مجلة الرسالة/العدد 811/أنشودة منتحر
مجلة الرسالة/العدد 811/أنشودة منتحر
للشاعر عبد الوهاب البياتي
(ليلى) أحس على فمي شفة ... صفراء تصبع بالدماء فمي
وجناحَ خفاش يطيرُ على ... قبري فيملأ بالرؤى حُلمي
وأرى يداً سوداَء تصفعني ... وتشد شعري شد منتقم
وأرى غطاَء القبر متفتحاً ... وجحافل الديدان والظلم
وأرى عيوناً كلما اختلجت ... أهدابها رفتْ على غسق
الريح معولة كأن صدى ... إعوالها ما زال في الأفق
وأنا وأحلامي وملهمتي ... والحب حول الموقد الحنق
وذوائب النيران راقصة ... في جوفه وسنانةَ الحدق
نتلو عليها وهي حالمة ... أقصوصة أبطالها قتلوا
كانوا على قلع فداهمهم ... جوٌ مطيرٌ عاصفٌ هطلُ
فتحطم القلع الصغير ولم ... ينج الذين إلى المدى رحلوا
فتجود عيناها بلؤلؤةٍ ... وعلى فمي تتهافت القُبَلُ
وبلحظة ما زلت أذكرها ... وعويلها ما زال في أذني
هملت عيون الليل وانتحرت ... بيض النجوم على فم الدِّجن
فتبسمت ليلى وما ابتسمت ... إلا لتحبس دمعة الحزَن
لكنها انحدرت. . . لتقتلني ... وتضيء للديدان في كفني
والنور يعكس ظلها قلقاً ... فأكاد أرشف ذلك الظلا
عبري. . . تقول: أكنت في خدر؟ ... أم كنت في حلم وقد ولى
مالي أراك صغرت في نظري ... لما اغتصبت من الهوى قبُلا؟
وشحبت حتى لم تعد حلماً ... هلا أعدت رسائلي هلا!!
يا لحظة ما زلت. . . أذكرها ... كالخنجر المسموم في كبدي
عودي إلىَّ! لعل ملهمتي ... عادت إليك فتدفئي لي يدي
عودي إلى! فقد عفا كفني ... وأمتد صمت القبر في خَلدي وامتصت الديدان - جائعة - ... حتى خطايا حُبيَ النكِد
ما زلت أذكر موقفي وأنا ... في ظلها متلطف. . غَزِل
ما زلت أذكر ليلة - هربت ... روحي - وتبقى وهي تشتعل
ما زلتُ أذكر دمعَها همِلاً ... وشفاهَها تطفو بها القُبَل
والريح ماطرةٌ. . . وملهمتي ... تُخفي رسائلَنا وترتحل
والعَدْوَةُ السوداءُ. . . والقمر ... ما زال يسخرُ مِنَي القمرُ
والبحر يفتح صدره حدباً ... ويضمني في صدرِه النهر
والموجُ يفهقُ هاصراً رئتي ... حتى تراقصَ وهي تنفجر
والريح تهمس وهي عابرة: ... ظلٌّ على المرآة ينتحر
ما زلت أذكر لحظة هربتْ ... مني وراء الريح والزمن
ما زلت أذكر - والربيع على ... قبري يحوك الورد من كفني -
. . . كفاً مشوهة. . . وساحرة ... شمطاَء تغسل باللظى بدني
ويداً تدحرجني إلى نفقٍ ... خاوٍ فتصفعني يد العفن
(ليلى!) أحس على فمي شفة ... صفراء تصبغ بالدماء فمي
وجناحَ خفاش يطير على ... قبري فيملأ بالرؤى حُلُمي
وأرى يداً سوداء تصفعني ... وتشد شَعري شد منتقم
وأرى غطاء القبر منتفخاً ... وجحافل الديدان والظلم
(بغداد)
عبد الوهاب البياتي