انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 897/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 897/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 897
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 09 - 1950



للأستاذ عباس خضر

أعمال المؤتمر الثقافي وتوصياته:

أتينا في الأسبوع الماضي على اللجان التي الفت في المؤتمر الثقافي العربي الثاني، ونذكر الآن أنه بعد أن فرغت هذه اللجان عرضت تقريراتها على الهيئة العامة للمؤتمر التي عقدت جلستين في اليومين الأخيرين من أيام المؤتمر فناقش الأعضاء توصيات اللجان، وكان الرأي يؤخذ فيها واحدة واحدة، ووافق المؤتمر عليها مع تعديل بعضها. وقد رأس هاتين الجلستين الأستاذ شفيق غبريال بك نائبا عن معالي الرئيس الدكتور طه حسين بك؛ وقد جرت المناقشة في نظام تام وكان شفيق بك حريصاً على إتاحة الحرية في الإعراب عن الرأي، كما كان صبوراً واسع الصدر في حزم.

نظر المؤتمر تقرير اللجنة المكلفة بدراسة ما نفذته دول الجامعة العربية من قرارات وتوصيات المؤتمر الثقافي الأول، فتبين أن مناهج التعليم في أكثر البلدان العربية تسير وفق الكثير من تلك التوصيات، وأن أكثر هذه البلدان عملا بها هي سوريا، أن الحكومتين السعودية واليمنية لم ترسلا تقريريهما بهما في هذا الشأن، غير أن مندوبيهما أدليا ببيانين شفويين يتضمنان أن قرارات المؤتمر الأول موضع عناية هناك. وقد تقرر تشكيل لجنة للنظر في موضوع الكتاب المدرسي وفي وضع مناهج موحدة في القدر المشترك المبين في قرارات المؤتمر الأول، وتوصية حكومات الدول الأعضاء بضرورة تنفيذ ما يوصي به المؤتمر.

ونظر تقرير اللجنة المؤلفة لبحث موضوع تعليم أولاد اللاجئين الفلسطينيين، فلوحظ أن الجهود التي بذلتها البلاد العربية إلى الآن في هذا الغرض جهود متفرقة ولم تشمل إلا تعليم عشرين في المائة من مجموع من هم في سن التعليم من أبناء اللاجئين، كما تبين أنه ليس هناك إحصاء دقيق لعددهم وأحوالهم وقد أوصى المؤتمر بعدة توصيات منها تأليف لجنة تتفرع من اللجنة العامة لشؤون فلسطين، تكون مهمتها التفرغ للنواحي التعليمية من القضية الفلسطينية، ومنها فتح أبواب المدارس جميعها في البلاد العربية في وجه أبناء اللاجئين وأن يعاملوا كأبناء الدولة نفسها، وأن تستفيد كل دولة من المعلمين النازحين إليها م فلسطين بضمهم إلى هيئاتها التعليمية الأصلية ومعاملتهم كالمواطنين على أساس المساواة، وتعديل الأنظمة والقوانين التي تحول دون استخدامهم، وأن تقوم اللجنة المقترحة بإحصاء دقيق لعدد من الأساتذة والطلاب اللاجئين.

ونظر تقرير لجنة الثقافة العربية، وقد وافق المؤتمر على ما اقترحته اللجنة من تخصيص مؤتمر عربي ثقافي مقبل لدراسة موضوع الثقافة العربية دراسة تحليلية مفصلة، كما وافق على سائر توصياتها، وأولها العمل على تحقيق الوحدة اللغوية في المجتمع العربي حتى تكون لغته الفصحى لا لغة التعليم والتأليف فحسب، وقد جرت مناقشة في هذه النقطة أراد فيها بعضهم أن يعدل صيغتها بحيث تكون: العمل على نشر اللغة الفصيحة في المجتمع العربي، ولكن الأكثرية أصرت على الصيغة الأصلية، ومن هذه التوصيات مواصلة العمل على ترقية الثقافة العربية من طريق إحياء تراثها القديم وتأليف لجنة من المختصين في البلاد العربية لحصر المخطوطات واختيار ما ينبغي تقديمه منها للنشر، ويتألف لجنة أخرى لاختيار أمهات الكتب الأجنبية في العلم والأدب والفن لترجمتها إلى اللغة العربية، وتسهيل نشر الكتب والمجلات والصحف العربية في مختلف البلاد العربية وإزالة القيود المفروضة على التصدير والاستيراد، ومعالجة مشكلة تحويل النقد، وعدم الحد من حرية التفكير والتداول إلا في الحدود التي يسوغها القانون.

وتقرر تأليف لجنة برياسة معالي وزير المعارف المصرية وعضوية ممثلين للدول العربية، للمعاونة على الإعداد للمؤتمر الثالث ويكون من عملها وضع كتاب عن خصائص الثقافة العربية ومقوماتها والمشكلات التي تواجهها في العصر الحاضر ووضع كتاب في وصف خصائص الثقافة العربية للمقالة والموازنة.

ونظر المؤتمر في تقرير لجنة الإعداد للحياة، وقد لوحظ أنه أطال بذكر أمور تربوية مما هو معروف ومدون في كتب التربية، هو يتضمن الحث على مقاومة النزعة الكلامية والاهتمام بالناحية العلمية، وهو مع ذلك أكثر التقريرات كلاماً! تتجه التوصيات في هذا الموضوع إلى العمل على أن يكتسب الناشئ القدرة على ممارسة الحياة المشاركة في شؤونها، وتضمنت هذه التوصيات أهمية العناية بإعداد المعلمين، ورفع مستوى المدرسين مادياً واجتماعياً، وعقد مؤتمر خاص بأعداد المعلم في البلدان العربية.

وأقر المؤتمر تقرير لجنة التوسع في التعليميين الثانوي والعالي، ومن توصياته في هذا الموضوع أن يكون التعليم في مرحلتيه الابتدائية والثانوية مجانياً، وأن تكون المناهج ذات صلة وثيقة بالبيئة الحياة، أن يكون التعليم العالي حق للنابغين وذوي المواهب وعلى الحكومات أن تيسره لهم بإعفائهم من نفقاته ومنحهم المساعدات المالية، ولخصت اللجنة عقبات التوسع في المعلمين والمباني والميزانية، وأوصت بالتوسع في إيفاد البعوث إلى الجماعات الأجنبية وفي استقدام الأساتذة الأجانب، وذلك للتغلب على عقبة قلة الأساتذة الجامعيين.

ثم عقدت الجلسة الختامية برياسة معالي الدكتور طه حسين بك رئيس المؤتمر، فتحدث ممثلو الوفود الرسمية حديث المودة والتحية والشكر، ثم وقف معالي الرئيس فألقى كلمة أعرب فيها عن شعوره بالتقصير في جانب الوفود العربية وأشاد بفضل العرب على مصر قائلاً إن قامت بشيء نحوكم فإنما ترد على الفضل فمنكم تعلمنا أدب العرب عنكم أخذنا الحضارة العربية وقال معاليه للأعضاء: أنني أهنئكم بأمرين الأول خاص بالجهود التي بذلتموها والنتائج التي وصلتم إليها، أعاهدكم على أنني سأدرس القرارات التي اتخذتموها وسأعمل على إنفاذها فوراً ولن أنتظر حتى تدرسها الجامعة العربية وتوصي بها لأنني مؤمن بها كما أنتم بها مؤمنون، الأمر الثاني هو أنكم قد فرغتم من عناء الدرس والبحث في المؤتمر وتستطيعون الآن أن تتفرقوا في البلاد المصرية دون أن تأخذوا أنفسكم بشيء من القيود ودون أن يأخذكم شفيق بك غربال بالحزم.

وأنتقل جميع الأعضاء على أثر ذلك إلى (كازينو سان استفانو) حيث تناولوا العشاء تلبية لدعوة معالي الرئيس، وبعد العشاء ألقى الشاعر العراقي الكبير الأستاذ مهدي الجواهري قصيدة مطولة عنوانها (تحية مصر) وهي قصيدة جيدة فيها عما يربط مصر والعراق من روابط الأخوة التي لا ينال منها صنيع بعض الساسة الذي ينكره الشعب. وبعده ألقى معال الدكتور طه حسين بك كلمة وصف بها قصيدة الجواهري بأنها جمعت بين طرائف العصر وجزالة العرب وكرر معاليه الدعوة إلى عقد الثالث في مصر، وكان قد وجه هذه الدعوة أيضا في جلسة المؤتمر حتى يتاح لمصر أن تقدم للوفود من الحفاوة ما لم يتيح لها في هذا المؤتمر.

محاضرات المؤتمر:

كانت المحاضرة الخامسة، من المحاضرات العامة التي عدت لتلقي في خلال الأيام التي ينعقد فيها المؤتمر، هي محاضرة تربية العلمية لدى الشباب) للدكتور زكي نجيب محمود وقد بدأها بالتسائل عن سبب تأخرنا عن الغرب، وانتهى إلى أن هذا السبب إنما هو أننا نصدر في أعمالنا وتصرفاتنا عن العاطفة، قائلا: إن الشائبة التي تعيب كياننا وتضعف بنياننا هي (تضخم في العواطف والانكماش في العقل) وأن العلاج الذي يطالب رجال التربية أن يتناولوا به الجيل الناشئ هو أن يحصروا العاطفة في أضيق دائرة ممكنة ليفسحوا للعقل أوسع نطاق ممكن وقد عرف العاطفة بأنها الميل الشخصي الذاتي الذي لا يؤيده شيء من الواقع وعرف العقل بأنه مجموعة الأقوال التي يمكن التحقيق من صوابها أو خطئها. وقال إن أوربا نهضت في القرن السادس عشر لأنها نقصت عن نفسها غبار العقيدة (فسر العقيدة بأنها الذي يصدر عن عاطفة) لتلقي بزمامها إلى العقل، وإن التقدمالذي أصابه الإنسان إنما يرجع إلى تغيير نظرته إذا أصبح في البحث العلمي لا يقول القول إلا إذا اقتنعت به الحواس ورضي العقل، وإننا إذا أردنا أن نلحق بركب التقدم يجب أن نصنع ما صنعت أوربا إبان نهضتها، فأن حالنا شبيه بحالها إذ ذاك، فيجب أن ننزل عن الإيمان بالقلب إلى الإيمان بالعقل، والدعوة إلى العلم وحده هي الدعوة إلى المعرفة الصحيحة. ثم ندد بالطريقة المدرسية عندنا لأنها تعتمد على الحفظ سواء أكان المحفوظ قرآنا أم غيره، فالمدارس لا تزال (كتاتيب) وقال: إن تربية الناشئ تربية علمية معناها ألا يسلم بعقيدة لأنها شائعة وألا يأخذ برأي لأنه رأي موقر بتوقير صاحبه بل يجب أن تقوم التربية على تحكيم العقل فيكون للناشئ حق النقد كيف شاء.

ولا شك أن أساس المحاضرة سليم من حيث الدعوة إلى العلم والسير على مقتضى العقل، من حيث نقد ما يسود حياتنا على اختلاف نواحيها من عواطف حمقاء وعشواء ولكن الدكتور زكي نجيب قد غالى واشتط كدأبه فقلل من شأن العاطفة بل أنكرها كل الإنكار، وجعل العقل وحده كل شيء في تقدم الإنسان ورقيه أسند تأخرنا إلى ما سماه (تضخم العواطف) الواقع أن عواطفنا المتضخمة التي تسوقنا إلى الخرافات والأوهام ليست هي العواطف المنشودة للإنسانية والتي لا تكون الإنسانية إلا بها، فالعاطفة المنشودة هي (العاطفة العاقلة) إذا اعتبرنا هذا المعنى أمكن القول بأننا لا نصدر فيما نأتي وندع عن عاطفة ولا عن عقل.

فليدع من يدعو إلى العقل والى العلم، وما أشد حاجتنا إليهما، ولكن كيف نعيش من غير عقيدة وقلب وعاطفة، وما موقفنا أذن من قيمنا مثلنا الروحية؟ حقاً أشار الدكتور زكي في المحاضرة إلى أنه لا ينكر أثر الأدب والفنون في ترقية الأذواق وتهذيب النفوس لكنه لم يبين كيف يتفق الإقرار بهذا مع إنكار العاطفة والوجدان هل يريد (فنونا علمية) وكيف تكون؟

ثم كيف يتجرد الناس من القلب الإنساني وكيف تكون حياتهم إذا أسكتوا نبضه؟ وهل حقاً يسير المجتمع الغربي - إذا سلمنا بأن لا بد من السير في أثره - بلا عاطفة؟ وإذا أحتج أحد بعسف السياسة وطغيان الاستعمار فهل الحياة الغربية كلها سياسة واستعمار؟ وكانت المحاضرة الأخيرة هي محاضرة فضيلة الأستاذ الشيخ محمود شلتوت عن (العنصر الروحي وصلته بأعداد المواطن الصالح وقد بين فيها أثر الدين في تربية الناشئ تحدث عن أعداد من سماه (الديني الخاص) وعني به المختص بالثقافة الدينية وقال إنه لا يكفي في إعداده أن يتبحر في علوم الدين بل يجب أن توجه أكبر عناية إلى تربيته بحيث يمتزج الدين بقلبه كما يلم به عقله. ومما قاله أن العالم يحتاج إلى هداية يرجى أن تشع عليه من هذا الشرق.

الشغب في المؤتمر:

كانت محاضرة الدكتور زكي نجيب محمود مساء يوم الاثنين، وكان المقرر أن يتلوه الأستاذ عبد العزيز القوصي بمحاضرة عن الأزمات النفسية بين طلبة المدارس الثانوية، ولكن المحاضرة الأولى أثارت ضجة، إذ اعتبرها بعض الأعضاء دعوة إلى الإلحاد، وطلبوا أن يجر التعليق عليها والمناقشة فيها مهما طال الوقت ولو أدى ذلك إلى تأخير المحاضرة الثانية، ورأى الرئيس المشرف على المحاضرات، الأستاذ متي عقراوي، أن تلقي المحاضرة الثانية أولاً، وأيده في ذلك بعض الأعضاء ولكن طلاب المناقشة وقفوا بعنف وحالوا دون إلقاء المحاضرة، وانقلبت هذه إلى عراك، وأراد بعضهم أن (يتفاهم) بالأيدي والكراسي. . ثم أنفض الجمع أغلقت القاعة. وقد أدى ذلك إلى إلغاء المحاضرات ما عدا محاضرة الأستاذ الشيخ شلتوت التي ألقاها يوم الأربعاء.

ومما يذكر أن تلك (المهارشة) وقعت بين الأعضاء المصريين فقط، وأنها امتداد للحملة أو العاصفة التي تحدثت عنها في الأسبوع الماضي، ولم يفت الأعضاء غير المصريين أن يلاحظوا أن هذا الشغب يرجع إلى دوافع شخصية أو دوافع نفسية أو كليهما، ولم يفت أحد من العقلاء جميعاً أن يستنكر هذه الأساليب التي لا تليق بالمجتمعات الثقافية.

ومما يذكر أيضا أن ذلك الشغب أنقطع أو كاد بعد الحادث الذي وقع على أثر تلك المحاضرة، وقد فهمت - من بعيد - أن انحسار الشغب عن المؤتمر بعد ذلك يرجع إلى أن معالي رئيس المؤتمر الدكتور طه حسين بك أبدى غضبه لهذه الحال بطريقة ما، فعلموا أنه غير راض عن هذه التصرفات، على خلاف ما كان يوعز إليهم!. .

معرض الزخرفة الأندلسية:

هو معرض روائع من عمل الفنان العراقي السيد يوسف محمود غلام، وقد استدعته الإدارة الثقافية من بغداد ليعرض أعماله الفنية في المؤتمر الثقافي. وآسف لضيق المقام في هذا الأسبوع عن الحديث عن هذا المعرض العظيم، غير أنه لا بد الآن من الإشارة إلى أن المعرض لا يزال في كلية الآداب بالشاطئ على رغم انقضاض المؤتمر ومجيء الأعضاء إلى القاهرة، وصاحبه السيد غلام لا يزال حائراً، وقد نفذت نفقته ولم يلق ما كان يؤمل من تشجيع أدبي وعون مالي، أيعود إلى بغداد بعد أن أنفق على معرضه وعلى نفسه وولده نحو مائتي جنيه من جيبه، أم ينتظر لفتة أحد من ذوي الشأن ينقل المعرض إلى القاهرة، عسى. . .؟

عباس خضر