مجلة الرسالة/العدد 789/حول مقال
مجلة الرسالة/العدد 789/حول مقال
الأزهر والإصلاح
للأستاذ سليمان دنيا
قرأت في العدد 786 من مجلة الرسالة الغراء، مقال الأستاذ الفاضل محمود الشرقاوي، تحت هذا العنوان؛ واعتقد أن كل من قرأ هذا المقال القيم قد أحس بروح الكاتب القوية تفيض غيرة على الأزهر، وحرصا على أن يأخذ هذا المعهد حظه اللائق به، ويتبوأ مكان الصدارة في هذا الوجود.
وأعتقد أيضا أن حياء الأستاذ الشرقاوي الجم، الذي هو خلق أصيل في طبعه، هو الذي جعله يحسب للقراء من الأزهريين كل هذا الحساب، حتى افترض على ألسنتهم كل هذه الاعتراضات وظن أن كل جملة في مقاله، بل كل كلمة وكل حرف، سيسأل عنها ب (ماذا، ولمه).
ولكنه رغم كل هذا الحياء المتأصل في طبعه، ورغم توقعه أن يسأل عن كل حرف في مقاله ب (ماذا، ولمه)، لم يطق صبرا على الصمت، وفي نفسه لواعج الغيرة تحتدم، ونوازع الشوق الملح إلى إصلاح الأزهر تضطرم، فأرسلها عالية مدوية، صريحة معلنة (إن الأزهر لم يصلح، وإن بينه وبين الإصلاح شأوا بعيدا وبونا واسعا ومرحلة طويلة جداً) و (. . . إن الحديث عن الإصلاح في الأزهر حديث لا يصغي إليه أحد، ولا يستغل به أحد من قريب ولا من بعيد).
ولعل الأستاذ الشرقاوي مبالغ في كل هذا الحذر، وفي اعتقاده أن كلماته الواضحة الصريحة التي تفيض إخلاصا وغيره، ستصرف عن ظاهرها، وسيطلب لها سر باطن، مغال في حكمه بأن الحديث عن الإصلاح في الأزهر، لا يصغي إليه أحد، ولا يستغل به أحد، من قريب ولا من بعيد؛ فمن الأزهريين كثير من المعنيين بالإصلاح في الأزهر؛ يجاهدون ما وسعهم الجهد، لإفساح المجال فيه لسياسة علمية صحيحة، ولست أدعي أنهم نجحوا في محاولتهم، ولكنهم دائبون حريصون. ومن الأزهريين كثير من المشغوفين بالحديث عن الإصلاح في الأزهر، حتى أصبح شغلهم الشاغل، وهمهم الذي يتذاكرونه في غدوهم ورواحهم، وفي خلواتهم ومجتمعاتهم، ولهم في هذه السبيل نشاط مشكور.
وإذا كان في مقال الأستاذ الشرقاوي ما يستحق العتب، ففيه، ما يستحق المدح والثناء؛ ذلك هو تصويره الأهداف العليا التي ينبغي أن يتجه إليها المصلحون للأزهر، تصويرا جمع بين إشراق الديباجة، ووجازة اللفظ وسرف المقصد ونيل الغاية.
أرأيت إلى قوله (. . . ليكون الأزهر قواما على نهضة دينية، أساسها الفهم والإدراك وسعة الأفق، حتى يقاوم بها ما ينتاش العالم كله، من إباحية وإلحاد،) وقوله: وليستخرج في الأزهر (طائفة من الرجال، يحسون ويدركون علة هذه الأمة الإسلامية وأسباب جمودها وتخلفها، وجهالة العوام فيها وتواكلهم وضعف إيمانهم وانصرافهم عن المفيد النافع من شئون الحياة، واستهتار الخواص وأنانيتهم وجحودهم).
وكثير غير ذلك مما أطلع عليه القراء واستذوقوه واستمتعوا به.
أرأيت إلى هذا الكمال الذي يحرص الأستاذ الشرقاوي كل الحرص على أن يبلغه الأزهر؟!، وهل وراءه ما يمكن أن يطمع فيه طامع، أو يأمل فيه آمل؟!.
لكني أعتب على الأستاذ الشرقاوي مرة أخرى، حيث قد عدد أهداف الإصلاح العليا على نسق جمع بين حسن الأداء وصدق التوفيق، ثم عقب قائلا (هذا هو الإصلاح للأزهر، وهذه سبيله).
حقا إن هذا هو الإصلاح الذي تصبو إليه نفوس الغيورين، ولكن أين سبيله؟!. قرأت مقال الأستاذ الشرقاوي مرة وعاودته مرارا، فوجدت فيه الإصلاح واضحا بارزا، ولكن لم أجد فيه سبيله؛ وهل سبيل ذلك إلا مشروع واضح المعالم بين الصوى، يشخص ما ينبغي أن تقوم عليه سياسة الأزهر العلمية: ما يتصل منها بالعلم، وما ينبغي أن يتوافر فيه من كفاية ومقدرة وما يتصل منها بالكتاب وكيف ينبغي أن يكون، وبالدارسة وكيف تؤدى. وما يتصل منها بالطالب وماذا يشترط فيه، وكيف يراض من جموح، ويؤلف من شرود؛ وكيف تعقد بينه وبين العلم صلة تحببه فيه وتصرفه عن كل ما ينافيه.
هذه النواحي جديرة بالدراسة والبحث، والرسم والتخطيط؛ كان على الأستاذ الشرقاوي أن يعالجها بنيانه المشرق وهديه الوضاء؛ وإن له من تتبع سير الأمور في الأزهر منذ حداثة سنه، ومن اهتمامه بنهضته وإصلاحه، ودؤوبه على الكتابة في كل هذه الشئون، ما يجعله أهدى سبيلا إذا بحث، وأصدق قيلا إذا كتب؛ إن من يدعو إلى غاية ثم لا يدل على طريقها بوقع حيرة واضطراب؛ ومن السهل أ، تشخص الغاية وتوضح، وليس من السهل التعرف على أقرب الطرق الموصلة إليها؛ فليكتب من شاء أن يكتب في رسم السبيل وتبين معالمها، وليكثر من الكتابة في ذلك؛ فإن الطريق إذا استبانت واتضحت، وآمن الناس بأنها توصل إلى ما تصبو إليه نفسهم من الإصلاح المنشود، لم تعدم سالكين، ومن وقتئذ يبدأ الإصلاح بتحقق؛ أما الاقتصار على ذكر الأهداف والغايات دون الإيضاح الكافي للسبل والوسائل، فليس من شأنه أن يحقق غاية أو يوصل إلى هدف.
سليمان دنيا
المدرس في كلية أصول الدين