انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 787/أحمد الكاشف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 787/أحمد الكاشف

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 08 - 1948



مات الشاعر الماجد أحمد الكاشف: منذ أيام معدودات، بعد أن خدم الشعر والأدب، والسياسة والعروبة نصف قرن أو يزيد.

نشأته وحياته:

ولد بناحية القرشية من أعمال مديرية الغربية. من أبوين تركيين عريضي الجاه، وافري الثراء. رفيعي المنزلة تربطهما بكرام الأسر في مصر وشائج القربى أو صلات المعرفة، وعميد أسرة الكاشف بعد الفقيد هو شقيقه محمود بك ذو الفقار الكاشف وكيل الجمعية الزراعية الملكية ومن أقارب الأسرة معالي علي باشا الشمس، والدكتور حامد باشا محمود.

تلقى الفقيد علومه الأولية في منزل والده كعادة الأسر الكبيرة. ثم التحق بمدارس طنطا ولكنه لم يتم تعليمه لانصرافه عن العلوم المدرسية إلى كتب الشعر والأدب من جهة، ولاعتماده على ثراء أسرته من جهة أخرى.

ولم يتزوج الفقيد وعزف منذ صباه عن مباهج الحياة واطمأن إلى العيش الريفية الهادئة. فترك بيت الأسرة الواسع الرحاب بالقاهرة. وقضى كل عمره ببيته القروي مستغنيا بوجهاء القرية عن كبراء مصر وبصداقة الفلاحين عن مخالطة المتمدنين.

وملأ حب القرية قلبه وشغل فكره حتى قضى حياته معتبرا جميع أهلها أهله، وشواغلها شواغله ولا يمكن أن يهتم أي شخص بأسرته وبيته أكثر مما اهتم الكاشف بالقرشية وأبنائها وكان منزله جامعة شعبيةللقرية. وبرلمان لها. ومحكمة يقضى فيها بين المتخاصمين، ولا يخلو يوما من الشيخ الفاني والشاب الفتى، والفلاح الساذج. والمثقف الفذ - يديره الكاشف بحكمة ولباقة ومرونة تؤلف بين هذه العناصر الشاذة بحيث ينال كل جالس ما يرضيه ويسمع ما يعجبه -

أخلاقه:

كان الفقيد متصوف النزعة. وإلى الزهد في الحياة وزهرتها أميل. إلى إيثار لازم حياته فجعله دائماً يفضل مصلحة غيره على نفسه. فيجرد بالضروري ولا يرد سائلا. ويرحب بالعافين والسائلين ولو كان به خصاصة.

ومن أبرز صفاته التسامح. فلم يحمل قلبه غيظا لعدو. ولا حقدا لمسئ، وما كانت تمنعه إساءة أحد عن أن يخلص في خدمته، بطبع صاف لا تكلف فيه، وسماحة نفس لا تحامل عليها. كما كان شديد العطف رقيق الوجدان دائم الوفاء وله في ذلك فصص لا يتسع المقام لذكرها.

أدبه:

برع في الشعر السياسي حتى بز جميع شعراء العصر في هذه الناحية، ويمتاز شعره بأنه سجل حافل للمسألة الشرقية والقضية المصرية، وقد ارتفع صيته في فترتين، أولاهما أيام الخديوي عباس وثانيتهما إبان الوزارة الأخيرة لمحمد باشا محمود.

كما يمتاز شعره القديم في (ديوان الكاشف) ولكن ما بقى من شعره الأخيرة غير مجموع أكثر وأقوى مما جمع.

واجب:

أليس من حق الراحل الكريم أن يجمع ديوانه. ويبحث ويدرس كفاء ما أسداه للأمة واللغة من خدمات؟ وهل يجوز في منطق الوفاء أن يهمل هذا الرجل بعد موته وقد ضحى بماله ومستقبله وأوقاته في سبيل خدمة اللغة والأمة؟

يا أصدقاء الكاشف وعارفي فضله ويا إسراء معروفه ويا محسوبي إحسانه ويا رجال الأدب واللغة والصحافة أسألكم بالله ألا تنسوا أحمد الكاشف الذي خدم الأمة واللغة نصف قرن أو يزيد.

عطية الشيخ