مجلة الرسالة/العدد 81/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 81/من هنا ومن هناك
الشعر الغنائي عند العرب وعند الايسلنديين
نشر الدكتور ج. أيستروب المستشرق الكبير بحثاً ممتعاً في الموازنة بين الأدب العربي قبل الإسلام وبين الأدب الأيسلندي في جاهليته، أي قبل الغزوات الشمالية. ولخص الدكتور نتيجة هذا البحث في مقال نشره في مجلة (جاتس دانسك مجزين الدانمركية) وهاك خلاصة رأيه:
يرى الدكتور أن هناك مشابهة قوية بين الأدبين: في الإلهام والعواطف وطرق الأداء. ومن الواضح أنه لم يقع اختلاط بين الشعبين في تلك العهود، إلا أن الدكتور يعزو ذلك التشابه إلى الأحوال الجغرافية التي فرضتها الطبيعة على الشعبين، وإلى الحياة الاجتماعية المماثلة التي نشأت عن تلك الأحوال: فايسلندا كانت عزلة عن العالم بالمحيط الأطلسي، وبلاد العرب كانت كذلك معزولة بالبحار والصحاري، ومن ثم كان الشعبان يحييان حياة محصورة، ويعيشان عيشة قبلية مستقلة، كل فرد فيها مستقل في حياته الاقتصادية عن الآخر
والطبيعة في كلا البلدين وعرة قاحلة تجعل جهاد العيش شاقاً مرهقاً؛ وأشد المشابهات وأعجبها بين الأدبين يرجعها الدكتور إلى الفخر والزهو اللذين يتميز بهما أفراد الشعبين، ويرى أن هذا الاعتداد بالنفس أثر من آثار الانعزال والاستقلال؛ وانعدام الحوادث الاجتماعية الكبيرةمن بيئتهم جعل الأعمال الفردية الضئيلة في نظر أصحابها أساسية جليلة
والهجاء عند قدماء الأيسلنديين والعرب فاحش مقذع، ولكنه شكل ثانوي لأدب شخصي بطبعه أخص صفاته أنه شخصي لأنه صدر عن قوم شخصيين انطووا على أنفسهم واستمدوا من عواطفهم. والشعر الغنائي على عكس الشعر القصصي يعبر عن آلام النفس وسرورها، وهذا الألم وذلك السرور لهما أثر كبير في تلك الحياة الأولية الساذجة. وبين هذا النوع من الأشعار التي نجد أكثرها مؤثراً واقلها عظيماً فروق جوهرية
وإذا كان العرب والأيسلنديون قد انصرفوا جميعاً عن الحياة اليومية الواقعية، وكانت لغتاهما تنمان على الصناعة اللفظية والأناقة الأرستقراطية، فان من خصائص العرب أنهم وجههوا همهم إلى الصور البيانية، ومن خصائص الأيسلنديين أنهم لا يعنون إلا بالنعمة الموسيقية