انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 802/الاتجاهات الحديثة في الإسلام:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 802/الاتجاهات الحديثة في الإسلام:

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 11 - 1948


4 - الاتجاهات الحديثة في الإسلام:

القانون والمجتمع

للأستاذ هـ. ا. ر. جب

(تتمة)

ولما كان من الواضح أنه يستحيل مناقشة الآلاف من الكتب والنشرات، وتلخيص محتوياتها؛ فإن الأفضل شرح الاتجاهات العامة، وتلخيص الفصل الذي كتبه سيد أمير علي عن مركز النساء في الإسلام.

والحق أن الكاتب كان شيعيا، واتخذ وجهة نظر عقلية تجاه القرآن، بيد أنه أظهر عمليا ما بلغة المجدد المعارض حول الموضوع، وقد اتبعه كثير من الكتاب المتأخرين الذين كرروا تأكيداته في كل لغة إسلامية بدرجات أقوى وأشد. قال سيد أمير علي: (في مراحل خاصة من التطور الاجتماعي، يكون هناك ما يبرر تعدد الزوجات، فلا يمكن تجنبه. وإن حروب القبائل المتكررة، وما يعقبها من مذابح تقضي على الذكور من السكان، مع السلطة المطلقة التي يملكها الرؤساء، كل هذا خلق تلك العادة التي نعتبرها بحق شرا لا يطاق في الأزمنة الحديثة).

إن النزعة العلمية في العبارة الأولى خطيرة، تتبعها مجموعة ملاحظات موجزة عن تقاليد الزواج عند مختلف الأجناس القديمة، ثم مناقشة حول سماح الكنيسة المسيحية الأولى بمزاولة تعدد الزوجات سراً وعلانية، (حتى أن القسس استفادوا من عادة الإبقاء على عدة زوجات ثانويات (غير شرعيات) بواسطة الحصول على ترخيص من المطران أو الأسقف).

وقد كان أعظم خطأ ارتكبه الكتاب المسيحيون، هو قولهم إن محمداً ، خلق تعدد الزوجات أو جعله قانونياً، فإنه لم يجده منتشراً بين العرب فحسب، بل كنت منتشراً بين اليهود مع سائر العادات والتقاليد الكثيرة التي تحط من قدر النساء.

(إن نبي الإسلام (ص) قد أوجب احترام النساء كقاعدة عامة من أحكامه الرئيسية المقدسة؛ وحباً في ابنته الشهيرة وتخليداً لها قد أطلق أتباعه عليها (سيدة الجنة) كممثلة لبنات جنسها.

إن سيدتنا هي جماع كل ما هو مقدس في النساء، وكل طهر وقدسية في جنسها. إنها أنبل مثل للخلق الإنساني (لا تنس أن أمير علي كان شيعياً) وقد اتبعها سلالة طويلة من النساء اللائى شرفن جنسهن بفضائلهن. من ذا الذي لم يسمع برابعة الطاهرة، وألف من أترابها؟).

ثم يذهب المجدد ويضيف أن النبي قد ضمن النساء حقوقاً لم يكن يملكهن من قبل. أي أنه وضعهن على قدم المساواة التامة مع الرجال أمام القانون، كما حد من طغيان تعدد الزوجات، وذلك بتحديده النهاية الكبرى للزوجات المشتركات بأربع، ولكن إذا تعذرت عليك المساواة والعدل بين النساء وجب عليك أن تتزوج واحدة فقط. وهذا الأمر هام جداً، إذ أن العدل المطلق في المسائل العاطفية من الأمور المستحيلة؛ فجاء القرآن وفصل فيها.

لكن تعدد الزوجات يعتمد على ظروف كثيرة. . . وإن تلاؤم القوانين أعظم اختبار لمدى فائدته ونفعه.

(هذه أحكام القرآن، وهي لا شك - ملائمة لمعظم المجتمعات المتحضرة وغيرها. أما الضربات والسهام التي صوبت نحو الأمم الإسلامية، فمرجعها سوء استخدام مبدأ الاجتهاد. وليس ببعيد ذلك اليوم الذي يتبع فيه كلام الله في حل المشكلة. سواء اتبع المسلمون محمداً (ص) أو مشايخهم الذين أغضبوا الله ليشبعوا رغباتهم أو يستجيبوا لمطالب الخلفاء والسلاطين - وكانوا خدما لهم).

وهذا ينتج من التنوع في نظرة الحقائق، والفهم الصحيح للسنة النبوية: وقد أصبح الشعور ضد تعدد الزوجات عقيدة اجتماعية أكثر منها أخلاقية. وجرى العرف بين مسلمي الهنود على أن يشترطوا شرطا في عقد الزواج من شأنه أن يمنع الزوج من استخدام حقه في الزواج الثاني أثناء استمرار الزواج الأول. وفي الوقت الحاضر يشيع الزواج بالواحدة (مونوجامي) بين 95 % من مسلمي الهنود. والأمل أن يعلن شيوخ المسلمين نظرياً، أن تعدد الزوجات - مثل الرق - يعارض أحكام الإسلام.

وأعقب هذه المناقشة صفحات عن زواج النبي ، فعارض وكذب ما قيل عنه من أنه يرجع إلى إشباع رغبات النفس، ثم اتجه نحو الطلاق، واتبع نفس الأسس التي اتخذها في مناقشة موضوع تعدد الزوجات قال: (ليس من شك في أن أحكام القرآن في معاملة النساء في الطلاق (وليس في الطلاق نفسه) رحيمة تتمشى مع العدالة).

ومع أن النبي (ص) كان يكره الطلاق، وجد أنه يتعذر القضاء على التقاليد نهائياً في ظروف المجتمع السائدة. وبالتدريج سمح للأزواج بأن يطلقوا زوجاتهن بشروط خاصة. وقد أبرزت الإصلاحيات المحمدية مرحلة جديدة في تاريخ التشريع في الشرق. فينبغي أن تقرأ نصوص القرآن في ضوء اتجاه المشرع. ولقد تجاهل أئمة المسلمين مبادئ كثيرة في العدل الإلهي. ومهما يكن من شئ فإن هذه القوانين أكثر عدالة ورفقا بالنساء من نصوص القانون الروماني الذي نشأ في رعاية الكنيسة (المسيحية).

وأخيرا يهاجم حجاب النساء أو البررة كما يسعى في الهند. وبدأ بأنها من بقايا التقاليد العتيقة التي من شأنها أن تعوق نهضة الأمم الإسلامية. مع أنه يقرر أن هذه البردة لها مزايا مختلفة عند المجتمعات غير المتحضرة، والبدوية.

(ولم يجئ في القرآن أي نص على أن الحجاب جز من أحكامه الجديدة. ولما ظهرت البروتستنتية، قضت على جميع القوانين الاجتماعية، والاختلافات في نظرة المشرعين إلى مركز المرأة. وقد عامل المسيح (عليه السلام) المرأة بكل رفق ورحمة، في حين أن أتباعه أخرجوها من نطاق العدالة. وهذا الاتجاه الذي شاع في الأزمنة الحديثة يرجع إلى فرسان الصحراء وقد انتقل إلى الغرب بواسطة الصليبيين والتروبادور، وأنتشر في عصر المتبربرين في أوربا، وفي القرون الأولى للإسلام. كانت المرأة تشغل مكانها اللائق - كما في المجتمع الحديث. ومع التحسينات التي أدخلت على المركز الاجتماعي للغربيات، فإن مركزهن الشرعي لا يزال منحطاً في أعظم المجتمعات تمديناً في العالم المسيحي).

إن المشرع الذي يعطى حقاً للمرأة، عذراء أو متزوجة، أما أو زوجة - في عصر ليس فيه مجتمع ولا دولة ولا نظام - قد حرمت منه في الأمم المتمدنة، هذا المشرع جدير بأسمى صفات الإنسانية. ولو أن محمداً (ص) لم يفعل أكثر من هذا لكان بلا جدال مصلح الإنسانية.

فإذا كانت هذه الخلاصة لم توضح شخصية أمير علي في مناقشته، فليس هذا مقصوداً.

وفي محاضرته السادسة يناقش التفاعل بين القانون والمجتمع، وبعد أن يشير إلى (النظرة الديناميكية للقرآن) التي لا تتعارض مع فكرة التطور، يقرر أنه في مجتمع كالإسلام لا يزال استعادة التعاليم القديمة قائما. وقد نجح الإسلام إلى حد كبير - بأحكامه الواضحة - في خلق ما يشبه الإدارة أو الشعور الجمعي، بين مختلف الجماهير من معتنقيه.

ثم يقول إقبال ويقول:

(إني أعلم أن الإسلام يحتجون في النهاية بالمدارس العامة للشريعة الإسلامية؛ ولكن ما دامت الأشياء قد تغيرت، وأثر في العالم الإسلامي قوى جديدة، نشأت من تطور التفكير البشري في جميع الاتجاهات، فأنى لا أرى سبباً في أن يظل هذا الاتجاه ثابتا للآن).

ثم يرجع إلى موضوعنا ويترك مسألة الطلاق ليناقش مشكلة الميراث، مشيراً إلى قصيدة زيا جوك ألب، التي سبق نقلها:

. . إن المساواة في الطلاق والانفصال وفي الميراث، ليست ممكنة في الشريعة الإسلامية. ولست اعلم ما إذا كان للنهضة النسائية في تركيا، مطالب لا تناقش من غير تفسيرات خاصة وأسس ثابتة. وقد ارتبط القضاة من الهنود المحافظين بالأعمال المفتنة، والنتيجة أن الناس يتحركون، في حين يظل القانون ثابتاً!.

وبالتأمل في مطالب الشاعر التركي، فإنى أخشى أنه يجهل قانون الأسرة في الإسلام، وأنه لم يفهم الأهمية الاقتصادية لقانون الوراثة في القرآن. فما ينبغي أن تفهم من عدم المساواة هذه أن القانون يفرض تفوق الذكور على الإناث، فإن مثل هذا الفهم لا يتفق وروح الإسلام؛ فقد جاء في القرآن: ولهن مثل الذي عليهن. فليس نصيب البنت في الميراث على أساس التقليل من شأنها أو تحقير أمرها، ولكن باعتبار الفرص الاقتصادية التي أمامها، ومركزها الذي تشغله في الجماعة، وهي جزء منها.

ولا بد أن يلاحظ - كما قلت - أنه يمكن استخراج حكم عام من رأي إقبال وهو (أنه مع عدم المساواة الظاهرة في الميراث، فإن المشرع قد ضمن المساواة التي ينشدها الشاعر التركي). ولكن إذا حاولنا أن نثبت ذلك، لا نحصل من القرآن على نص يضع من شأن الإناث بجانب الذكور. وقد غض الطرف عن الحقيقة. وهي أن العبارة الآتية التي وضعت لهذا الغرض هي: (وللرجال عليهن درجة).

فإذا اتجهنا إلى الناحية العملية عند المجددين، وجدنا بعض اختلافات. فإني أشك فيما إذا كان يوجد في العالم الإسلامي - خارج تركيا - أي طبقة محترمة من المجتمع، تتمتع نساؤها بما يشبه المساواة الاجتماعية التي ينشدها المجددون - إلا الطبقات المتوسطة المتفرنجة في مصر! حقاً إن تعليم البنات في كثير من الأقطار الإسلامية يخطو خطوات واسعة، وأنه يوجد اتجاه عام نحو التحرر الاجتماعي للنساء، ولكن حتى في مصر، لا يزال مجال الفرص الاقتصادية محدودا. ولا يزال النقاب محتفظا به قال مستر سميث. بل إن عدداً كبيرا من المثقفين، والمسلمين الأحرار والأثرياء الهنود، ينظرون إلى البرقع بعين الإجلال والإكبار، ويجعلون نساءهم وبناتهم يحتفظن به. وعلى ذلك فالتراجع من تعدد الزوجات إلى الحجاب يقف في مرحلته الأخيرة؛ عندما يصل إلى انفصال الجنسين

ولم يكن إقبال شاذا في هذه القاعدة العامة.

(وقد عارض هؤلاء الذين يعتقدون أن النساء قد يشاركن في العالم المغامر الجديد. وقد تصور الأوربيات بلا قلوب، يكرهن الأمومة والحب والحياة! أراد أن تظل النساء (طاهرات) في حماية وأمن، ولم يرد لهن نشاطاً ولا حرية. . يجب أن تظل المرأة كما كانت في صدر الإسلام محتجبة في عزلة، مطيعة للرجال. . . يجب أن تبقى وسيلة إلى غاية. ولقد جعل إقبال نساءه يحتفظن بالبردة، وأخرج للعالم رأيه في المرأة المثالية فاطمة الزهراء:

هي ربة الشرف الرفيع، ... خير النساء وفخرهنه

والأمهات كما أرى ... في النبل فاقت جمعهنه

وكأنها بفعالها حص ... لت على سر النار والجنة

وببعلها تبدو لن ... اخير النساء أبرهنه

كانا كفرد إن بدت ... لهما على الأيام محنه

أيما تكون ترنمت ... بكلام ربك مطمئنة

ومع ذلك فإن إقبال وجب عليه أخيراً أن يعترف بخطئه في أمر النساء. وقد ختم قصيدة صغيرة له بقوله.

لقد ظلت المرأة، ... لذلك أعتذر لها

غير أن المشكلة معقدة ... فلم يكن في الإمكان حلها وليس من شك في أن منطق التاريخ سيغير تغيراً شاملا موقف المجتمع الإسلامي من هذه المشكلات. فقد تبين للمحافظين والأحرار على السواء، أن حرية الطلاق هي السبب في الأخطار المحدقة بالمجتمع الإسلامي. ومما يجدر ذكره أن المجددين - في معارضتهم للمدنيين الذين يرغبون في فصل التقاليد الاجتماعية عما يربطها بالأحكام الدينية - ظلوا يعترفون بالعلاقة الأساسية بين السلوك الاجتماعي والاعتقاد الديني، فأعلنوا أن المجتمع إذا أصلح، فينبغي أن يأتي الإصلاح من طريق ديني، أولا يكون مستقلا عن الدين أو معارضا له. وقد جهلوا الاختلافات بين المجتمع الإسلامي والمجتمعات الغربية في النشأة والأحوال الجغرافية والظروف الاقتصادية والاتجاهات الثقافية. وعندما تتطور مثل هذه التيارات الاجتماعية في الإسلام - بتأثير التطور المحلي، ستظهر للمشكلات حلول، ليس من الضروري أن تتفق مع الحلول في الغرب، بل ستؤسس على التجارب وحاجات المسلمين.

ترجمة

محمد محمد علي