انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 800/رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 800/رحلات في ديار الشام في القرن الثامن عشر

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 11 - 1948


الهجري: 3 - أردان حلة الإحسان في الرحلة إلى جبل لبنان لمصطفى

البكري الصديقي

(1099هـ - 1162هـ - 1687م - 1748م)

للأستاذ أحمد سامح الخالدي

انشغال الشيخ بعمارة داره بالقدس وولادة ابنته:

(وكنا لما اشترينا الدار شرعنا في العمارة، فاشغلنا الأخ بنقل التراب ورفع الحجارة، لكي تلين منه نفسه الغدارة المكارة. ولما دخل شهر الصيام والقيام الموجب النضارة تأهل المحل السفلي للجلوس فيه، دون إتمام القصارة.

(وحين ودع وسار بمسار سحبها غزار، وقد وفدت علينا من الغيوب العزية البنية الرشيدة السعيدة الفريدة والجوهرة الوحيدة، التي وقعت لتسميتها الإشارة الشريفة (علما)، جعلها الله ممن قدرها لديه سما، وذلك في السادس والعشرين من شوال المبارك، فتلقاها الفؤاد فرحا بها لكونها هدية المولى تعالى وتبارك ورأيت كعبها كقصيدة كعب بن زهير لازالت مظهرا للبر حسنة السير كثيرة الخير.

(وقد حضر إلينا رابع يوم ذي القعدة الحرام الأخ السعيد محمد سعيد البصري ذو الإقدام، وكان ذلك يوم عقيفة ابنتي، المذكورة المحروسة، وكان قدومه من البصرة إلى حلب المأنوسة. ولما وصل كنا مع الإخوان خارج البلد.

الزيارة العلية الثانية عن طريق الخليل وعسقلان:

ولما دخلت سنة (1142هـ) عزمنا على زيارة الخليل، ومن هنا يفقد الزيارة العليلية، وحين دخلت عاشورا اجتمع لدينا من الإخوان أخدان، وتوجهنا عن طريف (بني حسن) لأنه طريق أمين ومسلك وعر بالأمان حسن، وثبنا عند الحلاحلة في (معنين) وسرنا صباحا للمدينة بقلب رهين وعندما أشرفنا على الحرم قرانا على الإقدام فاتحة الكتاب وتقدمنا إلى المقام وزرنا الأنبياء، وبدأنا بوالدهم شيخ المرسلين العام (إبراهيم الخليل) وثنيت بولده سيدي اسحق الغيور، ثم أثنيت مقام سيدي يعقوب الغوث وختمت بسيدي يوسف بدر التمام، ونزلت في التكية القادرية عند باب الحرم الشريف، لنحظى في أغلب الأحيان بالزيارة المنتجة التشريف. وكانت الكروم على أوائلها لم تتكامل حلاوتها في غلائلها. وبعد ما أقمنا ثلاثة أيام في الجوار نتردد صباحا ومساء على السادة الأطهار ودعنا، وقصدنا مسجد اليقين، وتوجهنا إلى مقام سيدنا لوط. وعندنا في الصباح على مدينة الفلاح وزرنا حماة تلك البطاح ونجدنا (بيت جبريل) وبتنا فيها، وسرنا إلى (الفالوجة) وزرنا أحمدها النزيل، وصلينا الجمعة فيها وخطيبنا الأخ المراعي الشيخ عبد الجماعي وكان وكان مرادنا زيارة عسقلان فأخبرنا بخراب ما حولها من عمران، وفي الصباح طرنا بلا جناح وطلبنا دليل في تلك المسالك يعرفنا إلى (المسمية) بالدرب السالك، فانتحى المجذوب الشيخ ديب لذلك، ولما توسطنا البرية، مثل هذه قبة سيدنا صالح فقرأت الفاتحة، وتجارت علينا من بعد خيل أعراب بهم في تلك الصحارى أذية أغراب، فقلت لمن يحمل الإشارة سر على الجادة ولا تخف غارة، فسقط عن دابته كبيرهم وانتكس وشرد مركوبه، وبقصده انعكس، ثم لحقونا (للقسطينة) وجاءوا معتذرين وثبنا في (المسمية) بنفوس سمية، وجد بنا إلى قرية (يبنى) المقول فيها أن مثلها ما يبنى، وعمدنا إلى جامع سيدي عبد الرحمن أبو هريرة، واختلف في اسمه الشريف، المحدثون، والذي رجح صاحب القاموس عبد الله. وبعد ما صليت الضحى، قلت:

قصور الولا من رامها أن له تبنى ... عليه بابن يثنى الركاب إلى يبنى

وبعد الزيارة توجهنا إلى (يازور) وزرنا سيدي حيدرة المنسوب لسيدي علي المطلبي، وبتنا بالقرية داخل الجامع المأنوس المعمور اللامع، وفي الصباح قصدنا قرة العين الحصن الأمنع سيدي سلمة بن الأكوع الصحابي المهاب، وغب الزيارة.

ارتقيت الطبقة طارقا من باب الالتجاء الحلقة، فانفتح الباب بمعونة الوهاب فقلت في مدحه:

شرف بدكر الحب خلى مسمعي ... واعد على حديثه يا مسمعي

وأدر كؤوس خمور سلمى جهرة ... فلعلها تشفى فوارا موجعي وإذا سكرت فلا تلمني أنني ... في حال شربي لا أفيق ولا أعي

وعدنا إلى (يازور) حيث البسط يفور، وما مكنا خليلها الخ من المسير نحو (يافا) ذات الوجه النظير، وفي صباح يوم الثلاثاء حللناها واللحظ ينبعث انبعاثا وبتنا في دار أبي سليمان العواد وثنى الأخ الخواجه احمد المنجاز العواد إلى الوداد. وسرنا يوم الخميس قبل بزوغ الشمس إلى المقام العليلي، ووفد بعد الاستقرار، الحاج حسن بن الشيخ مقلد وبات معنا. وأقمنا في ذلك المقام المبارك الأنور ثاني يوم ووفد علينا قوم أحبة، وختمنا الربعة الشريفة تلك الحضرة المنيعة، وأهدينا ثوابها للمزور المشهور، وللأخ السيد محمد السلفيتي المشكور، وتوجهنا بعد صلاة الفجر ووداع الهزار إلى (كفر سابا) وزرنا خباب بنامين شقيق سيدي يوسف الصديق، وكذلك السيد الصحابي سراقة؛ وعند الوصول إلى (كور)، ووفد علينا يزور الحاج يعقوب السندي، وقصدنا في الصباح شرب أقداح اصطباح، عند بستان تسامى ضمن هاتيك البطاح، وامتد زمان الانشراح إلى أن قرأنا ورد العصر، داخل قبته الصغيرة، الكبيرة المراح، وكان الحاج ممن حضر وناح، وتذكرت الأخ المرحوم السيد محمد العباسي (السلفيتي).

(وأشرت على الأخ الحاج حسن منح في الحب فهما، أن يغرس في صفحاته كرما، وبعض أشجار تين فأبدى عزما، وجمع في الأمر جزما، وفعل ما به أشرنا.

(وبعد أن استوفينا أيام الإقامة فيها توجهنا إلى نابلس المحمية، ونزلنا على عادتنا في (الدرويشية) والأخ الحاج حسن معنا، وبعد أيام الإقامة، ودعنا، وتوجهنا (جماعين) وقصدنا قرية (سلفيت) وزرت ضريح الأخ المرحوم السيد محمد السلفيتي، وختمنا الربعة الشريفة لديه. وقلت:

ما هذه جار البقاء روحي ... روحي إلى باب اللقا المفتوح

(وأتينا دير غسان، بعزم راجح الميزان لنوفق الخ. بين الزيود، فما تيسر الإصلاح، وتوجهنا إلى زيارة رجال (سوفا) المشهورين وبت لديهم ليلة الجمعة في العشر الأول من صفر. ولم نلبث أن سرنا إلى (عابود) ومنها إلى (شقبة) ثم أتينا مزار (عنير) وجلسنا في محله النير، وعدنا للديار المقدسة في نصف صفر الخير.

(وكان الأخ محمد سعيد البصري ألح في طلب مقامة عراقية على نمط غط الرومية فشرعت فيها وسميتها (المقامة العراقية والمدامة الإشراقية، وتمت في شهر ربيع الأول، وجاءني زائرا بعض المغاربة بصلوات سيدي علي بن محمد وفا، وكنت شرعت في شرح عليها في الديار الرومية (أي التركية) ولكن النسخة تهدم بناء بعض حروفها، فأجبته إلى طلبته وسميتها (جريدة المآرب ومزيدة كل شارب شارب). وجردت الهمة وشددت العزمة في منتصف هذا العام إلى تبيض الجزء الثاني من (شرح الورد السبحاني المسمى بالضيا الشمسي على الفتح القدسي) وعرضت كراسا منه على الأخ محمد سعيد ليتأمل فيه وجاءني في الصباح ومعه معترفا بعجزه.

ورأيت الأخ محمد سعيد عنده بعض فتور، ونحن مع جماعة في جبل الطور، فخاطبته وبلديه موسى ناصحا وقلت:

خليلي عن الشوق ركابكما حثا ... إذا رمتما في الروع أن تدركا نفثا

ولقد جاءني الأخ محمد سعيد مرور الفرار فمرقت سطورا في قرطاس ورفعتها له:

وجوه الورى من واجهوا اشرف الورى ... وللأثر السامي اقتفوا حالة السري الخ

(وجاءني من مدينة الخليل الشيخ محمد النزعاني فرآني داخل بستان في الحرم الداني، فقال لو وسعته كان حسنا وأمر الدنيا فاني، فقلت هذا في خاطري معنى يبدي لعياني، فيسر الله في مطلبه تلك الأيام، وثم على وجه حسن جميل وأكمل نظام وكان المجمع التحتاني في دارنا تم، والمولى جل وعلا طم إنعامه علينا وعم، ولما انضم إلينا زكريا بن الحاج يحيى نسببه، وجماعات أخر من أحباب منحوا فتحا يملأ العيبة، حصلت منهم مساعدة جسيمة في أمر العمارة الحرمية. وبعد ما كمل عام (1142هـ) ونمت أيامه ولياليه ذات المدد المكين.

أحمد سامح الخالدي