مجلة الرسالة/العدد 86/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 86/البريد الأدبي
تعليق وتعقيب
لامرتين
قرأت في (الرسالة) الغراء في باب (من هنا ومن هناك) من العدد التاسع والسبعين، كلمة عن نسب لامرتين الشاعر الفرنسي الملهم واحتمال أن يكون متسلسلاً من أصل عربي كما كان يقول هو عن نفسه. وللتعاون مع الباحث في هذه المسألة أقول:
إنني وجماعة من الأدباء، منذ مدة قريبة كنا تذاكرنا في هذا الموضوع، وبعد استعراض ما قيل فيه ما جلبه الأستاذ صاحب المجلة، جوزنا على تقدير عربية الشاعر أن يكون بين اسمه واسم أسرة العمارتي صلة ما، ولا سيما أن أصل الاسم هو ألا مرتين أي العمارتي كما نكتبها بالحروف الإفرنجية. وأسرة العمارتي هي من الأسر المنتشرة في هذه الجبال الريفية، والتي يغلب أن يكون أهلها من عرب الأندلس المهاجرين إلى المغرب. فهذا مما يزيد قوة الاعتقاد بعربية لامرتين. نعم هذه النون التي في الطرف ليست في اسم الأسرة المذكورة، ولكن لا مانع أن تكون من تصرف الألسنة الفرنجية في الاسم كما هو معهود منها اليوم مع هذا الاختلاط العظيم، فكيف به قبل؟ وعلى كل حال فهذا التعليق القصير ربما يلقي بصيصاً من النور على هذا البحث الطويل
بشر بن عوانة
كذلك قرأت في الباب نفسه من نفس عدد المجلة بحثاً صغيراً مضمونه الشك في حقيقة حياة هذا الشاعر وترجيح أن يكون شخصية خرافية من شخصيات المقامات كأبي الفتح الإسكندري والحرث بن همام؛ ذلك لأن الكاتب لم يقف على اسم بشر هذا في سفر من أسفار التاريخ ولا في كتاب من كتب الأدب التي قرأها إلا في مقامات بديع الزمان وكتاب تاريخ أدب اللغة العربية لجرجي زيدان وكتب المحفوظات للمدارس المصرية فرجح عنده إنكار وجوده. وبما أنني كنت وقعت على اسم بشر المذكور في غير هذه الكتب، رجعت إلى المظان التي أذكر أنني رأيته فيها فوجدت من أقربها كتاب (المثل السائر). وقد جاء ذكر بشرفيه في الصفحة 64 (طبع مصر بالمطبعة البهية) حيث قال: (وكذلك وردت لفظة مشمخر فان بشراً استعملها في أبياته التي يصف فيها لقاءه للأسد فقال:
وأطلقت المهند من يميني ... فقد له من الأضلاع عشرا
فخر مضرجاً بدم كأني ... هدمت به بناء مشخمرا
وخدمة للأدب فقط كتبت هذا التعقيب، وإلا فحياة بشر لا تثبت بمثل هذا الذكر استطراداً، على أن قصته التي حكاها البديع تسف حتى تلتحق بالخرافات لما فيها من المتناقضات
طنجة
عبد الله كنون الحسني
حول رواية نهر الجنون
. . . . قرأت في العدد (84) من الرسالة الغراء مقالاً للأستاذ (جورج وغريس) تحت عنوان (سياحة في نهر الجنون). . .
ذكر فيه خلاصة موجزة للقصة التمثيلية (نهر الجنون) للأستاذ توفق الحكيم، وذكر كيف أن المرحوم جبران خليل جبران نشر شبيه هذه القصة في كتابه الجنون. وتساءل الأستاذ (جورج وغريس): هل هناك اقتباس؟ وأشارت الرسالة في نهاية المقال إلى أن مصدر الكاتبين قد يكون واحداً. . .
وقد نشر نفس القصة لكاتب التركي المرحوم (عمر سيف الدين) سنة (1326) رومية أي منذ خمس وعشرين سنة تقريباً في كتابه المعبد الخفي (كيزلي معبد) تحت عنوان (الماء الذي شربه الجميع، أسطورة صينية) صفحة (127) والقصة تتلخص فيما يلي:
كان (لينغ - يو) ملكاً عادلاً حكيماً، توفر في أيامه الهناء للرعية، فجاءه في أحد الأيام ساحر وأعلمه أن أمطار غزيرة ستهطل مدى أيام، وكل من يشرب ماء خالطته قطرة من هذه الأمطار يصبح مجنوناً لا محالة. فأمر الملك بملء صهاريج القصر وكل ما فيه من أوان ماء نقياً عذباً لينجو من شرب الماء المسبب للجنون. . . وبعد أيام بدأت الأمطار بالتهطال ودام انهمارها أياماً وأسابيع. . فخالط ماؤها ماء الينابيع والآبار فجن السكان كلهم، وانتشروا في الأزقة والساحات يصيحون ويصرخون. وتجمع قسم كبير منهم حول قصر الملك وأخذوا يسخرون منه ومن صحبه الذين ظلموا عقلاء حتى تلك الساعة بفضل الماء المخزون في صهاريج القصر. فكان إذا بدا واحد من سكان القصر في إحدى الشرفات صاحوا بصوت واحد قائلين: (مجنون! انظروا المجنون!) وأصبحت الحالة لا تطاق، فلم ير الملك بداً من أن يشرب هو أيضاً من ماء الجنون، فتناول منه قدحاً وهو يقول: (لا لزوم لبضعة عقول صحيحة بين هؤلاء المجانين. . . .!)
ومرت الأيام والسنون. . وتأصل هذا النظام الجنوني وأطلقوا عليه (نظاماً اجتماعياً)، وزُج كل من عاوده عقله من هؤلاء المجانين في أمكنة أطلق عليها (مستشفيات المجاذيب). . ومنذ ذلك الحين لا ينفك العلماء من ترديد هذا القول: (الصين منبع الحكمة والعقل. . .)
فللقصة التي نشرها المرحوم جبران والأستاذ الحكيم ليست سوى أسطورة صينية تنقلتها أكثر اللغات
الدكتور محمد سالم
رسائل جديدة لبلزاك
لأدباء الغرب شغف خاص باستقصاء الآثار والرسائل الخاصة لأعلام الكتاب والمفكرين، وكثيراً ما يؤدي هذا الشغف إلى نتائج أدبية باهرة، فيظفر البحث بآثار ورسائل جديدة لها قيمتها في درس شخصية صاحبها. ومنذ بضعة أعوام ظفر الكاتب الفرنسي مارسل بوثرون بطائفة من رسائل بلزاك الخاصة إلى صديقته مدام (زولما كارو). واونوريه دي بلزاك هو القصصي الفيلسوف الفرنسي الذي تعد آثاره من أقيم ما أنتج الأدب الرفيع في القرن التاسع عشر. ونشر مسيو بوثرون بعض هذه الرسائل في مجلة (العالمين) سنة 1923؛ ثم ظفر بطائفة جديدة منها، وجمع الجميع في كتاب واحد صدر أخيراً، وعنوانه (مراسلة لم تنشر لبلزاك)
وليست هذه الرسائل غرام كما يتبادر إلى الذهن، ولكنها رسائل صداقة خالصة؛ وهذا النوع من المراسلة نادر في حياة أكابر الكتاب إذا كتبوا لامرأة يشغفهم سحرها، ولكن بلزاك كان فيلسوفاً. وقد جمعت بينه وبين مدام زولما كارو ظروف عرضية، فقد كانت تقيم مع زوجها الضابط كارو حوالي سنة 1820 بجوار أخت لها تدعى لور وهي زوجة مهندس يدعي سير فيل، وكان بلزاك يزور صديقه المهندس سير فيل وزوجه، فتعرف بالطبع بأختها مدام زولما، ونشأت بينهما صداقة حميمة، وكان بلزاك يشعر نحو مدام زولما بعاطفة حنان خاصة ليست هي الحب، وكانت مدام زولما تبادله عطفه وصداقته، لما نقل زوجها إلى بعض مدن الأقاليم، سافر بلزاك لزيارتها، وأقام حيناً إلى جانبها، وكان أثناء بعده عنها في باريس، وحينما تحتجزه صاحبته المركيزة دي كاستري، ينفس عن نفسه بالكتابة إلى مدام زولما، وتكتب هي اليه، وكان بلزاك يودع هذه الرسائل كثيراً من أسرار روحه وقلبه وآماله وشجونه، ويصوغها في قالب رفيع من البلاغة، وذهب في إكباره وصداقته لمدام زولما إلى حد أن أهدي إليها قصته (منزل نوسنجان)
ثم وقع بلزاك في حب الكونتس هانسكا، وأثار هذا الغزو الجديد قلبه شجناً واضطراباً، فكان كلما غلبه الشجن، أو ضاقت به السبل وأرهقه الدائنون يفر إلى مدام زولما فيقيم مع هذه الأسرة المحبوبة أياماً يروح فيها عن نفسه خلال الإيناس والزهر
وبعد فترة طويلة من الزمن قضاها الكاتب الكبير في متاعب وأزمات مختلفة اقترن بصاحبته الكونتة الأجنبية سنة 1850؛ ولكنه لم يعش بعد زواجه سوى ثلاثة أشهر، ولكن مدام زولما عاشت بعده أعواما طويلة؛ ولها اليوم حفيدة على قيد الحياة تدعى مدام جورج بابيل؛ واليها يهدي مسيو بوثرون رسائل بلزاك الجديدة
خمسون عاماً لوفاة فكتور هوجو
تستعد دوائر فرنسا الأدبية للاحتفال بالعيد الخمسيني لوفاة شاعر فرنسا الأشهر فكتور هوجو الذي توفي في يونيه سنة 1885 وسيجري الاحتفال بهذه الذكرى في جميع أرجاء فرنسا، ويوضع تحت رعاية الحكومة الرسمية، ويلقي وزير المعارف بهذه المناسبة خطاباً رسمياً على قبر الشاعر اتباعاً للتقاليد المعروفة، وقد رأت إدارة مسرح الكوميدي فرانسيز، وهو مسرح الدولة ان تشترك في الاحتفال بهذه الذكرى، وان يكون اشتراكها عملياً، وذلك بان تخصص موسماً خاصاً لتمثيل بعض روايات هوجو الشهيرة يبتدئ في مارس وينتهي في أول يونيه، وهو تاريخ وفاة الشاعر، وان يمثل خلال هذا الموسم من رواياته القطع الآتية: (روي بلاس)، (هزناني)، (ماريون دي لورم)، (لوكريس بورجيا) وغيرها