مجلة الرسالة/العدد 836/البرلمان الشعوبي العربي والاستعداد للحرب مع
مجلة الرسالة/العدد 836/البرلمان الشعوبي العربي والاستعداد للحرب مع
اليهود
للأستاذ نقولا الحداد
لا يخفى على أحد ما ينوي اليهود من البغي والعدوان على الأمم العربية؛ فهم عاقدو العزم على غزوها جميعًا وامتلاك بلادها واستعمارها. وفي هذه الحالة يتسنى لهم أن يستعبدوها استعباداً مطلقاً أو تهاجر منها جماعات وفرادى. . . ولكن إلى أين وقد وطد اليهود العزم على هذا وحرصوا عليه منذ دُمر هيكلهم في أورشليم وتشتتوا في جميع أقطار المسكونة، وصمموا أن ينشئوا دولة يهودية يتوقعون أن تشمل جميع دول الأرض!
قد تتراءى هذه الفكرة سخيفة لأنها شبه المستحيل، ولكن سلوك اليهود منذ قديم الزمان إلى اليوم يدلنا على أنهم يستطيعون المستحيل. ومنذ القرن الماضي شرعوا لتنفيذ هذه الحطة الجبارة، فعقد حكماؤهم أو حاخاماتهم عدة مؤتمرات سرية لدراستها وتقرير إمكانيتها ووضع خططها كما شرحنا ذلك في هذه المجلة. وكانت إثاراتهم للثورات والحروب والانقلابات منذ أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن من جملة خططهم؛ كالحرب السبعينية الألمانية الفرنسية، والثورة التركية في أوائل هذا القرن، والحرب العظمى الأولى، والانقلاب الروسي، والحرب العظمى الأخيرة - كل هذه الثورات والانقلاباتحدثتبدسائسهم الفظيعة ووسائلهم المختلفة، ومنها ماسونيتهم الخاصة التي كانت وما زالت تسخر الماسونية العامة لأغراضهم - كل هذا يؤكد لنا أنهم عاقدوا العزم على اجتياح البلاد العربية، ثم اجتياح الشرق كله، ثم اجتياح العالم كله!
ومنذ الحرب العظمى السابقة شرعوا ينفذون خططهم على أن تكون فلسطين نواة مملكتهم. وقد اختاروها نواة لسببين جوهريين: الأول أن فلسطين بحسب ما لفقوهفي توراتهممنذ ستة قرون قبل المسيح، هي أرض الموعد التي وعدهمبهم الرب (لا الله)، فجَّر هذه التوراة عليهم وعلى سائر الأمم الوبال، لأنها غرست في أذهان عاماهم أنهم شعب الله المختار. والسبب الثاني أن مقامهم ساء بين الأمم الأوربية الجبارة ولا سيما الأمم الألمانية، فصاروا يطلبون سلامتهم في الخروج منها، إلى أين. . . إلى بلاد أهلها ضعاف يستطيعون هم أن يستعمروها من غير نزاع، فرأوا أن الأُمم العربية خير مرعى لهم، فقاموا يطالِ بملكإسرائيل، وقد نجحوا وا أسفا النجاح الأول وأسسوا دولة إسرائيل فيأرض الميعاد، وشرعوا يوسعون فيها قبل أن يحددوها ويرسموا خارطتها، فلم يعودوا يرضون بمشروع التقسيم الذي قررته هيئة الأُمم المتحدة، بل صاروا يريدون كل فلسطين، وكل يوم لهم غزوة في هذا السبيل، حتى أنهم غزوا لبنان، وسيأتي دور سوريا. وأما شرق الأردن فقد صار في جيبهم بفضل الملك عبد الله، وعما قليل يمدون أيديهم إلى مصر فالعراق، وهكذا دواليك حتى تصبحكل البلاد العربية في وطابهم!
ليس من الضروري أن يحتلوا البلاد العربية احتلالاً حربياً أو احتلالا عسكرياً لأول وهلة، ويكفي أن يحتلوها تدريجياً احتلالا اقتصاديا واحتلالا سياسياً، وهذان يتمشيان معاً بسرعة. وقد لا يمضي وقت طويل حتى نرى هنا وفي جميع البلاد العربية بنوكاً لإسرائيل تمنح تسهيلات لا تمنحها البنوك الأُخرى، ثم نرى فروعاً لمتاجرهم وشركاتهم حتى تصبح معظم اقتصاديات العرب في أيديهم، وبحجة ازدياد معاملهم في البلاد، وبقوة الأموال التي يبذلونها، تصبح لهم كراسي في الحكومة. وسنرى أنه لا تمضي بضع سنوات حتى يكون في الوزارات العربية وزراء يهود يكثرون أو يقلون حسب الظروف، وفي مصالحها الإدارية المختلفة رؤساء إدارات يهود، وبعد ذلك تصور ما تشاء من التغلغل اليهودي والأغلال اليهودية التي تغل بها أيدي البلاد!
لا يستغرب القارئ إذا قلت أن هذا يتم أو يحدث في بضع سنينمن 6 - 9. وقد يحدث بتؤدة واحتيال وتملق وإغراء؛ وهو حاصل ألان. كم من مصلحة يهودية صارت تسمى مصلحة مصرية لأنها استخدمت وزيراً أو وجيهاً مصرياً أو باشا في مجلس إدارتها! وإذا وقفت الوطنية أو النعرة العربية في طريقهم فعندهم جيش عظيم يضمن تنفيذ مآربهم. ومتى أستفحل أمرهم فلا بد أن يقع احتكاك بينهم وبين العرب يقدح شرر الحرب، فهل نحن لها مستعدون؟
هذا ما أُلفت له أنظار العرب!
كانت الجامعة العربية تجمع نحو35 مليوناً على الأقل من العرب، وكان اليهود ثلاثة أرباع المليون، ومع ذلك انتصروا وانخذلنا! لا يحق لنا أن نقول أن الإنكليز خانونا، ولا أن الأمريكان مالئوا اليهود علينا، ولا أن الروس ناصروهم! كل واحدة من هذه الدول التي تألبت علينا مع اليهود عملت بمقتضى مصلحتها. ليس الإنكليز ولا غيرهم أولاد عمنا حتى نعتب عليهم. أما الشعوب العربية فهي أولاد أعمام؛ وأولاد الأعمام بعضهم على بعض، فعلينا أن نبحث أسرارأنخذالنا0
قالوا لم يكن عندنا سلاح صحيح، فيجب أن نبحث أسباب نقص السلاح عندنا. . . وأن نزيله! ولكن ليس هنا مصدر الخلل0
فالو كانت الجامعة هي المسؤولة عن جميع النقائص والعيوب فيجب أن نبحث عن سبب خللها ونصلحه!
قالوا كان عندنا خونة0 وذلك حق؛ فأن مصر حينما كانت تجاهد وحدها في الميدان كانت دولتان تخونانها وتمنعان ثالثة عن إمرار جندها في أراضي إحداها لمساعدتها، فيجب إذا أن نطهر جامعتنا من الخونة. . .
كان أحد الخونة العرب وأحد الوزراء في دولة عربية يجندان بعض العرب (الدروز) لكي يحاربوا العرب مع اليهود وقد سلمنا حصناً لبنانياً لليهود. وهل في ضروب الخاناتأعظم من هذه الخيانة وأفظع! ومع ذلك بقى ذلك الوزير وزيراً للدفاع في دولته، مع أن محاكمة طبارة (في دمشق) ورفيقه الذين قتلوا كامل الحسين أحد الخائنين قد شهرت بذلك الوزير تشهيراً يندى له الصخر الجلمود، ومع ذلك لا يزال وزير الدفاع وزيراً في حكومته إلى اليوم والغد. فخيانة كهذه يجب أن تجد لها قصاصاً في الجامعة العربية.
في الجامعة العربية إذن ضعف وأي ضعف يجب أن نداويه. أنناالآنفي بحر لحي من الخطر الهائل، فإذا لم نبن السفينة بناء متيناً غصنا إلى قاع الفناء!
الخطر عاجل جداً ما دام ابن غريون رئيس وزارة إسرائيل يقول للجنود الهاجاناه: (لم يزل أمامكم فتح من أعالي الفرات إلى أعالي النيل)! وكل تهاون في شأن هذا الخطر يفضي بنا إلى الخطر الماحق!
لكي نتدارك هذا الخطر يجب أن ينعم القراء العرب النظر في الأمور التالية:
كان أكبر عيوب الجامعة أنها مجموعة مندوبين من سبع دول عربية ليس لها ميثاق إلا بروتوكول عقد في الإسكندرية ولم يكن له من غرض سوى ضم العرب في اتحاد (لماذا هذا الاتحاد؟) ولكن لم يكن في البروتوكول قانون للدفاع. وليس لأي مندوب في الجامعة من وظيفة إلا أن يحمي استقلال دولته وحريتها من هذا الاتحاد خطر على الدولة! لذلك ولدت الجامعة ضعيفة. كانت اتحاداً لا وثاق فيه، ومجتمعاً لا وحدة به.
غرضي من هذا المقال أن نبحث الوسائل اللازمة لجعل الجامعة قوة. يجب أن تكون هذه الجامعة جامعة الشعوب العربية - لا جامعة الدول العربية؛ لأنها باعتبارها جامعة دولية تسعى كل دولة فيها إلى مصلحتها الخاصة لا إلى مصلحة شعبها وبهذه الصفة تكون كل دولة حرة فيها بحيث أنها إذا لم تجد مصلحتها فيها أعرضت عنها وتخاذلت إذ لا تهمها مصالح الدول الأُخرى. وليس لهذه الجامعة سلطة على أي دولة من الدول العربية بحيث ترغمها على أن تبقى في الاتحاد. وبسبب هذه العيوب تفككت كأنها كومة من الهشيمهبت عليها ريح فبددتها.
لكي تكون الجامعة اتحاداً قوياً يجب أن تكون برلماناً نيابياً لجميع شعوب العرب يكون فيه لكل شعب عدد من النواببنسبة عدد أفراده كان يكون لكل مليون نسمة وكسورها نائب، أو لكل مليونين وكسورهما نائب إذا شئنا تقليل الأشخاص لتقليل الجدال والنقاش.
وعلى الشعب نفسه أن ينتخب نوابه من غير تدخل حكومته. ولا يجوز اختيار النواب بالتعيين بل بالاقتراع فقط. ويجب أن يرشح للنيابة أشخاص مثقفون ثقافة عالية ووسطى يكونون قد مارسوا السياسة وفهموها وعرفوا بالنزاهة. فيجتمع لنا في هذا البرلمان الشعوبي العربي نحو 30 أو60 نائباً لا سلطان لأحد عليهم؛ فيكونون أحراراً مستقلين عن أي تأثير خارجي.
تكون وظيفة هذا البرلمان الشعوبي الرئيسية:
أولاً: الدفاع عن الجميع الأقطار العربية.
ثانياً: فض المشاكل التي تقع بين الدول العربية، حتى إذا اقتضى الأمر إرغام بعضها على قبول أحكامه باستخدام سلطته العسكرية. وهذا يلتزم:
1 - أن تكون لهذا البرلمان قوة عسكرية تناهز المائتي ألف جندي أو أزيد في أول الأمر. وبعد ذلك تزداد حسب اللزوم.
2 - أن تعبأ هؤلاء الجنود من جميع الشعوب العربية بنسبة عدد كل منها.
3 - أن يمول هذا البرلمان بالمال الكافي لنفقاتهونفقات الجيشوسائر النفقات الحربية.
فيجبى المال - على ألا يقل من خمسين مليون جنيه كل عام بنسبة عدد السكان ونسبة مقدرة كل شعب. ويزاد حسب اللزوم.
4 - أن هذا البرلمان ينتخب قائد الجيش الأعلى وأركان الحرب والمجلس الحربي كما تقتضيه الفنون الحربية.
5 - لا يكون لأي دولة جيش محلي غير ميليشيا والبوليس اللازمين لحفظ النظام المحلي والأمن العام؛ لأن الجيش الشعوبي كفيل بالمحافظة على سلامة كل دولة.
6 - يجب أن هذا البرلمان إنشاء معامل سلاح وذخيرة في كل مملكة أو في بعض الممالك وينفق على هذه المعامل من خزانة البرلمان الأعلى.
7 - ينشئ هذا البرلمان المدارس الحربية لتدريب الجنود والضباط ويضعها تحت إدارة مجلس حربي يشترك فيه القائد الأعلى ويحسن أن يكون هذا القائد رئيسه.
8 - القائد الأعلى وأركان حربه أو المجلس الحربي الأعلى يقرر أماكن معسكرات الجيوش حسب مقتضى الحال لكي يكون استدعاء الجيوش وتحريكها سهلاً وسريعا.
9 - سياسة الدول العربية الخارجية تكون في يد هذا البرلمان. ولا شك أنه حريص على مصالح دوله جميعاً ولا يفرط في شيء منها. وأظن أن هذا الأمر أضمن لسلامة الدول العربية من الاستعمار الأجنبي الذي يثلم الاستقلال.
10 - ليس لدولة من الدول العربية أقل سلطة على هذا البرلمان. وإنما له هو سلطة على الدول في العلائق بينها وفي الشؤون الخارجية أيضا. ُ
11 - إذا تمردت إحدى الدول على هذا الاتحاد وجب على البرلمان الشعوبي أن يخضعها ويردها إلى حضيرة الاتحاد.
هذا هو ملخص مشروع جامعة الشعوب العربية العملى0 ولأجل إخراجه إلى حيز الفعل لابد من إقناع جميع الدول العربية بصلاحيته وضرورته ووجوب تحقيقه عاجلاً قبل أن يستفحل خطر الغزو اليهودي. فإذا لم تقتنع الدول العربية كلها بضرورية العاجلة فإسرائيل اليهودية واقفة بالمرصاد تتحين الفرص للهجوم الاقتصادي والحربي معاً. ولا يردها هذا الهجوم إلا علمها بأن مشروعنا هذا في طريق التنفيذ. فما هي الخطوة الأولى التي نخطوها في هذا السبيل؟ أولا. إذاعة هذا المشروع على جميع الشعوب العربية وحثها للعمل بمقتضاه. وأول ما يقتضيه هو السعي لدى الحكومات أن تقبله على اعتقاد أنه السبيل الوحيد لإنقاذ الأمم العربية من الخطر الصهيوني لكي تساعد على انتخاب البرلمان الشعوبي العام.
ثانياً: استدعاء ممثلين من كل أمة عربية لعقد مؤتمر للبحث الجدي في هذا المشروع وقريره وإنشاء ميثاق له ودستور للبرلمان الشعوبي.
2ش البورصة الجديدة القاهرة
نقولا الحداد