مجلة الرسالة/العدد 837/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 837/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
تعليم اللغة بدراسة الأساليب
عقد مفتشو اللغة العربية مؤتمراً بكلية دار العلوم في الأسبوع الماضي برياسة عميدهم الأستاذ مهدي علام، ومن الموضوعات التي نظروا فيها موضوع دراسة قواعد اللغة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية؛ وقد انتهى المؤتمر في هذا الموضوع إلى أن تدرس اللغة العربية عن طريق اللغة نفسها نصوصها وأساليبها وتستخلص القواعد من هذه الأساليب من غير إسراف في الاصطلاحات النحوية المطولة. وقد عرض الفكرة على المؤتمر، الأستاذ مهدي علام، فلقي معارضة شديدة في أول الأمر من لدن أنصار النحو والقواعد، ولكنه ما زال يبين وجهة نظره ويدلل عليها حتى وافقه الجميع إلا واحداً، وكان عند بدء عرضها لا يؤيده فيها غير واحد. .
وقبل أن أعقب على قرار المؤتمر أبسط الموضوع بعض البسط فأقول: إن الطريقة الطبيعية في تعلم اللغة هي سماع مفرداتها وتراكيبها والتمرن على محاكاتها بالتعبير على مثالها، حتى تصبح القدرة على هذا التعبير ملكة يصدر عنها القلم واللسان، أما القواعد فهي ضوابط يقصد منها التحرر من الخطأ في اللغة لا تعلم اللغة نفسها.
وقد وضعت القواعد أول ما وضعت لذلك الغرض ولكن المشتغلين بها تدرجوا فيها إلى أن صارت دراسة مقصودة لذاتها في العصور المتأخرة، وهي العصور التي انحطت فيها اللغة وركت أساليبها، ومن المشاهد المعروف أن النحوين على قدر ما برعوا في صناعة النحو لحقهم العجز والضعف في ملكة التعبير والبيان، على خلاف البلغاء من الكتاب والشعراء الذين لم يحصلوا من تلك الصناعة إلا القدر الضروري لضبط ما يقولون ويكتبون.
وقد رأينا في عهد التعلم معلمين يتوكؤن على الإعراب حتى في غير دروس القواعد، فإذا عرض أحدهم لبيت من الشعر مثلا شغل بأوجه الإعراب في ألفاظه عن وجه الجمال السافر فيه، وكان لنا أستاذ ألف كتاباً سماه (ترويق الجو بتحقيق لو) ثم كان من فضل الله أن ضاع منه أصل هذا الكتاب قبل أن يدفعه إلى المطبعة فراق الجو بفقده ولم يكن من المنتظر أن يروق بتحقيق لو. . وكم رأينا مدرسين يحولون دروس المطالعة والأب إلى نحو وصرف لأنهما المجال الذي يحسنون الكلام فيه. وإن ناقشت هؤلاء في جدوى كثير من التفصيلات النحوية التي يخوضون فيها، قالوا: إنها رياضة ذهنية. أوليس من العبث أن تنفق الجهود والأوقات في هذه الرياضة الذهنية العقيم، ي هذا العصر الذي تعددت حاجاته إلى أنواع المعرفة؟
ولا تزال مناهج المدارس في اللغة العربية مثقلة بهذا النحو، وخاصة في المدارس الابتدائية التي يبدأ فيها التلميذ تعرف اللغة العربية، فالطفل في السنة الثانية مكلف أن يعرف الفاعل والمفعول به والمبتدأ والخبر، ومطالب بتكوين جمل تشتمل على مضاف إليه خبر، ومضاف مبتدأ، ومنعوت مفعول به. . . الخ، وهو لم يتصور بعد هذه اللغة التي يطلب منه أن يحللها ويفهم مصطلحات قواعدها. ولابد أن نذكر إلى جانب ذلك حقيقة بديهية مفهومة، وهي أن اللغة العربية الفصيحة ليست لغة البيت والمجتمع الآن، فلا بد إذن من ضوابط تعصم من الخطأ فيها، ولنفرض أننا فرغنا من تصفية هذا الخليط من القواعد ومصطلحاتها وغربلته، حتى حصلنا على القدر الميسر النافع منه، فكيف ومتى يتعلمه الناشئ؟ وهنا نصل إلى ما قرره مؤتمر مفتشي اللغة العربية، وهو دراسة الأساليب واستخلاص القواعد منها، وأقرر أولا أنه لا جدال في ضرورة الإكثار من المطالعة بأنواعها مع التشويق إليها والإكثار من التمرين على التعبير شفوياً وتحريرياً. ثم أسأل ما المقصود باستخلاص القواعد من الأساليب؟ هل هو أن يبدأ بتعليم القواعد على طريقة الإتيان بأمثلة كثيرة واستنتاج القاعدة منها؟ أو المقصود أن يترك الناشئ سنوات يسمع فيها اللغة ويقرؤها ويعالج التعبير بها، بحيث يدركها إدراكاً كلياً، وبحيث يشعر بالحاجة إلى ضوابط لها؟ وعند ذاك تنتهز فرصة تشوقه إلى الضوابط، فيعرف بها بطريقة سهلة ميسرة؟
أما الطريقة الأولى فهي المتبعة الآن، وهي طريقة لهوجة، لأن التلميذ لا يكاد يبدأ في تذوق اللغة حتى يصدم بالقاعدة والمصطلحات، والمأمول أن تعد المناهج الجديدة وفق الطريقة الثانية ليتحقق المنشود من دراسة الأساليب واكتساب ملكة اللغة من نفس اللغة.
كابوس ليلة:
هو فلم (حلم ليلة) الذي عرض في هذا الأسبوع لأول مرة بسينما أوبرا، وهو من تأليف وإخراج (وجه جديد) في الإخراج بمصر هو صلاح بدرخان، وبطلاه أيضاً وجهان جديدان هما وجيه بدرخان ونور الصباح، واشترك في التمثيل من الممثلين المعروفين بشارة واكيم ومنسي فهمي.
آدم (بشارة واكيم) تاجر قماش شامي بمصر، تحتال عليه امرأة من بنات البلد، فتأخذ منه بضاعة وتغريه بأن يصحبها على أن تحضر له الثمن من زوجها الطبيب، وتفلت منه في عيادة الطبيب الذي ادعت أنه زوجها بعد أن أدخلت على الطبيب زوجها تاجر القماش مجنون، فيفحصه ويدفع به إلى مستشفى المجانين، ثم يهرب آدم من المستشفى ويعود ليستأنف عمله. وفي أثناء ذلك يتوجه ابن أخته نبيل (وجيه بدرخان) إلى عيادة الطبيب ليخاطبه في أمر خاله، وهناك يسمع غناء، فينظر من نافذة بسور الحديقة، فيرى بنت الطبيب نجاح (نور الصباح) تغني ومعها فتيات يرقصن. ثم يدخل من الباب ويلتقي بنجاح ويقول لها أنه موسيقار، وقد سمع صوتها فأعجب به، فستصحبه إلى ملعبهن في الحديقة حيث يعزف لهن، وبعد ذلك يصير معلماً لها في الموسيقى، ويتبرم به رشاد ابن عم نجاح، ويحاول أن يحقره أمام نجاح فتنهره، وينشأ حب بين نجاح ونبيل، ويفاجئهما أبوها في وضع غرامي فيغضب ويطرد الموسيقار العاشق. ويحاول رشاد أن يكسب ود نجاح ويخطبها إلى أبيها ولكنها تعرض عنه وترفض خطبته، فيخرج ساخطاً، ثم يلجأ إلى الانتقام فيسرق خزانة عمه ويدب على ابنة عمه ليلا، ويحرض عليه المجانين في المستشفى فيعتدون عليه اعتداء يذهب ببصره، ثم يختفي لدى قبيلة من الأعراب. ويتوجه نبيل هو وخاله إلى الطبيب، فيتوددان إليه ويخطب آدم نجاح لابن أخته نبيل فيرحب بهما أبوها الطبيب. ويجد نبيل وخاله آدم في البحث عن رشاد حتى يعثرا عليه في البادية، فيفر ويلحقان به ومعهما بعض الأعراب، فيقتلونه، ويعود نبيل بالنبأ إلى مخطوبته ووالدها الضرير الذي يسر ويضمهما إلى صدره، ولابد أن يعود إليه بصره في هذا المنظر الأخير. . .
والقصة كما تراها فارغة لا غاية لها، وقد حشيت مناظر قصد بها الإضحاك، ولكن المضحك حقاً هو نفس الحوادث الجدية فيها فمثلاً هذا الشاب (نبيل) البطل المحبوب الذي يفترض فيه (النبل) يقف ليختلس النظر إلى عورات الناس من النوافذ. . وما يكاد يدخل حتى تلتقطه الفتاة وفي منتهى السرعة والسهولة يصير لها معلماً ويأتي أبوها تواً ويسأل عن هذا (الأفندي الغريب) ويوافق في الحال!
ولا أدري لماذا أباحت نجاح لنفسها أن تشتم ابن عمها وتهينه عندما أراد أن يخطبها ولم تظهر لنا الحوادث قبل ذلك أن شيئاً بدر منه يستحق عليه هذه الشتيمة التي لا تليق ببطلة الفلم، والغريب أن ما أرتكبه من الحوادث يأتي بعد ذلك، فكأنها تؤنبه مقدماً! وكان منظر دبيب رشاد إلى ابنة عمه داعياً إلى الاشمئزاز وكان يمكن أن ترتبط الحوادث دون الوقوع في هذه الزلة. وكانت خاتمة الأضاحيك هي ختام القصة بذلك المنظر الذي عاد فيه البصر إلى الرجل لأنه سر بقتل ابن أخيه المجرم وزواج ابنته من حبيبها، وهي طريقة فريدة في علاج العمى واسترداد النظر، جديرة بأن يلتفت إليها أطباء العيون أو بأن يستغني بها الناس عنهم.
وأخلص بعد ذلك إلى ثلاثة عناصر حشي بها الفلم بقصد التسلية والإمتاع أو قل لملئ فراغه من القيمة الموضوعية، تلك العناصر هي: روعة المناظر، والحوادث المضحكة، ثم الرقص والغناء. من الأولى منظر البدو في الصحراء وعدو الخيل ومطاردة الفرسان، عندما عثر على الجاني هناك. ولا تدري لم اختفى الجاني ولجأ إلى تلك القبيلة ولم يصدر أمر بالقبض عليه ولم يجر أي إجراء لمحاكمته، ولكن الرغبة في عرض المنظر نفسه جعلت الأعراب مكان الشرطة، وجعلت الموسيقار الفنان يجيد الرماية ويطلق الرصاص على منافسه في الحب ويرديه قتيلاً!
وأما المضحكات فقد أخذ لها في الفلم بشارة واكيم ومنسي فهمي، ووضع الثاني في موضع رجل بخيل يقتر على زوجته، فيحتال لها جارها آدم (بشارة) ويمثل للرجل الأشباح والأرواح ليفزعه ويهدده إن لم يوسع على زوجته وإن لم يذهب إلى (آدم) ويعطيه مقداراً كبيراً من المال، وهذه الحادثة تمثل مما ربط إلى القصة من غير حاجتها إليه ليضحك، ولكنك ترى إنها أفسدت شخصية آدم إذ جعلته محتالاً على اخذ مال الغير وهو ليس شريراً في القصة. ولم يكن بشارة واكيم واضح الدعابة ولا خفيف الظل في هذا الفلم، ومن أسباب ذلك التواء لسانه وتكلفه تقليد اللهجة الشامية. أما منسي سلامة فكان متقناً لدوره ظريفاً إلى حد ما.
وتأتي بعد ذلك ثالثة الأثافي: الغناء والرقص، وقد امتلأ الفلم بالغناء من البطلين نور الصباح ووجيه بدرخان، وهو غناء متوسط الحال، لا هو مطرب ولا هو مضحك، ولكن تكراره والإكثار من مواقفه والانهماك فيه، بلغت به درجة الطرف الثاني. ولا أريد أن استرسل في وصف غناء هذين المطربين، خشية أن تضمهما الإذاعة إلى مطربيها. . . وحسب الناس ما يلقون من هؤلاء. والحق إن الموسيقى كانت جيدة.
ومن تعمد مواقف الغناء والرقص أن آدم مر في طريقه وهو هارب من المستشفى بعرس فيه راقصة ومغن، فتفرج عليه ومضى في طريقه. . ولم يكن لهذا العرس أية صلة بحوادث الفلم غير ذلك وهذه الراقصة هي الوحيدة التي ترقص في الفلم على أصول الفن، أما بقية المناظر فهي اجتهادية فطرية، وقد أوحى اهتزاز الفتيات اللائى يرقصن في أحد المناظر إلى خيالي منظر (بلاليص) على عربة (كارو) تركت بلا ربط فراحت تتمايل على صرير العجلتين ووقع حوافر الحمار.
والوجهان الجديدان صالحان للتقدم للتمثيل، ولكن ينبغي ألا يعتمدا كثيراً على الغناء.
عباس خضر