مجلة الرسالة/العدد 89/آثار ملكة سبأ
مجلة الرسالة/العدد 89/آثار ملكة سبأ
ما زالت أساطير العصر القديم التي تجري مجرى التواريخ تثير طلعة الباحثين والمكتشفين؛ فهم يحاولون في فلسطين مثلاً أن يعثروا بآثار سليمان وداود، ويحاولون أن يكتشفوا بقايا (ارم ذات العماد) في بلاد العرب. وهنالك من يحاول أن يكتشف آثار ملكة سبأ في بلاد الحبشة، وذلك هو الكونت بيرون دي برورك العلامة الأثري البولوني، وهو ممن يعشقون الأساطير القديمة ويهيمون بتحقيقها، وقد اكتشف من قبل في ذلك المجاهل قبر (تيني هنان) الذي كان يعتبر من قبل خرافة، ومنذ أشهر عاد إلى الحبشة من طريق السودان المصري، ليحاول البحث عن مناجم سليمان الذهبية، وآثار ملكة سبأ الشهيرة؛ وعكف على البحث مدى حين في هضاب بلاد يامو؛ ولكنه لم يظفر بآثار حقيقية تكشف عن حقيقة تلك الأساطير الشهيرة؛ بيد أنه استطاع أن يجمع كثيراً من المعلومات الأثرية الهامة عن تلك المنطقة؛ وربما عاد في فرصة قريبة ليستأنف مباحثه
والواقع أن من الصعب أن نقتنع بصحة أمثال هذه الأساطير من الوجهة التاريخية. وقد يكون لبعضها أساس تاريخي، ولكن الأسطورة تحيط به وتجرده من حقيقته الأولى لتخرجه لنا في ثوب خرافي محض. ومن هذا القبيل أسطورة قبر (الإسكندر) المقدوني، وكونه قد دفن بالإسكندرية، فقد اهتم المستر هوارد كارتر مكتشف قبر توت عنخ آمون بهذه الرواية. وأخذ بالفعل يبحث عن تحقيقها تمهيداً لاكتشاف قبر الإسكندر. على أن لهذه الأسطورة مهاداً أخرى، إذا يروى أن الإسكندر دفن بالشام، أو ببلاد الفرس، وقد ذهبت جهود العلماء لتحقيقها سدى منذ نصف قرن
التنافس بين الفاشستية والهتلرية على استعباد الشعوب
كثر الجد أخيراً بين الصحف الألمانية والصحف الإيطالية، وانفردت الصحف الألمانية إلى جانب الصحف الروسية بالحملة على مشاريع إيطاليا وجهودها الاستعمارية، ولاسيما في بلاد الشرق الأدنى. وتنتهز الصحف الألمانية هذه المناسبة للحملة على (الفاشستية) والمقارنة بينها وبين (الاشتراكية الوطنية) (الهتلرية) الألمانية، وقد نشرت مجلة (فولك أوند رخت) (الشعب والحق) البرلينية أخيراً فصلاً تندد فيه بخطط إيطاليا وبالفاشستية الإيطالية، وتقول إن سلام شعوب الشرق الأدنى لا تحققه الفاشستية التي هي في الواقع عنوان عصر قد ختم؛ أما (الاشتراكية الوطنية) فهي بالعكس نظام جديد، قد خلق أسلوباً جديداً للتفكير يعارض كل ما ذهب إليه النظرية الغربية في شأن الدولة والرأسمالية، ولا سلام للشرق إلا باعتناق مبادئ الاشتراكية الوطنية. وقد ردت جريدة (جورنالي ديتاليا) الإيطالية على هذه الحملة، فقالت إنه يراد أن يخلق تعارض بين الفاشستية والاشتراكية الوطنية، وأن يتخذ من هذا التعارض أساساً لمنافسة سياسية تزمع ألمانيا أن تقوم بها ضد إيطاليا في الشرق الأدنى، وتسلم الصحيفة الإيطالية بوجود فروق جوهرية بين الفاشستية والاشتراكية الوطنية، ولكنها تنوه بما تقوم عليه النظرية الألمانية من التفاضل بين الأجناس، وأنها تطالب بوحدة الأمم من الوجهة الجنسية. والواقع أن أمم الشرق الأدنى تتكون اليوم من مزيج من الأجناس المختلفة، وتتكون كل منها حول الجنس الغالب؛ فإذا فكرت في ألا تطبق المبادئ الهتلرية فعليها أن تمزق نفسها مختارة، وأن تتنازل عن أجزاء من أراضيها تعمرها الأجناس الدخيلة أو المنحطة
وهكذا ينم هذا الجدل عن غايته، فأنصار الاشتراكية الوطنية يزعمون أنهم أحق باستعمار الأمم وبسط نفوذهم عليها؛ ويعارضهم أنصار الفاشستية في هذه الدعوة؛ وأمم الشرق تستهدف في الحالين إلى مطامع الاستعمار ودسائسه؛ ومن المفيد أحياناً أن تتبع الأمم الشرقية مثل هذا الجدل لتقف على ما تبطنه الفاشستية الإيطالية أو الهتلرية أو غيرها من الدعوات والمبادئ الخلابة نحوها من ضروب الغدر والعدوان