مجلة الرسالة/العدد 815/من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم فقام كل رجل
مجلة الرسالة/العدد 815/من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم فقام كل رجل
وهو لا يقرأ على قراءة صاحبه).
هذا في الواقع هو ربط الأحاديث والتوفيق بينها وتلك مقتضيات ظروفها وملابساتها تؤيدها الروايات المختلفة والطرق المتعددة وليس فيها من التعنت أو الفهم الخاطئ شئ؛ وقد أشار إلى كثير منها أجلة العلماء السابقين من أعلام الإسلام وأن كانوا لم يوضحوها كمال التوضيح.
فليست المسألة مسألة إمالة وتفخيم وترقيق إذ يناقض فهم أنها لهجات لفظ الحديث لأبي بكرة (كقولك هلم وتعال وأقبل) وقول أنس بن مالك خادم رسول الله حينما قرأ (وأصوب قيلا) فقال له بعض القوم يا أبا حمزة إنما هي أقوم فقال أقوم وأصوب وأهدى واحد.
وقول ابن شهاب ولعله الزهري: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
وقول الطبري: فقد أوضح نص هذا لخبر أن اختلاف الأحرف السبعة إنما هو اختلاف ألفاظ كقولك هلم وتعال باتفاق المعاني لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام.
وقول عبد الله بن مسعود (فإنما هو كقول أحدكم هلم وتعال. وهذا كله يبين لنا السر في بعض الاختلاف اللفظي في قراءة بعض القراء بالنسبة إلى غيرهم.
حفظ القرآن:
أما حفظ القرآن فيرجع إلى ما يأتي:
أولا: أن جبريل كان يدارس الرسول القرآن كل عام مرة ودارسه في العام الذي قبض فيه مرتين فكان هذا تعهدا للنصوص.
ثانيا: إن كتاب الوحي كانوا يكتبون نص ما ينطقه الرسول ولا يعتمدون على الحفظ فحسب.
ثالثا: إن سيدنا أبا بكر حينما وافق على جمع القرآن كان زيد ابن ثابت يجلس أمام المسجد وهو يحفظ كتاب الله ولكنه يتلقى من الصحابة ما كتبوه على أن يشهد شاهدان أن فلانا هذ سمع هذه الآية من فم الرسول وإن هذا المكتوب هو نفس ما سمعه وانه كتب بين يدي رسول الله ﷺ فجمع كل هذا الذي شهد عليه لا غير وحفظ هذا المصحف إلى خلافة عثمان فكثر اختلاف الناس في القراءات وكادوا يقتتلون فجمع الناس على مصحف واحد نسخوه من المصحف الذي عند حفصة وكان الناسخون هم زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن حارث المخزومي (وقد تركوا ما خالف المصحف الموجود في زيادة أو نقص وإبدال كلمة أخرى بأخرى مما كان مأذونا فيه توسعة عليهم ولم يثبت ثبوتا مستفيضا انه من القرآن) ثم أمر سيدنا عثمان ووافقه المسلمون حرصا على وحدة الأمة وجمعا لكلمتها وخشية أن يدخل في القرآن ما ليس منه فأحرقت جميع المصاحف الأخرى التي لا تتفق مع المصحف الإمام. وإذن فقد أصبحت هذه المصاحف التي اجمع عليها المسلمون هي التي يعول على رسمها في القراءة أضيف إليها شرط صحة سندها وان توافق العربية ولو بوجه من الوجوه واعتبر ما عدا ذلك شاذا فما خالف اللغة العربية باطل من أساسه وما خالف الرسم العثماني شاذا تعبدا حيث خالف اجمع الأمة مع صحة سنده وما لم يصح سنده شاذ حيث لا دليل على قرآنيته. والوقع إن ما يخالف الرسم العثماني قد هجره العلماء السابقون فأنقطع سنده فأصبح مشكوكا في كونه من السبعة فبعد عن أن يكون قرآناً تصح به الصلاة والعبادات وشرط التعبد بالقرآن أن يكون متصل السند صحيح الرواية مقطوعا بقرآنيته.
أما الآراء التي تقول إن السبعة الأحرف هي حلال وحرام وترغيب وترهيب. . . أو أنها محكم ومتشابه وقصص وأمثال أو إنها أمر ونهي. . . الخ فكلها آراء بالغة الضعف لا تستند على أوهى دليل. ولعل في ما كتب تبيانا وتوضيحا سليما مقبولا من كل وجه والله أعلم بكتابه وهو بكل شيء عليم.
عبد الستار أحمد فراج
محرر بالمجمع اللغوي