انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 813/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 813/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 01 - 1949



عالم الذرة أو الطاقة الذرية والقنبلة الذرية

تأليف الأستاذ العالم نقولا الحداد

ما يستطيع إنسان أن يجهل أن الأستاذ نقولا الحداد عالم أصاب من العلم نصيباً كبيراً، وأديب ضرب في الأدب بسهم وافر، وهو بين هذا وذاك في نشاط مستمر ودأب لا يستقر، يخرج على الناس - دائما - بقصة مستملحة أو بحث طريف، وهو سباق إلى الجلي، فهو أول من نشر باللغة العربية كتابا مسهبا في نظرية النسبية لأينشتين، وهو من أوائل من نشروا بحوثا مستفيضة عن الطاقة الذرية. وكتاب (عالم الذرة) من الكتب الجليلة الفريدة في نوعها، أحاط بتاريخ الذرة منذ أن كانت خيالا في أذهان العلماء، لا تسمو إليها التجارب العملية، ولا ترقى إلى كنهها العقيدة الراسخة، إلا تكهناتفرضية، أو معادلات رياضية، إلى أن أصبحت شرا مستطيرا تعصف بالزرع والضرع والناس في طرفة عين.

ولا يسعني - بعد إذ استوعبت كتاب الأستاذ نقولا كله - إلا أن أهمس في أذنه فأقول: يا سيدي، قد يعجز العالم عن أن يكون معلما، وذلك حين لا يستطيع أن ينزل إلى مستوى تلميذه، أو أن يرقى بتلميذه إلى مستواه هو. وأنت في كتابك أردت أن تكون معلما. . . ولكن. . .

ولقد كان يخيل إلى وأنا أهم أن أقرأ الكتاب أنني سأجده كتابا وسطا على نمط كتبه (كيلاواي) في الذرة، أو ما كتبه غيره من علماء الغرب. ولكن كتاب (عالم الذرة) كان بحثاً عالياً عرض لنظريات العلماء الذريين منذ رثرفورد وموزلي عرضا علميامختصراً. ثم تحدث عن ترتيب العناصر الدوري لندليف دون أن يوطئ لهذا الحديث بكلمات تكون بمثابة المدخل.

وإن القارئ ليحس اضطرابا في الصفحات الأولى من الكتاب وكان الأجدر بالأبواب الثلاثة الأولى أن تكون على النظام الأتي:

1 - العناصر.

2 - الجزيء وتركيبه في العناصر والمركبات.

3 - الذرة وعلاقتها بالجزيء.

4 - تركيب الذرة من نوعي الشحنات.

5 - الإلكترون والبروتون.

6 - الأفلاك الذرية.

ولن يجد المرء صعوبة في أن يوفى المواضيع السابقة حقها من الشرح والإيضاح في أسلوب رقيق سهل، فتكون أقرب مأخذا وأسرع إلى الفهم، كما فعل المؤلف حين أراد أن يوضح العلاقة بين مناطق الإلكترونات في الذرة، وبين الخواص الكيميائية الدورية التي نبهت مندليف إلى ترتيب العناصر في جدوله.

ويتمسك المؤلف برأي أينشتين في أن الطاقة والمادة شيء واحد، وهو بحث علمي رياضي يجب أن تغفله في كتاب عام أنشئ ليوضح فكرة جديدة في سهولة ويسر.

وفي ص 68 ينصح المؤلف القارئ فيقول: (ويلاحظ القارئ أن في سياق الحديث بعض النقط الفنية عويصة قد يتعب ذهنه في إنعام النظر فيها. إذ لا يمكن التوسع في تبسيطها لأنه يستلزم مضاعفة صفحات الكتاب، والكتاب مجال محدود لا يسمح بذلك التوسع، فللقارئ أن يتجاوز هذه النقط إذا لم يشأ التريث للفهم). وكان في قدرة المؤلف أن يسد النقص الذي يومئ هو إليه لو أنه أغفل كثيرا من المواد الجافة المعروضة ليحل محلها الشرح الوافي المبسط للنقط الهامة.

وفي الكتاب هنات يسيرة أعرضها في ما يأتي:

1 - خرج المؤلف عن المألوف في ترجمة بعض المصطلحات العلمية. ففي صفحة 29 بالجو المغناطيسي الجاذبي والصحيح المجال المغناطيسي. وترجم بالجو الكهربائي والصحيح المجال الكهربائي. وفي صفحة 34 ترجم بالقوة الدافعة الكهربائية والصحيح القوة الطاردة المركزية

2 - قال المؤلف في ص 52: الجرافيت وهو الفحم الجوى المضغوط. والصحيح أن الجرافيت صورة من صور الكربون توجد في الطبيعة في سيبيريا وسيلان والهند وإنجلترا وكاليفورنيا يمكن الحصول عليه صناعيا من تسخين خليط من الفحم الحجري أو فحم الكوك ومن الحديد بنسبة 3: 97 في فرن كهربائي فينتج نوع نفي من الجرافيت الصناعي ويتبخر الحديد من أثر الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.

3 - وجاء في ص 15: إذا كانت ذرة ما كذرة الراديوم مثلا تنفث ذريرة (ألفا) التي كتلتها (أي وزنها) 4. . . الخ. فاعتبر الكتلة هي الوزن في حين أن الكتلة هي مقدار ما يحويه الجسم من المادة، أما الوزن فهو مقدار جاذبية الأرض للجسم. وبينهما بون شاسع.

4 - وفي ص 67 كتب: كتلة سرعة=زخما

والصحيح أن الكتلة السرعة=العزم

وفي نفس الصفحة ذكر أن: السرعة هي مدى انقذاف المقدار في الثانية. والصحيح أن سرعة جسم متحرك هي معدل إزاحته في الثانية الواحدة. على هذه الهنات لا تضع من القيمة العلمية والفنية لكتاب هو الأول في بابه صدر عن عالم مختص يقرأه القارئ المثقف واثقا مما يقرأ مطمئنا إلى ما يفهم، وإذا كان المأخذ الجوهري الذي أخذناه عليه هو ارتفاع مستواه عن ذهن القارئ العادي فان معظم القراء أصبحوا اليوم من الثقافة بحيث لا يجدون صعوبة في أدراك الحقائق العلمية مصبوبة في أي قالب؛ فهم يحتاجون إلى الاستزادة أكثر مما يحتاجون إلى الاستفادة. فللأستاذ المؤلف الشكر على ما بذل ويبذل من الجهد العظيم ونشر الثقافة وإفادة النشئ وخدمة الأمة.

كامل محمود حبيب