مجلة الرسالة/العدد 896/إنشاء اتحاد برلماني عربي على أسس جديدة
مجلة الرسالة/العدد 896/إنشاء اتحاد برلماني عربي على أسس جديدة
للأستاذ أحمد بك رمزي
مقدمة ونظرة عامة:
1 - المجالس النيابية والأنظمة البرلمانية من عمل الأوربيين، وهي حديثة العهد في الشرق، فإذا كانت قد نجحت في الغرب، فإنا نرجو لها نجاحاً مماثلاً لدينا، لأنه إذا أثبتت قواعدها ظهرت فعاليتها في أوساط الأمم العربية، وأمكن أن تؤثر في تطورها ونجاحها. بل أن أمم العروبة في حاجة إلى هذه النظم لتحركها وتهزها وتشعرها برسالتها.
نشير إلى هذا بمناسبة ما توارد من مدينة دمشق عن التفكير الجدي في دعوة الاتحاد البرلماني العربي إلى الاجتماع، وهي فكرة تستحق كل تقدير وتشجيع من المؤمنين بالأنظمة البرلمانية وتستدعي كل اهتمامهم لأن الديموقراطية لا تزال تسير في مراحلها الأولى، بل إن بعض البلاد العربية والإمارات الصغيرة ليس لها أنظمة أو دساتير، فالعرب في حاجة لمن يدعوهم إلى الأخذ بها. ولا تزال فكرة إشراك الجماهير في حكم البلاد جديدة عندنا، كما أن إعطاء المدن مسئولية حق التصرف في المرافق العامة وحاجيات السكان لا تزال محصورة في نطاق ضيق، كذلك فكرة السير نحو تطبيق اللامركزية وتوزيع مسئولية الحكم بين الهيئات المختلفة من مجالس مديريات وبليدات لا تزال في دورها البدائي التحضيري، ولا يمكن أن تستند أسس الحياة البرلمانية العربية على قواعد ثابتة وتتجه البلاد العربية نحو الديموقراطية الصحيحة قبل أن يتمرن السكان ويتدرب أهل القرى والبلاد والمدن على إدارة شئونهم المحلية أولا ثم يثبت في عقولهم وعلى المراقبة والإشراف على المصالح القومية والمسائل العامة: كما نرى ذلك في البلاد الأخرى.
فالحياة البرلمانية يجب أن تقام على أسس اللامركزية التي يجب أن تأخذ بها البلاد العربية في سيرها نحو الحياة الديموقراطية الصحيحة.
يقظة الوعي الجماعي نحو الاتحاد العربي:
2 - أن المحاولات التي تمت في السنوات الأخيرة بإيجاد هيئات اتحادية بين الدول العربية لا تزال في خطواتها التمهيدية وتعد جامعة الدول العربية خطوة أولى نحو هذ التعاون في الميدان الدولي الحكومي، وقد ظهرت بجانبها هيئات شعبية رأينا منها: منظمة الاتحاد العربي وجمعية الوحدة العربية، وهي هيئات غير حكومية يقوم بها الأفراد وتتجه مع جامعة الدول العربية نحو إيجاد هذا التعاون والتفاهم المنشود الذي حلم به الغرب منذ أكثر من ربع قرن.
الاتحاد البرلماني حلقة من حلقات هذا الاتحاد
3 - فقيام فكرة تأسيس اتحاد برلماني عربي فكرة وجيهة إذا قصد منها تقوية العمل الذي تقوم به جامعة الدول العربية وإذكاء الجهود التي تقوم بها الهيئات التي تمثل الناحية الشعبية الحرة بين الأمم العربية المختلفة. لأن قيمة أي نظام شعبي أو برلماني أو حكومي هي في مدى الجهود التي يبذلها لتحقيق نهضة هذه الأمم ونقلها من الحياة التي تعيش فيها إلى حياة القرن العشرين ثم في مقدار التأثير الذي يوجده هذا النظام في تحويل الشعوب وتركيز الجهود لجعل هذه المجموعة العربية ذات كيان حائز لاحترام وتقدير بقية العالم المتمدن وثقته فيها وإيمانه بأنها شعوب حية قادرة على حمل أعباء الاستقلال والسير به نحو البناء والنماء والتطور.
تكوين الاتحاد البرلماني العربي
4 - ولهذا نرى من المبدأ أن يكون هذا الاتحاد ممثلاً لبرلمانات البلاد العربية وهيئاتها النيابية، وأن يكون أول أغراض هذا الاتحاد تحقيق التعاون والتفاهم في الشئون السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية رغبة في إيجاد نوع من التقارب والتكاتف بين الحكومات والشعوب والجماعات: وهذا ما لم يتحقق للأسف.
وإن مجرد وجود فكرة عن تشجيع اجتماع عدد من النواب والشيوخ الممثلين لمختلف الشعوب العربية في هيئاتها البرلمانية من فترة لأخرى ونهوض هيئة إدارية ونوع من الرئاسة ومكتب دائم، كل ذلك من شأنه أن يساعد في تكوين فكرة عملية واتجاه معين للتقريب بين وجهات النظر في الأوساط البرلمانية إذا أحسن القائمون بهذا الأمر سياستهم وابتعدوا عن إثارة الشكوك القائمة بين الدول العربية، ولم يشغلوا أنفسهم بانتزاع ما هو من صميم اختصاص الحكومات العربية وما هو من صيم عمل جامعة الدول العربية وميثاقها.
وإلا فإن هذا الاتحاد إذا بدأ بالوقوع في الأخطاء التي وقع فيها غيره من المنظمات والهيئات كان أثره في يقظة هذه الشعوب ضعيفاً وغير ملموس كغيره من المنظمات التي أشرنا إليها. وفي مقدمتها جامعة الدول العربية.
وأجزم بأن عمل الحكومات العربية وعمل الجامعة العربية سيدعمه هذا الاتحاد البرلماني العربي ويدفع به إلى الأمام إذا كانت أهدافه إنشائية أي حينما يشعر الممثلون البرلمانيون بعظم الأمانة التي يحملونها ويقدرون أثر الحياة النيابية في رفع شأن البلاد العربية ودفعها نحو الرقي والتقدم كما قلنا.
5 - إنني أتصور أن يكون في كل بلد عربي هيئة محلية للاتحاد البرلماني العربي يدخلها أعضاء المجالس النيابية من النواب والشيوخ بعد دفع اشتراك معين كأعضاء عاملين كما يجوز أن يدخلهما كأعضاء منسبين كل النواب والشيوخ السابقين ويجوز أن ينضم إلى هذه الهيئة ممثلو الأحزاب المختلفة والنقابات والهيئات المحلية التي تشتغل بشئون التجارة والصناعة والزراعة وهيئات العمال والجمعيات النسائية والجمعيات التي تعمل لكل غرض إنساني أو علمي. وهذه الهيئة البرلمانية المحلية هي التي تتصل بالهيئات المحلية من مثيلاتها في البلاد العربية الأخرى عن طريق المكتب الدائم ورئاسة الاتحاد البرلماني العربي.
وأجد في القاهرة خير مدينة عربية تكون فيها رئاسة الاتحاد البرلماني العربي ومجلس إدارته وسكرتاريته، وأرى أن تدعو الرئاسة كل عام إلى مؤتمر للاتحاد البرلماني العربي يجتمع كل عام في إحدى العواصم العربية ويشترك في حضوره كافة أعضاء الهيئات المحلية بعدد لا يتجاوز خمسة عشر مندوباً من نواب وشيوخ كل بلد ويمكن أن يضم إليهم خبراء وسكرتاريون، ولا مانع في المستقبل من زيادة هذا العدد، وأن يضم إليه أعضاء من الهيئات التي أشرت إليها أو من النواب السابقين بشرط ألا تنقص نسبة عدد النواب والشيوخ عن النصف دائما.
وأفضل أن تكون جلسات المؤتمر علنية وكذلك اجتماعات اللجان إلا إذا دعت المصلحة لغير ذلك.
إن مجلس إدارة الاتحاد البرلماني هو الذي يدير أعمال الاتحاد ويقرر جدول أعمال المؤتمر ويضع التقرير السنوي وتقرير الميزانية ويراقب تنفيذها.
أهداف الاتحاد البرلماني العربي
6 - إن لكل حركة أهدافا معينة، ودعوة قائمة وإذا سارت فكرة الاتحاد البرلماني العربي على طريقة المنظمات والهيئات التي تقدمتها أي بقيت في نطاق السلبية أصبح عملها لا أهمية له وحكمت على نفسها بالجمود والأفضل عدم السير في تكوين الاتحاد والاكتفاء بالحال التي نحن عليها. والسبب في ذلك واضح وبين يتلخص في أن علة هذه الهيئات هم الرجال الذي يسرعون الخططي لتصدر الحركات العامة واحتكارها لأنفسهم قبل نضوجهم النضوج الكافي وقبل تهيئة أنفسهم بالعلم الواسع والثقافة الكافية لهذا العمل. فإذا اجتمع مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي تدافع فريق ممن يعتقد في نفسه الكفاءة والقدرة والسياسة وتبدأ بسماع عدد من الخطب المنبرية المحفوظة أو بعض المحاضرات الإنشائية التي تصلح لطلبة الثقافة أو إتمام الدراسة التوجيهية - ونقول إن المؤتمر درس المسألة المستعصاة فتكتب الجرائد ويصفق الأتباع والأنصار. إن مثل هذا العمل استمر أعواماً يهدم في كفايتنا منذ انتهت الحرب العالمية الثانية أي منذ سنة 1945.
7 - إنني أسلم بأن المصلحة تقضي بأن تكون حركة الاتحاد البرلماني العربي حركة تقدمية ترمي إلى تقوية أواصر المودة وإلى بذل النصيحة للبلاد العربية المتخلفة في مضمار الحضارة والتي سيكون عليها واجب إدخال الأنظمة النيابية والهيئات البلدية والإقليمية والإقناع بالأخذ بها بطريقة سهلة واضحة دون مساس بشئون الدول العربية الداخلية ودون إجحاف بحقوق الناس وإنما عملاً بالنص القرآني الكريم (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)
أمام هذه الحقائق الثابتة وتحت نظرة إيجابية غير متأثرة بالعاطفة وضعت مشروعاً لتنظيم الاتحاد البرلماني العربي.
ميثاق الاتحاد البرلماني العربي 23 أغسطس 1948
وليست هذه الفكرة جديدة على رجال العرب، فقد أقرت الهيئة التأسيسية التي اجتمعت بمدينة (صوفر) في 23 أغسطس سنة 1948 ميثاقاً للاتحاد جاء في إحدى عشر مادة كما أقرت نظاماً للمؤتمرات في جلستها المنعقدة في 20 ديسمبر سنة 1948 والمطلع على المشروع الذي أقدمه اليوم يجد أنه لا يتعارض مع الميثاق ولا يغير في نظام المؤتمرات.
وإنما يتجه اتجاهاً شعبياً فلا يتقيد بالقواعد الواردة في أنظمة المؤتمرات البرلمانية الدولية وإنما يعطي بجانب التمثيل البرلماني العربي للاتحاد الحق في تمثيل البلاد العربية التي لم تحصل على أنظمة برلمانية تحت إشراف جامعة الدول العربية التي تبرز لأول مرة ممثلة في الاجتماعات وقد أخذت بفكرة تمثيل الجماعات الشعبية مثل الأحزاب السياسية والجامعات والجمعيات السياسية والنسائية من نظام الاتحاد البرلماني العربي لدول البلقان:
والقصد من توسيع دائرة التمثيل هو جعل الاتحاد البرلماني العربي ممثلاً لرغبات الشعوب العربية ولشتى نواحي التيارات الفكرية ولكي يتجه الاتحاد البرلماني العربي إلى قيادة العالم العربي نحو الديمقراطية الصحيحة وتأكيد نظام اللامركزية والأخذ بقواعد استقلال سكان كل إقليم بإدارة شئونه والعمل على جعل المدن العربية ممثلة بواسطة بلدياتها في شئون العروبة العامة لحين يأتي الوقت الذي ينظم فيه اتحاد بين البلديات العربية بجانب الاتحاد البرلماني العربي.
أحمد رمزي
المراقب العام لمصلحة التشريع التجاري والملكية الصناعية