انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 832/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 832/البَريدُ الأدَبي

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 06 - 1949



مدفن الاسكندر:

قرأت الكلمة التي كتبها الأستاذ كاظم المظفر (حول مدفن الاسكندر) رداً على ردي على ما كتبه من قبل.

لا زلت أقرر وأكرر وأؤيد ما قلته من قبل من أن الاسكندر الأكبر

توفى في مدينة بابل وأن تابوته لا يعرف مكانه حتى الآن وأنه عند

وفاته لم تكن أمه في مصر بل كانت في بيللا مسقط رأس عائلة

الاسكندر.

يسألني الأستاذ كاظم: من أين استقيت ما أقول؟ فأقول له: إن جميع المؤرخين اليونانيين والألمانيين والفرنساويين والإنجليز وغيرهم وغيرهم حققوا ودققوا وقالوا ما قلت وقولهم هو عين اليقين

منهم المؤرخ اليوناني أرييين وها ما قاله عنه صاحب القاموس العام للتراجم والتاريخ والجغرافيا القديمة والحديثة:

' ' ' ,

ومثله المؤرخ درويزن الألماني الذي كتب كتابه المشهور (تاريخ الاسكندر) المطبوع في برلين في سنة 1833.

ومن قبله المؤرخ الإنجليزي وليمس الذي كتب عن (حياة وحروب الإسكندر الأكبر).

ومثلهم المؤرخ الفرنساوي سنت كروا الذي وضع كتاباً عن بحث ونقد ما كتبه مؤرخو اسكندر الأكبر. وهذا الكتاب طبع ونشر في سنة 1775 وقد وصفه صاحب القاموس سالف الذكر بقوله إنه:

' ; ' ' ' '

فإذا أضفت إلى كل هذا كتاب بلوطرخوس عرفت صحة المصادر التي استقينا منها ما كتبناه.

على أن من ينعم نظره فيما كتبه الأستاذ كاظم يدرك على الفور بأن المصادر التي استن إليها هو لا تفيده. فمثلاً استند إلى البستاني الذي قال (ولما استولى الاسكندر على بابل كانت خربة بالنسبة إلى حالتها الأولى فعزم على إعادة بنائها وجعلها عاصمة لمملكته في آسيا، غير أن المنية أدركته قبل إنفاذ مقصده) هذه الجملة ليس فقط لا تقيد أن الاسكندر لم يمت في بابل، بل ترجح بالعكس أنه مات فيها. وكون المنية أدركته قبل إعادة بنائها وجعلها عاصمة لمملكته في آسيا لا ينفي وجوده وموته فيها بعد تجديد بنائها وتعميرها. لأن اسكندر لما رأى الخراب عم مدينة بابل أمر 20 ألفا من جنوده برفع أنقاض العمارات المتخربة ورفع أنقاض معبد بابل ثم البدء فوراً بترميم ما تخرب من المدينة وتعميرها وتجميلها لتكون مقراً له؛ وجعل تنفيذ هذه الأعمال تحت إشراف حاكم بابل، ثم أمر بحفر ترعة على مقربة من بابل. فما قاله البستاني صحيح في بعضه وغير صحيح في كله.

ثم يقول الأستاذ كاظم إن (المسعودي لم يتحقق تماماً من المكان الذي مات فيه الاسكندر، وأنه ذكر في ذلك أقوالا ثلاثة لم يرد فيها اسم بابل) وهذا استدلال غير منتج أيضاً.

على أن من القرائن الواضحة - علاوة على أقوال وتحقيق المؤرخين الذين ذكرتهم - على أن الاسكندر توفى في بابل أن جميع المؤرخين رووا أنه قبل دخول الاسكندر مدينة بابل حذره المنجمون من دخولها وقالوا له إذا دخلت بابل كان دخولك وبالا عليك، فلم يحفل الاسكندر بتحذيرهم ودخلها فكانت وفاته فيها في يوم 11 يونيه سنة 323 قبل الميلاد. ومن القرائن أيضاً أنه عقب وفاة الاسكندر نودي بابنه ملكاً في مدينة بابل نفسها خلفاً لأبيه. فإن كان الاسكندر مات في ديار ربيعة أو في العراق بناء على أن بابل كانت خراباً يباباً لما نودي بابن الاسكندر ملكاً في بابل

أما قولي بأن تابوت الاسكندر لم يعرف له مقر حتى الآن فتؤيده الأبحاث والحفريات والتحقيقات الجارية حتى الآن. كما يؤيده مضى 2300 سنة على وفاة الاسكندر وعدم العثور على تابوته حتى الآن. وإن كان الأستاذ كاظم يعرف أين مقر هذا التابوت فليرشدنا ليكون له شكر جميع المؤرخين في العالمين القديم والحديث.

أما ما صرح به المسعودي من أن الاسكندر (عهد إلى ولي عهد بطليموس أن يحمل تابوته إلى والدته بالإسكندرية) فقول بعيد عن الحقيقة بُعد الأرض عن السماء؛ لأن إقامة الاسكندر في مصر لم تطل أكثر من ستة شهور ما كانت تكفي وما كانت تستحق سفر أمه من بيللا إلى مصر. ولم يقل أحد من المؤرخين أنها تركت مقدونياً وحضرت إلى مصر، بل أجمع المؤرخون على أن بطليموس أحد قواد الاسكندر أراد أن ينفذ وصية الاسكندر عندما وصى بأن يدفن في واحة سيوه بجوار أبيه آمون رع. وقد حار المؤرخون في أمر معرفة إن كان تابوت الاسكندر نقل حقيقة من بابل إلى مصر. ولما أشاع بعض المؤرخين أن تابوت الاسكندر موجود في مصر وعين بعضهم موضعه في شارع النبي دانيال قام المغفور له الأمير عمر طوسون بعمل حفريات على مقربة من مسجد النبي دانيال فلم يعثر على شيء.

إن الرجوع إلى بعض المؤرخين العرب مثل المسعودي وابن خلكان والخطيب في جميع الحوادث القديمة وعلى الخصوص فيما تعلق منها بغير العرب من إغريق ويونانيين ورومانيين وغيرهم وغيرهم غير مأمون العواقب، لأنهم لم يحققوا ولم يدققوا بأنفسهم كما فعل المؤرخون الإفرنج، لأنهم يكتفون بنقل ما يقوله من سبقهم نقلاً بغير تحقيق وبغير تدقيق. فقول الأستاذ كاظم بأنه (لا يخفى ما لابن خلكان والخطيب من شهرة واسعة في عالم التاريخ وما لديهما من خبرة ودراية بشئون الأمم القديمة وأحوال ملوكها وأيامها وغير ذلك) لا يكفي لاعتماد ما يقولونه بغير بحث وبغير الرجوع إلى أبحاث العلماء الذين بحثوا وحققوا ودققوا وأصبحوا ثقة فيما يكتبون وفيما يقولون. . .

عزيز خانكي