مجلة الرسالة/العدد 840/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 840/البريد الأدبي
أهذا من نوادر الخواطر؟!
في 1371949م طالعتنا جريدة المصري بكلمة لأستاذ فاضل
تحت عنوان (آن الأوان لتخليص مصر من الامتيازات) وقد
استرعى نظري في هذه الكلمة بعض جمل وعبارات نقلت
معشيء من التصرف من مقال للأستاذ أحمد حسن الزيات نشر
في الرسالة الغراء في 15 أغسطس سنة 1933 م بعنوان (بين
النيل والأكروبول) ويستطيع أن يعثر عليه القارئ بسهولة في
كتاب وحي الرسالة (الجزء الأول) ص35 وسأنقل هذه الجمل
إثباتاُ لدعواي وإنصافاً للحق وتقريراً للواقع.
يقول الأستاذ الزيات وهو يصف الشعب المصري (أسرف في اللين حتى رمى بالجبن، وأمعن في التسامح حتى وصف بالبلادة، وأفرط في التواضع حتى نسى الأنفة، وبالغ في إكرام الغريب حتى أصبح هو الغريب).
وهذه الكلمات بنصها وفصها مذكورة في كلمة الأستاذ عمر ثم يقول الأستاذ الزيات (وليت الذي قاسمنا أنعم الوادي الحبيب يذكر فضيلة الإحسان ويشكر عطف الإنسان على الإنسان! إنما يتمتع بخيرنا تمتع الغازي الفاتح في يمناه سيفه، وفي يسراه قانونه، فإذا عاملنا احتقرنا، وإذا عافينا أنهرنا، وإذا ضج المغبون أو صاح المسروق أو صرخ الجائع ضربه (الخواجة) ضربته، ثم استعدى عليه دولته).
ويذكر الأستاذ عمر هذا الكلام مع شيء من التصرف إذ يقول (وليت ذلك الأجنبي الذي أغتصب منا أنعم الوادي الحبيب كان على شيء من الأدب والذوق وأحسن معاملة هؤلاء الذين فتحوا له بلادهم على مصراعيها فدخلها دخول الفتح الغازي وأصبح فيها السيد المطاع وحرم أهلها سبل الحياة وحجز عنهم اللقمة، فلا تراه ينظر إليهم نظرة الازدراء والامتهان ويعاملهم في خشونة وقسوة فإذا ضج المظلوم وصاح الجائع ضربه الدخيل ضربة، واستعدى عليه دولته وحمته قنصليته، وتلك الامتيازات البغيضة).
هذا قولي: فماذا يقول الأستاذ عمر؟!
أحمد محمد مصطفى
أستاذ الأدب بمعهد طنطا الثانوي
الضمير الأدبي والكرامة العقلية:
في العدد الماضي من (الرسالة) قرأت كلمة لأديب فاضل تحت عنوان (الضمير الأدبي وأين يوجد؟). . . ولقد أسفت أن يفلت زمام التعبير من يد الكاتب، حتى خطر لي أن أراد عليه في شيء من القسوة والعنف، ولكنني عدت فقلت لنفسي: ترفق. . . فلعل الأديب الفاضل قد نسي نفسه - وهو في غمرة الحماسة لفكرته - فاندفع قلمه بغير زمام!
مهما يكن من شيء فقد كففت قلمي رعاية لحق قارئ لاح لي من كلماته حسن الظن حين قال: (ولعل الأستاذ المعداوي يجيب على كلمتي هذه (تعقيباته) ليستانس به الضمير الأدبي، ضمير النقد المزيه الذي تعودناه منه)!
يا صديقي، ما دمت قد تعودت من قلمي نزاهة الضمير، فلم ارتضيت أن يكون عنوان كلمتك موحياً بعكس هذا الذي قلت؟ أما أنا، فأؤكد لك أنني لن أتخل عن ضميري الأدبي في يوم من الأيام لسبب واحد، هو أنني أقدس شي أسمه الكرامة العقلية، والكرامة العقلية هي أن يحترم الكاتب عقله وعقول الناس، فإذا فعل فقد أرتفع في رأي نفسه ورأي غيره، وهذا هو ما أحرص عليه كل الحرص منذ أن تناولت قلمي لأكتب!
تسألني ما معنى إعادة الصفاء إلى النفوس وما معنى الاستجابة للصديقين وترك الحقيقة الدبية تنتحب وتلفظ أنفاسها الأخيرة بين يدي الصداقة؟!. . . معذرة إذا قلت لك أن عبارتك قد صيغت في قالب خيالي أشبه بقوالب الكتاب القصصيين، ذلك لأنك - على حد تعبير النقاد القدامى لشعر امرئ القيس - وقد وقفت وأستوقفت وبكيت وأستبكيت على مصرع حقيقة أدبية ليس لها وجود!. . . أين هي الحقيقية الأدبية وأنا لم اكن في موقف الكشف عن مذهب أدبي جديد، ولا في موقف النقد لكتاب أدبي جديد؟! كل ما حدث هو أن أدبياً من الأدباء هاجمني على صفحات (المقتطف) لأسباب شخصية فرددت عليه بكلمة أوضحت فيها الدوافع الحقيقية لهذا الهجوم، وإذا كان هناك لون من ألوان الحقيقة فقد عرضت له في كلمتي الأولى ورفعت القناع عن كل ناحية من نواحيه. . . وإذن فكل ما يمكن أن يقال قد يل بالفعل، ولو كتبت كلمتي الثانية لما هدفت إلا إلى تأكيد ما جاء في كلمتي الأولى على ضوء الدليل المادي الذي لا يدفع.
بقي أن أقول لك ما دامت الحقيقة قد ذكرت فلا بأس من الاستجابة لغربات الساعين إلى الخير والداعين إلى الصفاء. . . ترى أتكره الصفاء في الأدب وهو الأمنية الكبرى لكل قارئ ولكل أديب؟ أم أنك أردت أن تثيرها زوبعة فكانت زوبعة في فنجان على حد تعبير الصحفيين؟!
أنور المعداوي
حول تعقيب:
عقب الأستاذ محمد غنيم في العدد (834) من الرسالة الغراء على قول الأستاذ أنور المعداوي (لم أكن أعرف - لم تكن تتح) - بأن جزم بأن هذين التعبيرين بينا الخطأ وأوجب إلحاق لام الجحود، ولكنني لا أرى لجزم الأستاذ الناقد بالخطأ هنا محلاً وما كان استعمال القرآن لهذا التعبير بلام الجحود في موضع لينفي استعمال تعبير آخر يجري في مجراه بغير لام الجحود في موضع آخر، ولو حصرنا كل الشواهد في هذا التعبير - من القرآن الكريم - لرأينا كيف يتخلى عنه الصواب في رأيه هذا وجزمه. . . يقول الله تعالى في سورة هود (ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ويقول في السورة نفسها (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك) ويقول في سورة العنكبوت (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) ويقول في سورة الزمر (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون).
وإني أسوق هذه الشواهد وأجمعها إلى شاهدة لنقول إن وجود لام الجحود يتوقف على وجود الكون المنفي، ولكن وجود الكون المنفي لا يحتم وجود لام الجحود، ألا ما رأته الأذن العربية وأوحى به الذوق العربي السليم. والسلام. . .
عبد العظيم طه الحمبلي