مجلة الرسالة/العدد 894/الأزهر والاتجاه الحديث في التربية
مجلة الرسالة/العدد 894/الأزهر والاتجاه الحديث في التربية
للأستاذ محمد عبد الحليم أبو زيد
كان للرأي الذي أذاعه الدكتور - محمد يوسف موسى - على
صفحات - الأهرام - في 681950 أثره العميق في أكثر من
بيئته. فقد أعلنه في صراحة؛ وجرأة؛ تعد أقوى ما وجه إلى
الوضع غير الطبيعي للأزهر من أزهري ومدرس في الأزهر.
غير أن هذا الرأي مع صدق منطقه؛ ونصاعة حجيته لا نقوى
على هضمه وتمثيله طبيعة البيئة الأزهرية لغير سبب واحد
ولأن الثورة على تلك الأوضاع التي رسخها الزمن ودعمتها
التقاليد قد توجد من المشكلات أكثر مما تحل والذي يمكن
عمله والدعوة إليه هو أن يعمل الأزهر على أن يستغل
ويستفيد من نتائج البحوث التربوية؛ والنفسية؛ وأن يؤمن بأن
ثروة الشعب الحقيقية لا تكن في جوف أرضه بل في نفوس
شبابه وفي مهارتهم في أعمال معينة وفي فوح ميولهم وفي
إعطائهم الفرص الطيبة للنمو الطبيعي وإعطاء كل فرد منهم
منزلة في المجتمع حسب قدرته واستعداداته حتى يمكنه أن
يحترم المجتمع على أحسن وجه ممكن وحتى يستفيد المجتمع
من مواهب أفراد بأقصى مما يمكن.
التربية تنادي بأنه يجب أن تعلم الأطفال الاشتراك في العمل
مع الآخرين في نفس الوقت الذي يتعلم فيه كيفية التفكير
والاعتماد على نفسه من إصدار الأحكام، وأن طريقة التفكير
أهم من المادة التي يفكر فيها؛ وأن أصدق مقياس للتدريس هو
ما نشاهده من تطور في سلوك المتعلم؛ واحترام شخصية
الطفل فاحترامها مبدأ أساس فإن من شأن ذلك الاحترام أن
يجعل الطفل يثق بنفسه وأن يعرف أن له وجود أو أهمية.
والعمل على توحيد شخصية الطفل وترابطها يتطلب حياة
اجتماعية موحدة في المدرسة والهيئة الاجتماعية؛ وألا تقف
المدرسة بعيدة عن ميدان الحياة وإلا باعدت بين الكائن الحي
الذي هو الطفل وبين بيئته الحقيقية وهي الحياة وأن يعمل
المعلم على فهم الطفل النفسي فالتعليم الصحيح يعتمد على
المزاج والعواطف والانفعالات النفسية كما يعتمد على الكلام
والأعمال؛ ومعرفة الفروق الفردية وفقه عواملها ومعاملة كل
فرد حسب مواهبه وتبعاً لما يحتاج إليه. ومساعده التلاميذ على
اكتساب القدرة على التفكير الصحيح في جميع مشاكلهم سواء
ما هو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو علمي ولا نعد مسرفين إذا قلنا أن كثيراً من الاضطراب في مدارسنا سببه أن
الطلبة لا يستطيعون أن يقاوموا بتفكيرهم الخاص الاتجاه
الجمعي الآتي لهم من الخارج وترمي التربية إلى تنقية البيئة
المدرسية وهي البيئة المختارة وتخليصها من كل ما يلوث
ويشبه البيئة الخارجية من الناحية الجسمية والعقلية والوجدانية
فالطفل يمتص من هذه البيئة كل ما فيها عن طريق التقليد
والإيماء والاستهواء والمشاركة الوجدانية. أما فيما يختص
بعملية التعليم فهو يقوم على مبدأ النشاط الذاتي للتلميذ؛
واستقلال غرائزه وميوله في كل مرحلة من مراحل نموه.
واتخاذها دعامة لعملية التربية واصبح مرشداً ومنظم فسقط أي
يعد المسرح ويترك التلميذ يقوم بدور فأساس التعليم الآن هو
إيجاد المشكلات المناسبة التي تستدعي التفكير وتتطلب الحل
أمام التلميذ وتركه يحاول ما أمكنه حلها والتغلب عليها وهي
تعن بالغذاء الفكري والوجداني الذي تقدمه لكل مرحلة من
حيث جودته وملاءمته حتى يسهل الانتفاع به.
فمن حيث المادة التي تقدم نجد العناية بألفاظها وأسلوبها فتعمل قوائم للألفاظ التي تستعمل في كل مرحلة مثل قوائم (ثور بدين) لتعرض المادة الملائمة لكل مرحلة في الأسلوب الذي لا يخرج كثيراً عن قاموس الطفل اللغوي وقد تعتني مظهر الكتاب من حيث الإتقان في الطبع والتلوين والصور كل هذا على ضوء علم النفس والتجارب التي أجريت على آلاف الأطفال؛ أما من الناحية المزاجية فأسمع كيف يعرض علماء النفس والتربية لأهميتها فيقولون: أن أهم عامل في استجابة الطفل للتعليم سواء أكان مبكراً أم متأخراً هو حالته المزاجية فعلى المدرس أن يسأل هل هذا الطفل (الذكي) سليم الجسم مملوء بالحيوية؟ فإذا لم يكن كذلك فالواجب تشجيعه إلى اللعب في الهواء الطلق وأن يقلل من عمله داخل الفصول؛ ومن الناحية الاجتماعية يسأل نفسه أيضاً هل الطفل الذي أظهر قدرة ممتازة في أعماله المدرسية منسجم في صلاته مع إخوانه؟ إن كثيراً من هؤلاء المتفوقين في الأعمال المدرسية مغمورون من الناحية الاجتماعية من حيث أتحاذ أصدقاء اللعب وهم يفشلون في حياتهم العامة لأنهم لم يستفيدوا من نباهتهم في تكوين الأصدقاء ومعرفة أساليب الحياة العامة. فإذا اكتشف المدرس هذا النوع من التلميذ فالواجب عليه أن يحثه على اللعب مع إخوانه على أن يلعب دوره جيداً في ملعب الكرة والتنس وغيرهما من الملاعب فإنها ذات قيمة في حياته تعود القدرة على حفظ درسه جيدا. . .
هذه بعض الخطوط العامة للسياسة التربوية كما تؤمن بها وتنفذها الأمم الحية. فماذا فعل الأزهر وهو جزء له كيانه البارز في هذا العصر إزاء هذه السياسة التربوية؟؟ الدراسة لا تزال تدور حول محور الطريقة الالغائية وتشنيط الذاكرة. أما مراعاة الفروق الفردية فلا يعرف عنها شيئاً ولا تزال الكتب من حيث أسلوبها ومادتها يعوزها الشيء الكثير حتى تفد في قدرتها الإثمار. أما العناية بالجانب الوجداني للتلميذ؛ أما تشجيعه على البحث؛ أما تكوين عادة فكرية سليمة؛ أما العناية بتفاعل الشخصية للتلميذ؛ فكل هذه أسئلة نترك للأزهر الإجابة عنها؟
هل آن للأزهر أن ينظر إلى تلك الوديعة التي استودعتها الأمة عنده تلك النظرة الإنسانية. ويعلم أنه مسؤول أمام الله؛ والوطن؛ والأجيال القادمة عن تنشئة هؤلاء على ما ينشأ عليه أبناء العصر، وكما ينشأ أبناء هؤلاء الذين يشرفون على سياسة الأزهر العلمية. وأنه مسؤول أيضاً عن هذه الأزمات الخلقية والعقلية التي مبعثها اختلاف عقليتين؛ وثقافتين؛ واتجاهين لأمة واحدة. وأن كل تقصير في هذا الإعداد هو جناية علمية؛ واجتماعية؛ وخلقية؛ تطبح من آثامها الأرض؛ وتشكو السماء محمد عبد الحليم أبو زيد
من علماء الأزهر الشريف ودبلوم فني في التربية وعلم النفس