مجلة الرسالة/العدد 854/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 854/البريد الأدبي
كتاب النفس لأرسطو طاليس
أنت في غير مريه على بصيرة بأرسطو، تعرفه فيلسوفاً ذا باع طويل، له المؤلفات المأخوذ عنها، والأقوال السائرة، والآراء المحمول عليها إلى اليوم. .
وقد ظفرت المكتبة العربية من قبل بكتبه التي عنّى نفسه بها معالي (أحمد لطفي السيد باشا) محموداً مشكوراً، فأخرج للناس كتاب الطبيعة، والكون، والفساد، والأخلاق، والسياسة.
واليوم تظفر المكتبة العربية بجديد لأرسطو، هو هذا الكتاب الذي أنا شاغلك بالحديث عنه، والذي فرغ له زميلان كريمان، جهد أولهما في تحويره عربياً، وأعان ثانيهما في مقابلة المنقول ومعارضته على اليونانية. فكمل جهد جهداً، وصدّق الخُبر الخَبر.
والكتاب كما ينبئك عنوانه حديث عن النفس. وفي غير هذا الكتاب لأرسطو في النفس آراء ولكنه هنا جمع شتات ما تفرق وزاد واستطرد فعرض لمذاهب القدماء الرئيسة في النفس ثم ساق رأيه هو مع أدلته التي تنهضه وأفاض في القوى الحاسة! ثم ختم الحديث بالكلام عن الحس المشترك والتخيل والتفكير والنزوع.
ويشوقك أن نطالعك بالقليل من الكتاب لتفيد علماً بالمؤلف ونهجه، وتقدر الزميلين قدرهما على ما أحسنا فيه.
يقول أرسطو على لسان الزميلين: (فإذا صح أن النفس تتفشى في جميع الجسم الحاس، فبالضرورة يشغل جسمان نفس المكان، مادامت النفس جسما. وأولئك الذين يزعمون أن النفس عدد، يجب أن يسلموا بوجود نقط كثيرة في النقطة الواحدة، أو أن لكل جسم نفساً. إلا إذا كان العدد الذي يوجد في الجسم هو عدد مختلف اختلافاً تاماً عن مجموع النقط الموجودة من قبل الجسم. . .)
ويعقب الدكتور الأهواني على هذه الجملة بقوله (ترجمة الجملة (هكس) لوضوحها وهذا يذكرنا بقوله في مقدمته! ثم جعلت ترجمة (تريكو) الفرنسية الأساس الذي اعتمدت عليه ونظرت إلى جانبها في ترجمة (هكس) كلما وجدت النص عند (تريكو) غامضا).
فأنت ترى أن الكتاب لم يكن على يسر، عانى فيه (تريكو) و (هكس) ثم عانى فيه الدكتو الأهواني، بين (تريكو) و (هكس).
وليس الأمر أمر ترجمة بل يسبق ذلك فهم وتذوق للعلم، هما عدة المترجم وسلاحه قبل حذفه اللغة وبصره بها.
ثم تجده بعد ذلك في شك الأمين غير راض عن جهده فيخف إلى الأب (قنواتي) ويكشف له هذا عن الصحف اليونانية فيجد فيها ما يصوب الكثير من هنأت (تريكو) و (هكس).
ويثنيني هذا العناء الذي ألمسه عن أن ألتفت إلى القول في عبارات كنت أحبها أكثر صقلاً.
وأعود فأهنئ الزميلين بهذا الجهد الموفق، راجيا أن أرى لهما متعاونين غيره. فما أحوجنا إلى النقل عن اللغات المختلفة.
إبراهيم الأبياري
مع الأستاذ:
يا ساسة العرب: (إن محمد بن عبد الله الذي آثر أن يكون نبياً عبداً على أن يكون نبياً ملكا قد ساس الناس في عهده سياسة دينية لا وطنية ولا قومية، لأن الوطن محدود والدين لا حد له. ولأن القوم جماعة متميزة والدين إنسانية شاملة).
بهذا النداء القوي الحار انساب صوت الزيات العظيم مع (الأثير) في هدوء رزين، فكأنه كان (جبريل) نزل من علاه إلى أرض الناس يصب في الآذان الوحي من جديد فيلف القلوب بالشجن، ويندى العيون بالدمع، ويثير العواطف بالتذكير.
لم يأت أستاذنا بجديد - فالجديد يبلى - ولكنه أتى بقديم قدم الأزل، فساقه موقعاً بأنغام موسيقاه التي تأسر النفس بخدر لذيذ، وسحر حلال.
أجل: فقد قال ما عناه الله المتعال حين قال:
(وما محمد إلا رسول)؛ وحين قال: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم).
قلم الزيات العظيم من مولده رائع قوى، ولكن بيانه المؤثر مع صوته الوقور مزيج عبقري يهز النفس بما يواجبها في إحساسها. تلك تحية مستمع من جمهور الرسالة الكريم.
طنطا عبد الفتاح علي بركات
إلى الأستاذ كامل محمود حبيب:
قرأت ما كتبته بعنوان: (زوجة تنهار)، فأكبرت بلاغة أسلوبك، وسحر بيانك، وعذوبة ألفاظك، وتأثرت بانفعالات نفسك، تأثراً كبيراً، حتى انتهيت من القراءة إلى كلمة: (يا للقصاص). فلم تعجبني خاتمة كلمتيك، لأن القارئ يود أن تكون نهاية الخائنة أشد وأنكى من أن تطرد إلى الشارع.
كيف واجهت الشارع؟ أجرى الذئاب وراءها؟ أما زالت حية تتمرغ في الأوحال؟ أم كفّرت عن ذنبها فألقت بروحها في أعماق البحر؟ أم أرجعها زوجها إليه، وغفر لها إساءتها، ومسح عنها عارها شفقة ورأفة بأولاده الصغار الأبرياء؟ أم ماذا صنعت، وصنع؟ أن لم يكن حقيقة فخيالاً لتكون عبرة وعظة.
(دمياط)
عطية قنون