعيش في حاضرة؛ حاضره الذي داعبته رؤى من المستقبل الباسم، ورقصت على حواشيه أطياف من الأمل الوليد، وانطلقت في أرجائه صيحة العمر الذي بعث. . هناك ينظره المجد تدفعه إليه يد حانية، وقلب يخفق، وبسمة تشرق، وروح برح بها الشوق إلى لقاء روح؛ ويا بعد الدنيا التي كانت في قلبه والدنيا التي تراءت لعينيه!

ومضت به الحياة في طريقها تطوي الأيام. . الزهرة الحبيبة يسقيها من فيض عطفه، والنبع الرقراق يسعى إليه إذا ظمؤه، والواحة الوارفة تحميه بظلها من لفح الهجير: يا صحراء: أين كانت الجنة؟ لقد كانت في رحابك وهما بغيضاً لا غناء فيه!

يا صحراء: أين كانت السعادة؟ لقد كانت في عذابك حلماً مخيفاً لا تأويل له! وأنت يا زهرته الحبيبة أين كنت؟ لقد قالت له عيناك إن الجنة ليست وهماً، وإن السعادة ليست حلماً، وإن ماضيه كله يمكن أن يختصر في لحظة من حاضره. . وماضيه الذي أصبح ذكرى في طوايا الغيب، وومضة في ثنايا الخاطر، وصرخة كتمت أنفاسها يد النسيان!

وفي تلك الدار من ذلك الحي كان هواه. . يذهب إليها مع الصبح، وحين يقبل الليل، وكلما هزه الشوق وطال الحنين؛ ولن ينسى كيف كانت تستقبله الدار يوم كان يقصد إليها: ملء يديه زهر، وملء عينيه أمل، وملء قلبه حب، وملء نفسه دنيا من الأحلام. . أبداً لن ينسى الوجه الذي كان يتلقاه باليدين حين يقبل، وبالروح حين يجلس، وبالدعاء حين ينصرف مودعاً إلى لقاء قريب. ولن ينسى أنها كانت تهوى الأدب، وتعشق الفن، ويملك عليها المشاعر كل معنى جميل. . ولن ينسى أن صلتها به كانت عن هذا الطريق الذ جمع بين قلبها وقلبه، وبين طبعها وطبعه، وبين شعورها وشعوره. ومن أجل هذا كله كان يدفع إليها بكل كتاب يقرؤه، وكل مقال يكتبه، وكل أثر من أثار الفن يعلم أنه يلقى من نفسها هوى ورعاية.

أبدا لن ينسى يا دار هواه، يا من كنت وحي قلمه ومهبط إلهامه وحيث أمانيه. . . لن ينسى حين غاب عنك أياماً ثم ذهب ليرى أهلك في تلك الأمسية التي يسفر من بعدها صباح العيد:

لقد كنت يا دار واجمة، كئيبة، يمرح في جنباتك الصمت ويطبق السكون! أين يا دار من كانت تفتح له الباب وكأنها تفتح له أبواب الشعور بالدنيا على مصاريعها؟ أين. . . أين؟ لقد قالوا له إنها مريضة. . مريضة؟ وهرع إلى حجرتها مسلوب الوعي مرتاع الخطو ملتاع الضمير، وأخذ مكانه إلى جانبها وتناول يديها بين يديه، وألقى على الوجه الشاحب نظرة سكب فيها من ذوب قلبه كل ما ادخرته الليالي وحفظته الأيام. أما هي. . فلم تنطق بكلمة، لقد أطبقت شفتيها الذابلتين، وشع من عينيها بريق عتاب لونته الدموع!

وأطرق برأسه إلى الأرض برهة، وطوقت نظرته الذاهلة هنا وهناك كأنما تبحث عن الألفاظ الحيرى في ساعة اللقاء. . . واستطاع بعد جهد أن يجمع شتات نفسه ليقول لها: لا أدرى كيف أعتذر إليك. أحقا كنت غائباً وأنت مريضة؟ كيف بالله لم يحدثني قلبي؟. ألا تغفرين لي؟!

وأمام اللهفة الحرى والخشوع الضارع والصمت المبتهل غفرت له. . ويا لحظة الغفران كم خففت من وخز ضميره، وكم حملت من عبء عذابه، وكم قربت بينه وبين الله!!

ومضى يحدثها وتحدثه، ويا عجباً. لقد عاد إلى الوجه الشاحب إشراقه الفجر، وإلى الوجنة الذابلة نضارة الورد، وإلى النظرة الفاترة صفاء النبع، وإلى الجسد المنهك تدفق العافية! وقالت له وهي تستوي في سريرها جالسة: أنظر. . ألا ترى أن العافية قد عادت إلى بعودتك؟ فأجاب والفرحة الجارفة تهز كل ذرة في كيانه: لو كنت أعلم لزرتك قبل اليوم، ولما تركتك نهباً لعوادي السقم! ومضى يحدثها وتحدثه، ويقرأ لها وتصغي إليه، ويبني لها من قصور الأوهام ما شاءت فنونه وشجونه. كم أقام على دعائم الخيال عشهما المنتظر؛ الجميل الهادئ، ذلك الذي يملؤه الأطفال أنساً ومرحا وبهجة، وتملؤه حباً وحناناً ورحمة! وتقول له وهي في غمرة الأماني وزحمة الأحلام:

بالله دعنا من المستقبل وخلنا في الحاضر. . إن غداً ليوم عيد، فهل فكرت في أن تهيئ لنا مكاناً جميلاً نقضي يومنا فيه؟! ويقول في صوت تنطلق فيه الهمسة من فجاج روحه: أما العيد فأنا اليوم فيه. . وأما المكان الجميل فقد هيأته لك في قلبي!

وترنوا إليه معجبة، ويرتسم على شفتيها ظل ابتسامة فاتنة، وتهتف من الأعماق قائلة له: هل تعرف أنك تجيد فن الحوار؟ لماذا لا تعالج كتابة القصة؟ أنا في انتظار اليوم الذي تكتب فيه قصتك الأولى!

ويعدها أن يكتب قصته الأولى، ويودعها وتودعه، وينطلق عائداً إلى بيته على أن يراها في صباح العيد. ولم يكن يعلم أن المقادير تدخر له أسود ليله في رصيد العمر، وأبشع صباح في حساب الشعور! ولم يكن يدرك أن ما رآه من ومضات العافية حين جلس إليها كان أشبه بومضات المصباح قد فرغ زيته، فهو يرسل أسطع أضوائه قبل أن ينطفئ، ويترك الحياة من حوله يختنق فيها النور تحت قبضة الظلام. . لقد طوى الموت في المساء صفحة عمر، وغيب القبر في الصباح أحلام عذراء!!

وسأل نفسه وهو يشهد ليلة تنطوي وفخراً يبزغ: أيمكن أن تمر تلك الليلة على إنسان كما مرت عليه؟ وسمع جواب نفسه منبعثاً من أعماقه: محال!

وكانت ليلة عيد: ولا يذكر أنه أحس القفر في حياته كما أحسه في تلك الليلة، ولا يذكر أنه أنكر دنياه كما أنكرها في تلك الليلة، ولا يذكر أنه استشعر الوحدة والغربة والفراغ كما استشعرها في تلك الليلة. . لقد كان يشم في كل شيء حوله رائحة الموت؛ الموت الكريه البشع الذي يتراءى للأحياء في الليالي السود، ويلف الآمال في أكفانه، ويهيل على جمال الحياة أكوام التراب!

وأشرقت الشمس العيد ترسل ضياءها إلى قلوب الناس إلا قلبه. لقد بقي وحده في الظلام؛ ظلام الأماني التي ذوت، والفرحه الكبرى التي انطوت، والدنيا التي ذهبت إلى غير معاد. ولأول مرة منذ سنتين شعر بدافع قوي إلى البكاء، وحاول أن يبكي ولكنه لم يستطع لقد تجمدت الدموع في عينيه، ثم تحدرت إلىقلبه قطرات: فيها من دفء عاطفته، وفيها من وقد وجدانه، وفيها من لوعة حرمانه. . . وفيها من وهج أساه! ونظر إلى السماء نظرة من يبحث عن شيء عزيز قد ضاع منه أو نظرة من يسأل السماء سؤالا لا جواب عنه: أين يا رب يجد الصبر وينشد السلوى ويلتمس العزاء؟ كل شيء قد انتهى، وكل جلد قد انقضى، وكل زاوية من زوايا النور قد أغلقتها يد الزمن. وها هو يمضي في الحياة وحيداً بلا رفيق، وغريباً بلا حبيب، وجرحاً تخضبت معالم الطريق من فيض دمه!)

فقرات من مقال حزين كتبه للرسالة منذ عامين. . . زهرات تمتد يده إلى حديقة الذكريات لتقطفها في حنو بالغ. . . ثم تقدمها إلى قبرها الحبيب تحية وفاء في يوم عيد!

عامان في حساب الزمن، تطمس فيهما يد النسيان من تاريخ كل حي سطوراً وكلمات. أما هو فقصة حياته ماثلة أبداً لعينيه، يرقب على مسرح الشعور فصولها المتلاحقة. . ويصفق بالجوانح لذلك المشهد المثير الذي هز قلبه في يوم من الأيام!

وكانت قصة عجيبة. . . بدأنها هي فكتبت بمداد النبوغ فصلها الأول. . . وحين لمح هو بوادر الإلهام أحب أن يقاسمها الخلود فكتب فصلها الثاني. . وحين أوشكت معجزة الخلق في يد البشر أن تنافس القدر، ضاقت السماء بهذه الألوهية فكتبت فصلها الأخير!!

وتركته وحده يشهد ختام المأساة. . ومنذ ليلتين رآها في الحلم طيفاً يعاتبه؛ يعاتبه على أنه لم يف بوعده منذ عامين في ليلة عيد! وقالت له فيما قالت: ترى هل نسيت عهد الوفاء؟ إنك منذ رحلت لم تذكري بكلمة. . ولم تذرف على دمعة. . . ولم تبعث إلي نفحة عزاء. . . أتحسب أنني في العلم الآخر لا أدرك؟! وأجابها في نظرة المتهم البريء يريد أن يدفع عن نفسه مرارة الاتهام: لقد وفيت بوعدي يا أختاه. . شيعتك إلى المكان الذي قدر لي ولك أن يطوي بين جنباته أول أمل. . وقدمت إليك (من الأعماق) نداء من القلب يؤنس وحشتك في ظلام القبر. . وكتبت (من وراء الأبد) قصة إنسانية وفت وفيها من سماتك روح وعنوان. أما الدموع فلا تسأل عنها العيون وإنما تسأل القلوب. . وما أصدق دموع الأعماق!

وقالت وهي تشرق بدمعها وترنو إليه في حنان: لقد كنت أمتحن وفاءك. ترى هل أنت سعيد في صحبة الأحياء؟ وأجاب وهو يمد في عينيه إلى الأفق البعيد حتى لا تلتقي منهما النظرات: لا أدري. . فمنذ أخذتك السماء من الأرض وأنا أهرب من السؤال إشفاقاً من الجواب!

وبدأت خيوط الفجر تتسلل من النافذة لتوقظه في رفق من حلمه القصير. . وهب من نومه ليرى ذراعيه ممدودتين في الهواء. . . تعانقان الفراغ والوحشة والسكون! وهتف في صوت لم يسمعه غير الله: يا رب. . هل تأذن لي في أن أعتب عليك؟!

إتجاه جديد لتوفيق الحكيم:

(وكم لنا في بعض الناس من آراء لا ينقصها لتظهر غير عدد من المناسبات). . هذا ما ختمتم به جزءاً من تعقيباتكم في العدد (897) من الرسالة. وهاأنذا اتخذتها ذريعة لكي تنشروا رأيكم بصراحة في مسرحيات توفيق الحكيم التي تنشر في (أخبار اليوم) من وقت إلى آخر. . وكفى بذلك مناسبة!

وما كنت لأوجه إليكم هذا السؤال إلا لعلمي بأنكم من أصدقاء الأستاذ الحكيم، ولما عهدناه فيكم - نحن القراء - من حرية الرأي وقوة في القلم، ومع أني لا أنكر أن الأستاذ الحكيم من أكبر الكتاب في مصر إلا أنني قد أحسست ومعي كثير من القراء بما في مسرحياته المذكورة من السرعة وعدم الإتقان. . . فإذا أخذنا مسرحيته الأخيرة المنشودة بالعدد (305) من (أخبار اليوم) والمسماة (مفتاح النجاح)، كان ذلك أصدق مثال لما ذكرته عن بعض هذه المسرحيات. فالموضوع كما هو واضح للذي قرأ المسرحية، ما هو إلا تصوير لبعض أعمال الوزراء بما فيها استثناءات وما ينتج عن حرية الرأي والصراحة في المصالح الحكومية! والمسرحية تكاد تكون جميلة، إلا أنه قد أقحم فيها بعض الشخصيات التي لا تتصل اتصالا وثيقاً بجوهر الموضوع كشخصيتي سميرة ونبيلة. . . ثم ألا توافقونني على أن الإطار الذي وضعت فيه المسرحية لم يكن قوى الحبكة؟ إنني لا أفهم أن يقحم أي شخص في سير الحوادث ما لم يكن له تأثير كبر أم صغر، وإن أومأ الأستاذ الحكيم إلى زيارة وسميرة ونبيلة بجملة واحدة قالها الوزير على لسانه ليظهر بعض أعماله وهي: (كان عندي زوار في موضوع هام)، حينما قال وكيل الوزارة: (جئت إلى معاليك منذ لحظة فوجدت النور الأحمر على الباب)!

ألم يكن الكاتب الكبير يستطيع أن يظهر هذا الرأي ولكن بأشخاص لهم صلة وثيقة بالموضوع وتأثير مباشر بالمسرحية؟ إني لكبير الأمل في أن أقرا في صفحات الرسالة رأيكم في الأستاذ توفيق الحكيم عامة وفي مسرحيته خاصة.

(مصطفى أ)

قبل أن أعقب على هذه الرسالة أشير إلى أمرين يثيران الدهشة والعجب: أولهما أن الأديب الفاضل يريد أن يسمع رأيي في الأستاذ توفيق الحكيم. . . أين كنت يا أخي وقد كتبت عنه اكثر من عشرين مرة؟! انك إذا رجعت إلى أعداد (الرسالة) فسيطالعك عن توفيق الحكيم آراء متعددة طفت بها حول كل الجوانب في شخصيته الفنية! أما الأمر الثاني الذي يدهشني من صاحب هذه الرسالة فهو إخفاء الجزء الأخير من اسمه لسبب غير معلوم. . . لماذا آثر أن يختفي وراء هذا الإمضاء الذي ظهر أوله وغاب آخره؟ سؤال يحتاج إلى جواب!

بعد هذا أقول له أن الأستاذ الحكيم في مسرحيته الأخيرة بعيد كل البعد عما تخيله ورماه به، واعني به السرعة وعدم الإتقان. . الحق أن الأديب الفاضل هو الذي كان متسرعاً في قراءته للمسرحيه وفي حكمه عليها من غير تثبت ولا مراجعة! وأشهد لقد طلبت الأستاذ الحكيم في التلفون يوم أن ظهرت هذه المسرحية لأهنئه، ولكنني وجدته متغيبا عن القاهرة. . . طلبته لأهنئه على هذا الاتجاه الجديد الذي يسير فيه!

إنه اتجاه سبق أن تحدثت بشأنه إلى الأستاذ الحكيم منذ أن وضع بذرته الأولى في أول مسرحية قدمها إلى المسرح وأعني بها مسرحية (اللص). . . لقد عاد توفيق الحكيم منذ هذا التاريخ إلى الحياة المصرية بعد أن غاب عنها فترة طويلة قضاها في ضيافة الأسطورة التاريخية. عاد إلى هذه الحياة ليسلط عليها أضواء فنه في كثير من الخبرة الواعية والمراقبة الصادقة.

من حق توفيق الحكيم على النقد الأدبي أن يسجل له هذا الاتجاه الاجتماعي الجديد، وأن يهنئه على أن خط السير الفني في أعماله الأخيرة كان مستقيماً لا انحرف فيه. . هذه كلمات لا أثر فيها للمجاملة التي تكون بين الأصدقاء، لأن صفحات الرسالة قد سجل لهذا القلم حملات قاسية على فن هذا (الصديق) يوم أن فاحت منه رائحة الجدران المغلقة بعد جولة طويلة في الهواء الطليق!

وأعود إلى مسرحية (مفتاح النجاح) لأقول للأديب صاحب الإمضاء: إن شخصيتي سميرة ونبيلة لا تقلان في الوضع الفني لتصميم المسرحية عن بقية الشخوص، أعني أن وجودهما على المسرح أمر لا غنى عنه إذا ما أردنا للواقعية الفنية أن تسير في طريقها المرسوم. . . إنهما شخصيتان غير دخيلتين كما يتوهم الأديب الفاضل، بل هما أصيلتان في واقع الفن وواقع الحياة!

لقد أبتلى توفيق الحكيم يوماً بداء الوظيفة الحكومية، ومن وراء المنظار وقعت عينيه الفاحصة على كثير من المآسي الخلقية التي صبها عن طريق مسرحيته في قالبها الفني الذي يتسع لها ولا يزبد. . . وكيل الوزارة المساعد يريد أن يتقرب إلى الوزير بشتى الطرق والأساليب، وهو في سبيل هذا التقرب يطلق كل ما في جعبته من سهام: السهم الأول هو وضع زوجته (سميرة) في خدمة (نبيلة) بنت الوزير، ولا بأس في أن تكون خادمة في بيت وزيره تقضي للزوجة والابنة كل ما يحتاجان إليه من أمور. . . وتريد العدسة الواعية من وراء هذه اللقطة البارعة أن توحي إلى القارئ بمدى تأثير هذه الخدمات (المنزلية) في نفس الوزير، وما يترتب عليها من خدمات (مصلحية) ينتظرها الوكيل المساعد. . . ومن هنا تظهر القيمة الحقيقة لظهور هاتين الشخصيتين الأنثويتين على مسرح الحوادث لغرض مقصود!

هذا هو السهم الأول، أما السهم الثاني فيستقر في قلب هذه الحقيقة الثانية التي سجاها توفيق الحكيم، وهي سعي الوكيل المساعد إلى النيل من زميله وكيل الوزارة حين أوحىإلى الوزير بوجوب منح أحد (المحاسيب) ترقية استثنائية، مقدماً أوفى الأدلة على ما يتمتع به هذا المحسوب من (كفاءة) منقطعة النظير. . . وعلى جناح الكيد والدس والوقيعة ينقل إليه أن وكيل الوزارة معترض على منح هذه الترقية لأنها حق غير مشروع، وأنه بهذا الاعتراض المتكرر يعطل أعمال الوزير ويقف في وجه مشروعاته (الإصلاحية)!

ويبقى السهم الثالث والأخير، وهو جناية الصراحة على أهلها حين يستدعي الوزير وكيله ليستطلع رأيه في هذا الذي نسب إليه. . . ويدور بينهما نقاش طويل يبدؤه الوزير بأنه يحب الصراحة ويقدرها ويضع صاحبها من نفسه في أحب مكان! وحين يطمئن الوكيل إلى هذا الخلق (الحميد) يجهر برأيه في شجاعة، وخلاصة هذا الرأي أن (محسوب) الوزير صفر اليدين من كل ما يؤهله للظفر بدرجة ليست من حقه وإنما هي من حق الآخرين. . .

وتقديراً لهذه الصراحة يجتمع مجلس الوزراء لينظر في شكوى الوزير من أن وكيله يعطل أعمال الوزارة حتى ليستحيل معه كل تعاون منشود. . . ويحال الوكيل الأصيل إلى المعاش ليظفر الوكيل المساعد بمنصبه، والفضل قي هذه الخدمة (المصلحية) إلى ما سبقها من خدمات (منزلية) توضع في المقام الأول من قيم المواهب والحسنات!!

حول مشكلة الفن والقيود

في العدد الماضي من الرسالة قرأت كلمة للأستاذ الفاضل علي محمد سرطاوي يرد بها على رأي سابق لي حول مشكلة القيود في الفن. . . ولقد رأى الأستاذ أن يخالفني في بعض وجهات نظر لم تتضح له كل الوضوح، فراح يعدد مظاهر الاختلاف بين نظرتين تذهب كل منهما في فهم مشكلات الفن إلى طريق!

أود قبل أن أعقب على كلمة الأستاذ الفاضل في العدد المقبل من الرسالة، أن أبعث إليه بأخلص الشكر على تحيته الرقيقة التي وجهها إلي ختام كلمته، هذه التحية التي يعطرها الخلق ويزجيها الوفاء.

أنور المعداوي.