انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 846/من هنا وهناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 846/من هنا وهناك

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 09 - 1949



للأستاذ السيد أحمد مصطفى

توماس مان:

عندما وصل توماس مان الروائي الألماني الأشهر لندن في أواخر شهر مايو الماضي أخبره ناشرو كتبه بأن متوسط ما يباع من كتابه الأخير (الدكتور فاوستس) يبلغ الثلاثمائة نسخة في اليوم الواحد. هذا بالرغم من أنه ليس من الروايات التي يستطيع عامة القراء هضمها بسهولة، وأن النقاد لم تجتمع كلمتهم جميعاً في الإشادة به والثناء عليه.

وفي خلال إقامة الدكتور مان بإنكلترا سجلت له دار الإذاعة البريطانية أحاديت أدبية متنوعة، كما كلّف بإلقاء محاظرات عن (جوت) في جامعة أكسفورد (باللغة الألملنية) وفي جامعة لندن (باللغة الإنكليزية) وذلك قبل أن ينهي رحلته التي يقوم بها الآن إلى قارة أوربية.

ومع أن الروائي الألماني الكبير لم يكن يبغي زيارة ألمانيا في بادئ الأمر، إلا أن الدعوة التي وصلته من فرانكفورت، وجائزة جوت (أرفع جائزة يمكن أن ينالها مؤلف أديب) التي أنعم بها عليع، غيرتا رأيه في هذا الخصوص. فقرر السفر إلى ألمانيا، والاشتراك في حفلات ذكرى جودت التي أقيمت هناك في اليوم الثامن والعشرين من شهر أغسطس الماضي وذلك لمناسبة مرور مائتي عام على مولد هذا العبقري الألماني الفذ.

أريكا:

وترافق الدكتور مان في رحلته الأوربية هذه زوجته وكبرى بناته الثلاث؛ أريكا المرحة الخفيفة الروح ذات الشعر القاتم والتي تجتاز أواسط العقد الرابع من عمرها الآن، وتتكلم الإنكليزية بطلاقة عجيبة.

وأريكا هي التي تمكنت من إنقاذ النسخة الأصلية من رواية أبيها (يوسف وإخوته) وحالت دون وقوعها في أيدي النازيين على أثر استيلائهم المفاجئ على مقاليد الحكم في ألمانيا، حيث صادف أن كان أبواها آنذاك يقضيان عطلتهما السنوية في سويسرة.

وقد هرَّبت أريكا هذه الرواية التي لم تكن حينذاك سوى مسودات فحسب إلى سويسرة بعد أن خبأتها في صندوق الأدوات في سيارة من طراز فورد.

أسرة أدبية:

وأريكا في الوقت نفسه أديبة موهوبة ومؤلفة طائفة من الكتب الرائجة. . . ومن آثارها الأدبية كتاب قامت بتأليفه بالاشتراك مع أخيها الأصغر منها سناً (كلاوص مان) صديق أندريه جيد المؤلف الفرنسي الذائع الصيت ومترجم حياته. . .

ويقيم أفراد هذه الأسرة الأدبية في سان ريمو بكاليفورنيا، وعلى بعد مسافة قليلة منهم، في بيفرلي هيلز، يقيم هنريخ مان الشقيق المؤلف لحائز جائزة نوبل.

القصة الطويلة:

أخذت القصة الطويلة تعود إلى الظهور مرة ثانية في لندن على أثر انتهاء الحرب وعودة الأمور إلى مجاريها وزوال العقبات التي كانت تعترض طريق المؤلفين والأدباء في الحصول على القدر الكافي من الورق لطبع مؤلفاتهم وإخراج كتبهم.

ويستطيع المتفرج والمتنقل بين مختلف مكتبات لندن ودور نشرها أن يشاهد بغير عناء أن الكتب التي تبلغ صفحاتها الخمسمائة فما فوق ليست بالقليل النادر هماك في هذه الأيام.

فثمة كتابان ظهرا في خلال هذا العام أربى عدد صفحات كل منهما على ال (700) صفحة؛ هما (الفيل والقصر) للكاتب الإنجليزي (هتجنسون) و (العالم غير كاف) و (زوى أولد بنركس) كما أن هناك كتباً أخرى مماثلة آخذة طريقها إلى الظهور الآن.

ومن الكتب التي امتازت بحجمها الكبير أيضاً قصة (الدكتور

فاوستس) لتوماس مان التي نقلت إلى الإنجليزية ونشرت في

لندن في الربيع الفائت، فقد بلغ عدد كلماتها (000300)

وصفحاتها (520) ولكن فاقتها في الطول قصة (العاري

والميت) للكاتب الأمريكي نورمان ميار التي أثارت عاصفة

من النقد في بريطانية عندما ظهرت طبعتها الإنجليزية هناك منذ عهد قريب. أما أطول الكتب في هذه السلسلة فهو بلا

نزاع كتاب بقلم روز لوكريدج الذي سيظهر قريباً والذي

ستبلغ صفحاته أكثر من ألف صفحة كاملة.

كتب التراجم أيضاً:

ليست القصص وحدها التي أتيح لها أن تفوز بكل هذه الزيادة في عدد صفحاتها بل أن الأمر شمل كتب السير والتراجم أيضاً، فأخذت تنعم هي كذلك بما تنعم به أختها القصة من المجال الفسيح والمضطرب الواسع. . . فترجمة (روزتي) الجديدة بقلم أحد أساتذة جامعة مدينة الكاب بجنوبي أفريقية تقع في (700) صفحة، وترجمة (تولستوي) للأستاذ أرنست سيمون في (900) صفحة، وكتاب المؤلف الإنجليزي هالدي وعنوانه (شكسبير وناقدوه) في (500) صفحة.

كتب (حرب):

ذكرت مجلة (جون أولندن) الأدبية الإنجليزية أن الكتب التي تقوم حوادثها على أساس ما وقع في الحرب الأخيرة من أحداث لم تعد تثير اهتمام الناشرين الإنجليز وتجلب انتباههم في هذه الأيام مثلما كان عليه الحال في الماضي القريب، هذا بالرغم (من أن هناك حرب) ضربت رقماً قياسياً في الزواج والانتشار في خلال الأثني عشر شهراً الأخيرة، مثل: قصة (العاري والميت) لنورمان ميلر، التي لا تزال في طليعة الكتب الرائجة، وكتاب , لمؤلفه (الآن باتون) الذي ظهر في الخريف الماضي وأعيد طبعه تسع مرات حتى الآن. . . وكتاب للكاتب الإنكليزي الكسندر بارون. هذا، وستظهر لهذا الأخير طبعة أمريكية في نيويورك في الخريف القادم.

أما في أمريكا فالإقبال على كتب الحرب لا يزال على أشده. وقد نالت قصة (الأشبال) التي صدرت أخيراً لمؤلفها أروين شو استحساناً عاماً من النقاد، كما أن الأديب الأمريكي المعروف (هيمنجوى) يعمل الآن بجد لوضع قصة جديدة تقوم على أساس اختباراته وتجاربه في حملة نورماندي حيث كان مراسلاً حربياً هناك في خلال الحرب العالمية الثانية.

ضعف الإنتاج الأدبي في تركية:

قرأنا في أحد أعداد مجلة (شادروان) الأدبية التركية التي يقوم بإصدارها الشاعر التركي المعروف (بهجت كمال جاغلار) ملخصاً لخطاب مستفيض ألقاه الروائي الزكي الشاب موفق إحسان جاران في حفلة افتتاح معرض (المؤلفين الأتراك الحديثين) الذي أقيم أخيراً في استانبول، ندد فيه بحالة الأدب والأدباء البائسة في تركية، وعدم استطاعة المؤلفين الأتراك إنتاج آثار أدبية تضاهي ما ينتجه زملاؤهم أدباء الأمم الأخرى المعروفين، في القوة والجودة. وقد عزا المؤلف الناشئ عدم ظهور أديب تركي يأخذ موضعه بين الخالدين العالميين حتى الآن إلى العوامل التالية:

1 - إن الذين يعرفون القراءة والكتابة في تركية قليلون. (ولا يمكن اعتبار القارئ مشجعاً حقيقياً للأدب العالي الرصين إلا إذا كان مثقفاً ثقافة حقيقية).

2 - إن الذين يعتبرون أنفسهم من عشاق الأدب ومحبيه لم يتعودوا اقتناء الكتب الأدبية وجمعها وإنشاء مكتبات أدبية خاصة في بيوتهم.

3 - إن اللغة التركية ليست منتشرة انتشاراً كباقي اللغات العالمية، وفي ذلك ما يثبط همم المؤلفين الأتراك من الناحيتين: المادية والمعنوية، ويعرقل سيرهم قُدماً إلى الأمام في طريق الخلق والإبداع.

4 - إن المؤلف هو الشخص الوحيد الذي لم تتضاعف أرباحه في موجة الغلاء التي اجتاحت المملكة بسبب الحرب الأخيرة (فعندما تشتري كتاباً بـ (250) مليماً فإنك لا تدفع للمؤلف سوى ستة مليمات فقط، وقد صادف أن يبعث حقوق مؤلَّف يزيد على مائة صفحة بأقل من جنيه مصري واحد).

5 - حالة التوزيع سيئة للغاية ولا يمكن الثقة بالباعة الذين هم في خارج المدن الكبيرة بأي حال من الأحوال، فهم لا يهتمون ببيع الكتب، وإن اهتموا فلا يسلمون أثمان الكتب التي يبيعونها إلى أصحابها.

6 - الدولة غير سخية ولا متساهلة، مع المؤلفين الوطنيين فهي تغدق عميم خيرها على المؤلفات الأجنبية التي تنتقل إلى اللغة التركية بغير حساب وتغل يدها إلى عنقها عندما يأتي دور المؤلفات التي يضعها الأدباء الأتراك.

7 - ليس ثمة قانون يحمي حقوق المؤلف حسبما تقتضيه الظروف والأوضاع الجديدة (فالقطع التمثيلية التي تمثلها مختلف الفرق في طول البلاد وعرضها لا تأتي للمؤلف بمليم واحد، وقد يهمل أصحاب هذه الفرقة حتى سلوك مسلك الأدب واللياقة مع المؤلف، ومجاملته في الحصول على موافقته على تمثيل رواياته، بل وقد يجهل المؤلف نفسه جهلاً تاماً أن رواياته تمثل هنا وهناك من أنحاء البلاد).

8 - لماذا يدفع الناشر أجراً للمؤلف ما دام هناك طريق ترجمة أرقى الآثار الأدبية العالمية - ولو ترجمة هزيلة - مفتوحاً أمامه بلا رقيب أو حسيب؟. . وما دام أن ليس ثمت أي تشريع يلزمه ولو يدفع مليم واحد لأصحابها الشرعيين. . .

وقد أكد الروائي الشاب بعد ذلك أنه ما لم يعثر على علاج شاف لهذه الأدواء الثمانية، فإن ظهور الأديب التركي العالمي المرتقب سيتأخر كثيراً إن لم يكن أمراً عسيراً التحقق، بعيداً عن التصور.

(العراق - أربيل)

السيد أحمد مصطفى