انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 849/تعقيبات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 849/تعقيبات

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 10 - 1949



للأستاذ أنور المعداوى

قضية الأمانة العلمية بين أستاذين في الجامعة:

. . . . . . . . .

هذه القضية يعرضها علينا الدكتور جمال الدين الشيال مدرس التاريخ الإسلامي بجامعة فاروق، أما موضوعها فيدور حول محور الأمانة العلمية كما يفهمها الجامعيون طلاباً وأساتذة، وكما يجب أن يفهمها الرأي العام الفني ممثلا في طبقات المثقفين ممن يقرئون (الرسالة)، وهذه هي المحكمة التي نود أن نعرض عليها أدوار القضية، القضية التي يريد الدكتور الشيال من جهته أن يتقدم بها إلى ساحة القضاء مطالباً بحفظ حقوقه الأدبية والمادية. . . ونترك الدكتور الشيال يروى فصول القصة، ونرجى، التعقيب حتى نهيئ بهذا الإرجاء فرصة الرد للدكتور محمد فؤاد شكري أستاذ التاريخ الحديث المساعد بجامعة فؤاد:

(في إبريل سنة 1945 تقدمت إلى جامعة فاروق الأول برسالة عنوانها (تاريخ الترجمة في مصر النصف الأول من القرن التاسع عشر) أرخت فيها - ولأول مرة - لحركة النقل عن الغرب في عهد الحملة الفرنسية وفي عصر محمد على، وقد نوقشت هذه الرسالة أمام لجنة مكونة من الأساتذة: عبد الحميد العبادي بك، ومحمد شفيق غربال بك، والدكتور محمد مصطفى صفوت الذين أجازوها لدرجة الماجستير مع مرتبة الشرف الأولى. . . ثم تقدمت بهذه الرسالة إلى مسابقة البحث الأدبي لسنة 1946 التي عقدها المجمع الملكي للغة العربية ففازت بالجائزة، وكانت اللجنة التي قرأت الرسالة وأقرت أحقيتها بالجائزة تتكون من الأساتذة: المرحوم أنطون الجميل باشا، ومحمد فريد أبوحديد بيك، ومحمد أحمد العوامري بك، والدكتور إبراهيم بيومي مدكور.

وفي صيف سنة 1947 زارني في منزلي بالإسكندرية الدكتور محمد فؤاد شكري أستاذ التاريخ الحديث المساعد بجامعة فؤاد، وطلب مني أن أعيره رسالتي ليطلع عليها فبينت لحضرته أنني لا أملك إلا نسختي الأولى المخطوطة بيدي وقدمتها إليه بكل ترحاب، فأخذها معه، وأبقاها عنده أكثر من عشرة أيام قرأها كلها في خلالها، ثم أعادها إلي فلم يجدني بالمنزل فسلمها لمن به ومعها بطاقة باسمه - لازلت أحتفظ بها - قال فيها بالحرف الواحد:

(أهنئك على هذا المجهود العلمي الصادق، وأرجو أن تتاح لك الفرصة لنشر هذه البحوث القيمة حتى يفيد منها المشتغلون بتاريخ مصر الحديث، وأشكرك بإعطائي هذا البحث الرصين لقراءته والإفادة منه، وأرجو أن أتمكن من زيارتكم في فرصة قريبة أخرى لإسداء الشكر الخالص).

وفي صيف سنة 1948 ظهر كتاب جديد في 840 صفحة من تأليف الدكتور شكري وزميلين له من المدرسين في المدارس الثانوية، وعنوان الكتاب: (بناء دولة - مصر محمد على) وقرأت في الصحف أن الكتاب يتضمن ترجمة كاملة لكثير من تقارير الأوربيين عن حكومة محمد علي، أمثال بورنج وبوالكمت وكامبل. . ولحاجتي الدائمة لهذه التقارير أسرعت فاشتريت نسخة من الكتاب. وتصفحتها فإذا بها تتكون من قسمين: قسم مؤلف في نحو 200 صفحة، وقسم يحتوي الترجمات السابق ذكرها في 600 صفحة، وقلبت صفحات القسم المؤلف فإذا بي أجد فصلاً في عشرين صفحة كبيرة عن (الترجمة والطبع والنشر في عصر محمد علي)، وقرأت هذا الفصل فرأيت ويا لهول ما رأيت، رأيت الصديق والزميل الفاضل أستاذ التاريخ الحديث المساعد قد سطا على رسالتي سطواً تاماً فلخصها في هذا الفصل تلخيصاً كاملاً!!

حتى المنهج - منهجي في البحث - قد سطا عليه فقد ألتزمه عند التلخيص وتتبع أبوابه وفصوله باباً باباً وفصلاً فصلا، لم يحد عنه قيد أنملة: فهو قد بدأ بالكلام عن بواعث حركة الترجمة في عصر محمد علي، وانتقل إلى الحديث عن المترجمين فقسم إلى مترجمين من السوريين، ثم من خريجي المدارس والبعثات، ثم من خريجي مدرسة الألسن، ثم من الموظفين. . . تماماً كما فعلت.

وترك هذا الفصل إلى الفصل الذي يليه في رسالتي وموضوعه التحدث عن المحررين والمصححين، فإذا فرغ منه انتقل إلى الحديث عن القواميس والمعاجم كما انتقلت أنا، وترك هذا كله فتحدث كما تحدثت عن حركة الطباعة والنشر باعتبارها آخر مرحلة من مرحلة من مراحل حركة الترجمة. . . حتى الملاحق - ملاحق الرسالة - لم يتركها لي، فقد ألحقت بالرسالة مجموعة كبيرة من الجداول أحصيت فيها بعد جهود شاقة الكتب التي ترجمت في عصر محمد علي، مع بيانات وافية عن مؤلفيها ومترجميها وأوصافها الخ، وقد قدمت لهذه الملاحق بالحديث عن المحاولات التي سبقتني في هذا الميدان، ورتبتها ترتيباً تاريخياً مع بيان نواحي القصور فيها لإيضاح قيمة الجديد في جداولي، وقد سطا الدكتور شكري على هذاأيضاً فأثبته تماماً كما أوردته في رسالتي!

ومن هنا ترى أن الدكتور شكري قد سطا على الرسالة منهجاً وموضوعاً، وإذا أنت قارنت بعد ذلك بينها وبين فصله لتبين في وضوح تام أنه لم يسلط على المنهج والأفكار فقط، وإنما قد سطا على العبارات والألفاظ كذلك، فنحو 80 % من عباراته هي عباراتي بألفاظها وحروفها. ومع هذا كله لم يشر حضرته بحرف واحد - لا في الهامش ولا في قوائم المراجع على كثرتها البالغة في نهاية الكتاب - إلىّ أو إلى رسالتي، لا بشكر ولا بما يفيد رجوعه إليها واعتماده عليها وحدها اعتماداً كاملاً تاماً عند كتابة هذا الفصل. . . وهكذا ترى كيف يقيم أساتذة الجامعة لواء الأمانة العلمية!!

سلسلة من الأخطاء: هذه رسالة علمية لم تطبع بعد، فالنقل عنها والرجوع إليها يستلزم أن يستأذن صاحبها أولا، والدكتور شكري لم يستأني في هذا، مع أن التقاليد الجامعية في العالم كله تلزم الناس بهذا، فكل بحث يقدم إلى أي جامعة تودع نسخة منه في مكتبتها، ولكن هذه النسخة تظل عشرة سنوات كاملة - مادامت لم تطبع - ولا يمكن أن تعار لإنسان كائناً من كان إلا بإذن صاحبها الخاص، وإذا اطلع عليها مطلع وأراد النقل عنها في مؤلف له سيطبعه فلابد أن يستأذن صاحب البحث في هذا، بل أنني أعرف كتباً استعمل أصحابها صوراً - صوراً شمسية لا أفكاراً - موجودة في كتب المؤلفين آخرين، فاستأذنوا أصحاب هذه الصور، ونصوا في كتبهم على هذا مع تقديم الشكر لأصحاب الصور!

أما الخطأ الثاني فأغرب، فالمعروف أن المؤلف إذا أفاد من جهوده غيره نقل عنها فكرة أو جملة، أما أن يسطو على مؤلف بحاله فيلخصه تلخيصاً كاملاً، وينقل معظم عباراته بحروفها فأمر لم أره إلا في كتاب الزميل الدكتور شكري!. . . أما الخطأ الثالث فأغرب وأغرب، فالمعتاد إذا استشهد المؤلف بأقوال غيره أن يضعها بين أقواس وأن يشير إلى المرجع في الهوامش، وأن يقدم الشكر لمن ينقل عنه وخاصة إذا كان مرجعه الوحيد في الموضوع الذي يكتب عنه، والزميل الفاضل الدكتور شكري أهمل الإشارة إلى بحثي إهمالاً تاماً. . . قد يدعى حضرته بعد هذا أنه نسي أو تناسى، أما كان يمكن أن يذكر نسيانه بالإشارة السريعة في آخر صفحة من الكتاب أو في المقدمة، وهي آخر شىء، قدمه إلى المطبعة، حتى هذا لم يفعله، ولكنه قال في مقدمة كتابه: (وليس من سبيل إلى معالجة هذا الاضطراب إلا بمعاودة النظر في ذلك التاريخ (تاريخ محمد على) لكشف ما خفي من حقائقه، وتفصيل ما أجمل من دقائقه في حدود الأمانة العلمية). . . أجل، في حدود الأمانة العلمية كما يقول الدكتور شكري، وأقرأ معي واضحك، وشر البلية ما يضحك!!

وأخيراً لعل الشك يساورك فيما أقول، ولكنني أعلن إليك أنني أحتكم في هذا الموضوع إلى حضرات الأساتذة الإجلاء الذين ناقشوا الرسالة في الجامعة، والذين رشحوها لنيل الجائزة في المجمع، فهم جميعاً قرءوها قراءة فهم واستيعاب، وأمامهم كتاب الدكتور شكري يقرئونه ويقارنون. . وأني على استعداد لأنأقدم نماذج من المقارنات، بين نصوص رسالتي الأصلية ونصوص الدكتور شكري الملخصة لتتبين في وضوح صدق هذا الذي أقرره! وقد فكرت جدياً في رفع الأمر للقضاء محافظة على حقوقي الأدبية، ولكنني رفقت أخيراً بسمعة الدكتور شكري العلمية، وآثرت أن أكتب إلى عميد كلية الآداب والدكتور شكري أستاذ من أساتذة الكلية، وغاية ما أرجو أن يطلب إليه الأستاذ العميد:

1 - أن ينشر تصريحاً موقعاً عليه منه في الأهرام ومجلة الرسالة ومجلة الكتاب بنص فيه صراحة أنه اعتمد - عند كتابة هذا الفصل من كتابه - على رسالتي اعتماداً كلياً، ويعتذر عن عدم الإشارة إلى ذلك في هوامش الكتاب ومراجعه.

2 - أن يكتب لي كتاباً خاصاً يذكر فيه هذه الحقيقة ويعتذر عما فعل.

(دكتور جمال الدين الشيال)

هذه هي الحقيقة كما يعرض أدوارها علينا الدكتور الشيال، ومن حقه علينا أن نعرضها بدورنا على محكمة الرأي العام الغني، كما أن من حق الدكتور شكري عليناأيضاً ألا نتناوله بكلمة واحدة في مجال التعقيب على ما حدث، حتى نسمع دفاعه. . . وهذا هو الإنصاف الذي تفرضه علينا (الأمانة العلمية) بالنسبة إلى الأستاذين الفاضلين!

حول الموسيقار الإيطالي الصغير فيرونشكو بوركو: طفل إيطالي لم يتخط الحادية عشرة من عمره، ومع ذلك فهو يفهم النوتة الموسيقية كما وضعها كبار الأساتذة، ويؤديها أنغاماً كأدق ما يكون الأداء، وتعي ذاكرته النادرة وذوقه الموهوب ألحان العباقرة من أمثال بتهوفن وموزار وشوبير وفردى وروسينى وتشايكوفسكى وبرامزوليست. . . وهو بعد ذلك يقود فرقة موسيقية مكونة من ستين عازفاً من أشهر عازفي الموسيقى في العالم. هذا الطفل النابغ هو فيروتشوبوركو الذي أذهل بنبوغه المبكر أقطاب الفن في كل من إيطاليا وسويسرا وفرنسا وأمريكا، والذي حل ضيفاً على مصر منذ أيام تصحبه فرقته الموسيقية الضخمة ليقيم فيها بضع حفلات موسيقية يترقبها الجمهور باهتمام بالغ!.

ينحدر هذا الموهوب الصغير من صلب أبوين وهبا حياتهما للفن ونذرا له الإبن؛ فأمه مغنية من مغنيات الأوبرا بذرت في نفس وليدها بذور الموهبة الفنية عندما كانت تصحبه معها إلى المسارح وعمره سنتان ونصف، وهناك أخذ الطفل بسحر الموسيقى التي استولت أنغامها على مشاعره وهزت كل ذرة في كيانه، ولمح المحيطون به بوادر النبوّغ في أذنه الموسيقية وإحساسه المرهف، فأشاروا على أمه المغنية وأبيه المثال أن يدفعا به إلى من يتعهده بالتوجيه والرعاية، وفي ظل أستاذه درس الطفل أصول الفن الموسيقى حتى أَصبح على مر الأيام أعجوبة بهرت الأنظار والأسماع هنا وهناك!

هذا هو الموسيقار الإيطالي الطفل فيروتشوبروكو الذي تنافس شهرتهالآن شهرة الموسيقار الإيطالي الشيخ توسكانينى. . . وإذا كان لنا من كلمة نعقب بها حول هذا الموسيقار الصغير فهيأنه يقتصر على عزف موسيقى غيره من عباقرة الفن الذين أشرنا إليهم في بداية هذه الكلمة أي أنه لم يمتلك القدرة بعد على التأليف الموسيقى الذي يتمثل في وضع نوتة من صنع موهبته الذاتية، ولكن ذلك لا يغض من قيمته لا يزال في بداية حياته الفنية التي تنتظرها الأيام ويرتقبها المستقبل، ثم إن توسكلنينى الشيخ ذا الشهرة المدوية والمكانة الرفيعة لا يفترق عنه في هذا المجال، مجال قيادة الأوركسترا وعزف ألحان الغير!. . . وإذا كان بعض النقاد يشيدون بهذه العبقرية المبكرة في حياة هذا الطفل الفنان، فماذا يقولون في سيد العباقرة موزار، ذلك الفنان الذي وهب القدرة على التأليف الموسيقى وهو في الرابعة من عمره، حتى أن بعض ألحانه الخاصة التي تنسب إليه وهو في تلك السن يعزفها الآن كثير من قادة الفرق الموسيقية وفي جملتهم بور كووتوسكانينى؟! هنا يقام الميزان الحق للعبقرية المتفردة!!

بقية الرسائل في حقيبة البريد:

أقول لصاحب الرسالة الأولى الأديب الفاضل ص. م. ت (عطبرة - سودان) إن الموضوع الذي عرضته علىّ سأكتب عنه في فرصة مناسبة. وأقول لصاحب الرسالة الثانية الأديب الفاضل عمر عيسى السامرائي (بغداد - العراق) إن تعقيبك على ما رددت به عليك حول ما جاء بكتاب (على هامش السيرة) لا يغير شيئاً من الحقيقة التي أشرت إليها من قبل، حين نفيت لك ما رميت به صاحب الكتاب من التناقض في أقواله، وإذا كنت قد قلت إن ورقة قد قص على نسطاس قصة أخرى في ص (52) فإنما كنت أعنى أنه قد أفضي إليه بمصدر القصة الأولى الواردة في ص (51) أي أنه سرد له قصة أخرى هي قصة القصة! وأقول لصاحب الرسالة الثالثة الأديب الفاضل م. س (قنا) إن الأقدام على الأمر الذي حدثني عنه خير من الأحجام وأقول لصاحب الرسالة الرابعة بعد شكره على كريم تقديره وهو الأديب الفاضل إبراهيم جوهر (قنا) أنه يؤسفني ألا تكون (مذكرات إديسون) بين يدي حتى كان يمكنني أن أجيبه عن سؤاله. وأقول لصاحب الرسالة الخامسة الأديب الفاضل محمد العديسي (العديسات) إن مما يحول بيني وبين الكتابة عن الشاعر المصري الذي أشار إليه هو أنه ليس بين يدي شيء من شعره. وأقول لصاحب الرسالة السادسة بعد شكره على حسن ظنه وهو الشاعر الفاضل محمود البكري محمد (الكيمان) إن رسالته محل عنايتي. كما أقول ذلك أيضاً لصاحب الرسالة السابعة وهو الشاعر الفاضل محمد مفتاح الفيتورى (الإسكندرية). . . ولهؤلاء الأصدقاء جميعاً خالص التحية.

أنور المعداوي