مجلة الرسالة/العدد 81/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 81/البريد الأدبي
كتاب عن لوتر
صدر أخيراً في فرنسا كتاب عن مارتن لوتر زعيم ألمانيا الروحي، وقد صدرت عن لوتر كتب عديدة بمختلف اللغات، ولكن هذا الكتاب الأخير يمتاز بطرافة تصويره للرجل الذي صدع من وحدة الكنيسة الرومانية واستطاع بثورته عليها أن ينشئ إلى جانبها مذهباً نصرانياً جديداً هو (البروتستانتية) الذي تتبعه عدة من الأمم العظيمة مثل ألمانيا وإنكلترا ومعظم الشعب الأمريكي. وهو من وضع العلامة المؤرخ فرنز فونك برنتانو عضو المجمع العلمي الفرنسي. وفونك برنتانو مؤرخ وافر البراعة والقوة، وافر الطرافة قبل كل شيء، وهو اليوم في نحو الثمانين من عمره ولكنه ما زال دائب البحث والإنتاج، وكتبه وبحوثه تثير دائماً في الدوائر العلمية كثيراً من الاهتمام والتقدير. وله في بعض الشخصيات والمسائل التاريخية نظريات جديدة؛ مثال ذلك أنه في كتابه عن (لوكريزيا بورجيا) ابنة البابا اسكندر السادس يذهب في شأنها إلى رأي جديد، ويصور هذه المرأة التي صورتها التواريخ والقصص، عاهراً من أشنع وأخطر نوع، سيدة عفيفة وزوجا أمينة مخلصة، وقديسة محسنة، ويدعم رأيه بالوثائق والوقائع التاريخية؛ ومن رأيه أيضاً أن لويس الخامس عشر ملك فرنسا الفاجر المتهتك، قد ظلمه التاريخ، وأنه لم يكن كما صور من إغراق في التبذل والغواية، وأن سجن الباستيل لم يكن دائماً كما تصوره التواريخ معتقلاً مروعاً تخمد فيه الرغبات والأنفاس، ولكنه في أحيان كثيرة كان يغدو من الداخل قصراً أنيقاً تقام فيه المآدب والحفلات الشائقة، بل وتهب فيه ريح الغرام والحب؛ وهكذا
أما لوتر فمن هو وما هو؟ هو نوع من البركان أو اللهب تنفست عنه ألمانيا في القرن السادس عشر، وهو ليس بقس فقط يحاول ثورة على الكنيسة، ولكنه رجل عظيم يضطرم بالمثل الإنسانية العامة؛ ومتصوف لا تضيره العزلة، ولكنه لا يرى الكمال في إخضاع النفس والشهوات؛ وهو من الوجهة الاجتماعية (محافظ)، وقد بذه من الوجهة الأخلاقية أحبار مثل البابا اسكندر بورجيا، فلم يخرج على الأخلاق والحشمة خروجهم، وما هو الزواج وشرب النبيذ؟ وقد أثارت نزعة (الأحياء) كل مسألة في كل مكان، ولكن لوتر لم يثر سوى مسألة واحدة هي (تنظيم الجمهورية النصرانية) ثم هو يمثل في ثورته روح الوطنية الألمانية الصميمة، فهو يبث الرعب والروع من حوله، ولكن من ورائه، بعيداً عن الفكرة الدينية، شعوب ألمانيا كلها؛ أحباراً وأمراء وشعباً
ومن هو لوتر من الوجهة الشخصية؟ هو رجل قوي البنية جاف الملماح، شاعر متواضع، وخطيب مفوه، ومجادل قوي الحجة، ومتصوف مكتئب، وموسيقي، وشجاع حين تجب الشجاعة، وديع ذلول إذا خلا بنفسه، مضطرم الذهن، يفيض رأسه دائماً بالتصورات المروعة؛ عدو الطبقات الرفيعة، دون أن يعرف كيف أو أني يسير
أما الثورة على رومة فليس من المحقق انه كان يرمي إلى الانشقاق عليها، ولعله كان يؤمل منها الإذعان والتسليم؛ ولعله كان يعتبر نفسه مصلحاً فقط للكنيسة، وهو ما يخلق بقس ذكي، وهناك ريب في أنه كان يعمل لانهيار هذا الصرح الشامخ الذي شادته الكنيسة خلال القرون، وأقامته فوق التوازن بين قوتين: زعامة الكنيسة الروحية، وسلطة أوربا الدنيوية. وأن أوربا في القرن العشرين، أوربا المضطربة، لا تستطيع إدراكاً لتلك الوسائل التي لجأ إليها هذا القس البارع - زعيم ألمانيا وزعيم الفردية - في تحقيق هذا الانقلاب العظيم
هذا هو ملخص الصور المختلفة التي يقدمها العلامة فونك برنتانو عن بطل ألمانيا القومي وبطل البروتستانتية في كتابه الجديد
البحث عن أصل الإنسان
ما زال البحث عن أصَل الأجناس البشرية من أهم المسائل التي يعني بها العلم الحديث؛ وفي كل عام توفد البعوث العلمية المختلفة إلى الأقطار المجهولة لتجري فيها ما تستطيع من التحقيقات والمباحث التي تلقي الضياء على أصل الإنسان والأجناس البشرية، وقد أعدت أخيراً في فرنسا بعثة جديدة لمعالجة هذه المباحث في مجاهل أفريقية؛ وذلك تحت رعاية وزارة المعارف الفرنسية، ومعهد علم الأجناس، ومؤسسة روكفلر العلمية، وانتخب لرآسة البعثة علامة ومكتشف شاب هو المسيو مارسل جريول الذي برهن على مقدرة خاصة في القيام بمثل هذه المباحث. وقد قاد المسبو جريول قبل ذلك بعثة في قلب أفريقية قطعت ما بين دكار عاصمة السنغال في الغرب وجيبوتي على البحر الأحمر في أقصى الشرق، ما بين سنتي 1931، 1933؛ وقام قبلها أيضاً برحلة علمية في الحبشة، ونشر عنها كتاباً كان له وقع عظيم عنوانه (حملة المشاعل للإنسان). والبعثة الجديدة مكونة من تسعة أعضاء، منهم مصور سينمائي وثلاث سيدات، وتنوي البعثة أن تبدأ بالسيارات من غرب أفريقية متجهة نحو الشرق بطريق بلاد الدوجون والهابيس ومرتفعات باندياجرا ومنحنى نهر النيجر؛ وهي أنحاء اخترقها جريول من قبل ووضع عن خواصها وأحوال سكانها بحوثاً قيمة. وكان أهم ما لفت الأنظار ما كتب عن هؤلاء السكان السود من الحقائق الغريبة؛ وهي أنهم يعيشون في كهوف من الصخر رتبت مخادع صغيرة وكل مجموعة من الربى تكون قرية خاصة؛ وهم يعيشون في جو من التقديس يفيض بذكر الآلهة والخرافات الغريبة، ويعنون بصنع الأقنعة المقدسة والوشم المقدس؛ ولهم رسوم دينية مدهشة؛ والسحر ذائع بينم، وتكثر بينهم الرموز الخفية؛ وعلى الجملة فهم أكثر الشعوب تمثيلاً للإنسان الأول وعصر ما قبل التاريخ.
وستعني البعثة باستيفاء هذه البحوث والحقائق ويعنى السيدات المرافقات للبعثة بدرس أحوال النساء ونظام الأسرة في هذه الأنحاء
أزمة الفنون
كان للأزمة الاقتصادية أثرها في المسرح الفرنسي؛ فأغلق كثير من المسارح ودور اللهو المعروفة، وخفضت مرتبات مشاهير الممثلين والفنانين، وظهر هذا الأثر قوياً في مسرح الحكومة الرسمي (الكوميدي فرانسيز) أشهر مسارح فرنسا، وعجز دخله عن أن يفي بنفقاته، وأحدثت هذه الحالة في نظام المسرح العظيم اضطراباً لم يسبق أن عاناه؛ واهتمت وزارة المعارف الفرنسية بالأمر وأخذته بين يديها؛ وتباحث وفد من أقطاب الكوميدي فرانسيز مع وزير المعارف في الحلول الممكنة، وطلب أن ينظر بالأخص في معاشات أعضاء المسرح المحالين على المعاش لأن كثيراً منهم غدا في حالة يرثى لها. وكان من الحلول المقترحة لمعالجة الأزمة أن تقوم فرقة الكوميدي فرانسيز برحلات في الخارج، في إيطاليا وأمريكا الجنوبية وغيرها، وفي القاهرة الآن فريق من مثلي هذا المسرح الشهير يعملون في دار الأوبرا الملكية
شتيفان جروسمان
من الأبناء فينا أن الكاتب النقادة شتيفان جروسمان قد توفي في سن الحادية والستين، وكان جروسمان كاتباً وصحفياً كبيراً، ولد بمدينة فينا، ونشأ بها؛ وظهر في الصحافة بكتاباته النقدية القوية، وعني جروسمان بالمسرح وشئونه عناية خاصة، وكان له رأي في المسرح ينادي به ويعمل له، وهو أن يكون المسرح شعبياً محضاً، ينشأ للشعب ولثقافة الشعب؛ وقد ذاعت فكرته مدى حين في مدينة الفنون والمسارح (فينا) وغدت حركة حقيقية، ولكنها لم تفض إلى نتائج عملية. وكان جروسمان يرسل صيحاته النقدية والإصلاحية على صفحات في الصحف النمسوية الكبرى مثل (النوية فرايه يريسيه) و (التاجبلاط) وغيرهما، ومنذ أعوام غادر جروسمان فينا إلى برلين، واشتغل هنالك بالصحافة والشئون المسرحية أيضاً. ثم عاد إلى فينا بعد ردح من الزمن، وفيها توفي منذ أسبوعين
في جامعة السوربون
توفي العلامة المؤرخ رايمون جيو أستاذ التاريخ بجامعة السوربون في السابعة ة والخمسين من عمره. وكان مولده بباريس سنة 1877، وتخرج من مدرسة المعلمين العليا (النورمال) ونال الأستاذية في التاريخ. وتولى التدريس زمناً قبل أن يجلس على (الكرسي). ولما توفي المسيو أميل بورجوا الذي كان يشغل كرسي التاريخ في كلية الآداب ومدرسة العلوم السياسية، عين مكانه فيه الأستاذ جيو. وللعلامة المتوفى كتب ورسائل كثيرة في موضوعات تاريخية مختلفة ولاسيما مسائل أوربا الحديثة