انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 84/الغرض من التربية في المدرسة الإنجليزية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 84/الغرض من التربية في المدرسة الإنجليزية

مجلة الرسالة - العدد 84
الغرض من التربية في المدرسة الإنجليزية
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 02 - 1935



للأستاذ محمد عطية الأبراشي

المفتش بوزارة المعارف

الغرض من التربية الإنجليزية تهذيب الخلق وتربية الروح والعقل والجسم، مع المحافظة على الاستقلال الشخصي لكل فرد من الأفراد. ولا يُقاس النجاح في التعليم بإنجلترا بمقدار ما يعرف التلميذ من المواد الدراسية فحسب، ولكنه يقاس كذلك بما يستطيع أن يفعله وبمقدار استعداده للعمل. فعلى هذه الأسس الثلاثة وهي: العلم، والقدرة على العمل، والاستعداد للعمل - يقاس النجاح في التعليم بإنجلترا. ومع أن عدد المتعطلين هناك قد بلغ نحو ثلاثة آلاف ألف عامل، وعدد المتخرجين في المدارس كل سنة يبلغ نحو 250 ألف شاب لا تجد فرداً واحداً يقول: أغلقوا المدارس، ولكنك تجد من يقولك أطيلوا مدة الدراسة، وافتحوا موارد العلم لطلابه، فبغير نور العلم لا تزدهر نهضة، وبغير المدارس لا تعتز أمة. والحياة العملية مفتوحة أمام الجميع.

وإذا ترك الطالب المدرسة وكان عالماً قادراً على العمل، مستعداً لأن يعمل، فلا خوف عليه في هذه الحياة. وما المدرسة إلا عالم مصغر، فالحياة المدرسية الإنجليزية صورة من الحياة العالمية الخارجية، تُعد التلميذ للحياة الاجتماعية التي تنتظره، فيخرج من المدرسة عالماً بشؤن الحياة، يحاول أن يعرف نفسه، ويعرف العالم الذي يعيش فيه، عاملاُ بما علم، مستعداً لأن يعمل أي عمل تصل إلى ذروة العلا. يعيش الشاب في عالم الحقيقة لا عالم الخيال، ولا يضيره أن يظهر صغيراً في عمله في بدء الأمر، بل يعمل ويثابر، ويخطئ ويصيب، ويجتهد حتى يصل إلى الكمال أو ما يقرب منه

وإذا تمثلت الروح العسكرية في التربية الألمانية، وظهرت الروح التعاونية في التربية الأمريكية، فتربية الشخصية المستقلة تتمثل في التربية الإنجليزية

وإن روح التعليم في إنجلترا مؤسسة على دراسة الطفل والتفكير فيه، وفي شخصيته ومستواه، وتقديمه على سواه؛ أي مؤسسة على التضحية بكل شيء في سبيل النهوض به فالطفل هو مركز التعليم، وهو النقطة الرئيسية التي يعني الجميع بها، وهو الذي يضحي من أجله بكل شيء. ولئن عني الأسبرطيون قديماً بالقوة الجسمية والتربية العسكرية، واه الاثينيون من اليونان القدماء بالفلسفة وتربية الذوق وحب الجمال، وأولع الرومان في غابر الأزمان بالخطابة والقوة الكلامية فلقد عني الإنجليز اليوم بأعداد الطفل للحياة، للقيام بواجبات الحياة

وقد رأى أحد الإنجليز، ورأى فلاسفة اليونان من قبل، أن العقل السليم في الجسم السليم، ولكن المربين من الإنجليز يرون الآن أن يضيفوا إلى العقل السليم والجسم السليم: الخلق القويم، والشعور بالواجب. فالمدرسة الإنجليزية لا تفكر في تعليم المواد فحسب، بل تعمل على تربية العقل، والجسم، والخلق، وتهذيب الادارة، وتقوية الملاحظة لدى كل فرد، وتعطيه الفرصة في أن يستفيد من قوانين الطبيعة، ويقدر ما فيها من فن أو جمال، وتفهمه الحياة كما هي، وتشعره بواجبه نحو غيره وواجبه نحو الله ونفسه وأمتهن وتعده للحياة الكاملة. فللمدرسة أثر كبير في تكوين الطفل لا ينقص عن اثر المنزل والأصدقاء وتجارب الحياة

وإن المدرسة الإنجليزية تشعر بالواجب الملقي على عاتقها نحو التعليم، ونحو تحسين الأحوال الاجتماعية والصحية والخلقية، وتقوم به خير قيام. والمدرس الإنجليزي في إنجلترا يستطع بما له من نفوذ، وباجتهاد في أن يكون المثل الأعلى الذي يصح الاقتداء به - أن يثبت في نفوس التلاميذ أحسن العادات من الجد والمثابرة على العمل وأداء الواجب، وكتمان الشعور، وإجلال كل نبيل، والاستعداد لتضحية النفس، والعمل على الوصول إلى الحقيقة والشعور بالواجب والاستقامة. فالمدرس يعمل على تكوين أعضاء عاملين ينفعون المجتمع الذي يعيشون فيه بحيث تفخر بهم الأمة التي ينسبون إليها

محمد عطية الأبراشي