مجلة الرسالة/العدد 888/سر التعمير
مجلة الرسالة/العدد 888/سر التعمير
ترجمها عن البرتغالية
الأستاذ سامي عازر
كل من يطلع على هذا المقال سيرغب، ولاشك، أن يضيف إلى عمره عشر سنوات على الأقل، وسينتظر مني أن أسرد أسماء الأدوية والمحضرات الحديثة التي يجب استعمالها لتحقيق هذه الغاية. بيد أن سر التعمير لا يكمن في (برشام) الصيدليات، ولا يختبئ في زوايا المختبرات الطبية، وإنما ينحصر بمعرفة ما نقدر أن نفعل وما يجب ألا نفعل. فإذا كنت ترغب في أن تعيش طويلاً فعليك أن تدخل على سيرة حياتك علماً جديداً قائماً على الاقتباس والوارثة، ومن نافذة هذا العلم يتكشف لك فن جديد هو فن الحياة. وهذا ألفن يحيطك علماً بعلاقة العوامل الحيوية بالتعمير، والعوامل الحيوية هذه تقوم على التغذية المنظمة واتزان الجهاز العصبي، والراحة والاستحمام، والتمرين العقلي والجسدي، والاستقرار النفساني. إن الطبيعة تتطلب منك ثمناً للسنوات العشر الإضافية وما تمنحك إياه أثمن بكثير مما تدفعه لها.
كان معدل عمر الإنسان في العصور القديمة ثماني عشرة سنة، وقد عُثر على خطوط مصرية منقوشة على مومياء يستدل منها على أن معدل عمر الإنسان كان، منذ الفي عام، اثنتين وعشرين سنة، وأرتفع المعدل في مطلع القرون الوسطى فبلغ خمساً وعشرين، ثم أرتفع في نهاية القرن المنصرم فأصبح خمسين، وزاد في نصف القرن الأخير خمس عشرة سنة فغدا، كما تقول إحصاءات الوفيات، خمساً وستين، بقليل من الاختلافات الطفيفة في بعض الأقطار عن البعض الآخر.
ويعزى هذا الارتفاع النسبي إلى كون المختبرات العلمية قد لعبت دوراً هاماً في حقل محاربة الأمراض الالتهابية في الأطفال بفضل المحضرات العجيبة كالبنسلين والفيتامين. ويحشد العلم، اليوم قواته الهجومية لحل المشكلة المتعلقة بضعف القلب والشرايين والدورة الدموية، بعد أن يتجاوز الإنسان العام الستين من عمره ويرى الدكتور ادغارل بورتز رئيس اتحاد الأطباء الأميركي إن عمر الإنسان العادي يجب أن يبلغ المائة والخمسين عاماً مستنداً برأيه إلى كون الإنسان يختلف كل الاختلاف عن سائر الحيوان، فهو يحتاج إلى أن يعيش عمراً يفوق ستة أضعاف عمره ليتم ارتقاؤه؛ فالحصان مثلا يتم نموه في العام الرابع وهو يعيش خمساً وعشرين سنة، والهر يتكامل نموه في سنة ونصف السنة ويعيش من التسع إلى العشر سنوات، والكلب يبلغ نهاية النمو في العام الثاني ويعيش اثنتي عشر سنة. أما الإنسان الذي لا يتم نضجه قبل تمام العام الخامس والعشرين فيجب أن يعيش على الأقل مائة سنة.
إن في الإنسان دليلاً قوياً على إمكانية إطالة حياته حتى العام المائة والخمسين، وهذا الدليل هو عيناه إن قوة العيون البشرية على البقاء تصلح لأن تكون مقياساً لإطالة الحياة، فهذه القوة تضعف تدريجياً مع السنين. وإذا تتبعناها، على ضوء الأرقام، وجدنا أنها تحتاج إلى ما يقارب مائة وخمسين سنة حتى ينطفئ نورها انطفاء كاملاً.
إن الإكسير الضمين بإطالة العمر أقرب إلينا مما نتصور، فمنذ سنوات قليلة وصلت من روسيا معلومات عن محضر جديد يدعى (مجدد الشباب) وقد اكتشفه البحاثة الشهير الدكتور إسكندر ل. بورفو موليتز، مدير معهد البيولوجيا (علم الأحياء) وعلم أسباب الأمراض (الباتولوجيا) في كييف. ويرى هذا العالم أيضاًأن إنسان القرن العشرين يجب أن يعمر مائة وخمسين عاماً. ويرجع في أبحاثه إلى المصادر التاريخية المتنوعة بغية العثور على شهادات تؤيد نظرياته. وقد اهتدى إلى كثير منها وهذه إحداها:
توماس بار، إنكليزي التبعة، عاش مائة واثنتين وخمسين سنة، فعاصر تسعة ملوك تعاقبوا على عرش بلاده، وتزوج وهو في العام المائة والتاسع عشر وهو، مع هذا، كامل الرجولة حتى أن زوجته كانت تشك في بلوغه تلك السن. وتوفي بار على اثر تناوله كمية كبرى من الطعام في وليمة أقيمت في القصر الملكي فكانت سبباً للقضاء على حياته. ولم يكن لموته أية علاقة بشيخوخته كما دل التشريح الطبي.
إن ستالين هو أحد الأفراد الأول الذين تعاطوا محضر بورغوموليتز بعد أن ثبت له خلوه من الخطر على حياة المصابين بداء القلب، وحالة ستالين الصحية مغمورة، كأعظم أسرار روسيا الحربية، بتكتم شديد. غير أن الأفراد الذين رأوا هذا المتوشالح الجيورجاني مؤخراً يؤكدون أنه يتمتع بصحة لا مثيل لها.
ويتوصل بورغوموليتز، في تجاربه لفهم أسرار الحياة والتعمير إلى نتائج تتنافى والعقاقير والمحضرات. فهو يقول إن الاستقرار النفسي هو عامل حيوي في التعمير كالتغذية والاستجمام والرياضة البدنية. وله أتباع كثيرون، حتى بين أطباء العالم الغربي يؤيدون نظريته ويعملون بها.
إن عالم الطب الحديث، الطب البسيكوزماتيكي، منهمك اليوم في درس الأمراض الجسدية المسببة عن اضطراب نفساني والمستوصفات (البسيكاتريكية) تعالج كثيراً من الأمراض بطريقة نفسانية تسفر في كثير من الأحيان عن شفاء تام. والقرحة التي تزعج المرضى والأطباء على حد سواء، والضغط الشرياني العالي إن هما سوى نتيجتين للآلام النفسية. ويعتقد علماء السرطان إن الأشخاص السريعي التأثر، المستسلمين لعاملي الغضب والحسد تهيأ في أجسامهم تربة صالحة لنمو السرطان. وقد لاحظ بعض العلماء، في روسيا، إن إزعاج الفئران يعجل ظهور السرطان فيها بينما يبطئ ظهوره كثيراً عندما يتسنى للفأر أن يعيش حياة هادئة
وهنالك أمر معروف، وهو أن حياة المتزوجين أطول من حياة الأعزاب. وفي إحصائيين روسيين ثبت أن مقابل كل مائة متزوج يموت مائة وأربعون عزبا، وتزيد نسبة الوفيات بين الأرامل والمطلقات عنها بين العزبات. ويعزو بعض المشتغلين في مسألة التعمير هذا الأمر إلى كون المتزوجين يعيشون في حالة نفسانية اكثر تنظيماً من حالة العزب. فالشاب العزب يحيا في جو من التصابي مشبع بالانفعالات النفسية؛ والفتاة العازبة المنتظرة، أبداً كلمة (نعم) من خطيبها، كثيراً ما تهد قواها انفعالات الانتظار وتسبب لها أمراضاً يصعب شفاؤها. أما الأرملة فتذوب كالشمعة ذوباناً بطيئاً تحت سعير العذاب النفسي. إن خفقان القلب السريع الصادر عن خوف أو حزن أو تأثيرات أخرى، يجهد القلب وينهكه، فينشأ عن هذا أن بعض الأعضاء الحيوية الأخرى تصاب بتسمم لعدم التنظيم الطبيعي في الجسم. وقد تمكن الأطباء من شفاء كثير من الأمراض القلبية التي كانت تعتبر، منذ وقت قريب، مستعصية لا أمل البتة في شفائها. ولم يتم لهم هذا بفعل الخوارق والمعجزات، بل توصلوا إليه بالقضاء على وسواس نفساني كان يلازم رؤوس المرضى.
إن في قبيلة (اليوغ) الهندية عدداً كبيراً من المشتغلين في درس مسألة التعمير. واليوغيون بصورة إجمالية يعمرون أكثر من مائة سنة، فاتزان الأعصاب والاستقرار النفسي والتمرين العقلي والجسدي هي من مميزات الحياة اليوغية. واليوغي الصميم هو رجل هادئ أبداً، لا يكره أحداً ولا يعرف الحسد إلى نفسه سبيلا، لا يقلق لأمر ولا تساوره المشاغل والهموم طويلا. ومن أقوال سبينوزا فيلسوف هايا الخالد الذي وجه حياة الهندوس توجيهاً خاصاً بفلسفته الرحمادية قوله باللاتينية:
, , لا تبك، لا تغضب، بل افهم. إن هذه النصيحة تتلاءم مع الحياة، وما يتلاءم مع الحياة يعيش طويلا
ومن البديهي أن تكون التغذية سبباً رئيسياً من أسباب الحياة، فمن لا يأكل فموته محتم، ومن يأكل بشراهة يسير على الطريق نفسه. أن غيليرد هوزر وهو من أعظم المراجع القائلة بتحديد كمية الغذاء يرى أن الحمية تؤخر حلول الشيخوخة وتضيف إلى حياة الإنسان بضع سنوات مفيدة. وقد توصل فريق من الإختباريين، بفضل ما قاموا به من تجارب في الحيوانات، إلى الجزم بإطالة الحياة عشرة سنوات إذا واظب الإنسان على تناول كميات كبرى من الفيتامينات. والفئران التي كانت تتغذى في جامعة كولومبيا بكميات من الفيتامين والكلسيوم زادت أعمارها أكثر من عشرة بالمائة عن أعمار سائر الفئران الأخرى. وقد قام (هوزر) بتجاربه في حفظ شباب أطبائه مدة طويلة فحدد لهم غذاء مؤلفا من أربعة ألوان لم يعرفها المطبخ قبلا، وهي: خميرة الجعة (البيرا) والزبادي البلغاري، وحبوب الحنطة، والعسل النباتي ولبن الزبادي البلغاري يحتوي على كمية كبرى من فيتامين وهو الطعام الرئيسي للأرياف البلغارية بالنسبة لحيويته ومساعدته على إطالة الحياة. أما خميرة الجعة الغذاء العجيب في كل المناسبات والأوقات فهي تحوي أحد عشر نوعاً من الفيتامين وستة عشر من حوامض (الامينو) وأربعة عشر من المعدنيات، من الحديد إلى الفسفور. والعسل النباتي المستعمل في المخابز لصنع الخبز العسلي يحتوي على كثير من المعدنيات التي تحفظ الحرارة وكميات كبرى من الفيتامينات لا تتهيأ في غير من الأطعمة. وفي حبوب الحنطة قدر هائل من الفيتامينات والمعدنيات ومحتويات البروتيك المدهشة، ولها نفس فعل خميرة الجعة.
أحذرو السمن الزائد
إن الموت يشن هجومه الأول على الأجسام السمينة ليشبع نهمه. فالسمن مبعث لكثير من أمراض القلب والشرايين والسرطان والانفجار الدماغي. وهذه الأمراض هي الشرور الأربعة العظمى التي يسقط يومياً عدد هائل من ضحاياها البشرية
ولا يشترط للتحرر من السمنة ممارسة رياضة بدنية عنيفة، فالبالغون لا يحتاجون إلى التقيد بهذا. ويكفي، كما يقول بورغو مولتز، أن يثابر الإنسان على عادة المشي في الهواء الطلق ليروض جهاز تنفسه. والتنفس البطيء المتزن يحرر الجسم من الفساد الدموي الذي من شأنه أن يقرب نهاية الحياة. أما أولئك الذين يتنفسون تنفساً سريعاً فلا يعيشون طويلاً
فيستدل مما قدمنا أنه ليس هنالك عامل واحد لإطالة الحياة بل عوامل مختلفة يقضي علينا فن الحياة أن نعرف كيف نوجهها فتوجهنا. علينا أن تتناول الطعام الذي لا نستسيغه إذا كان فيه كميات فيتامنية تنفعنا، ونقطع يومياً مسافات طويلة لتمرينات عضلاتنا، ونضحي بكثير من المتع الجسمية والروحية التي تعوقنا عن أن نأوي إلى فراشنا باكراً. لنتحرر من نقائص الغضب والحسد والكراهية، ولا نفكر كثيراً في الحياة والموت، وهذا الشرط الأخير يجب أن يظل نصب أعيننا، وإلا أصابنا ما أصاب طبيباً أمريكياً انصرف منذ بدء حياته الطبية إلى معالجة مسألة التعمير ودرسها. وقد شغلت هذه القضية معظم أوقاته وحملته من المتاعب ما هد قواه فسقط في ريعان الشباب صريع عدم الفطنة دون أن يتمكن من نيل أمنيته. إن عدم الاكتراث هو الوسيلة الأولى لإطالة حياتك. فعليك أن تبتسم مهما حف بك من خطوب وكرب، وبذلك تقطع المرحلة الشاقة ذات العقبات الكأ داء ويسهل عليك أن تنتقل منها إلى المراحل الأخرى وهي أسهل عليك وأخف وطأة.
(العصبة)
سامي عازر