مجلة الرسالة/العدد 782/خواطرمسجوعة:
مجلة الرسالة/العدد 782/خواطرمسجوعة:
تمثال شاعر
(إلى الملهمين الذين اضطربت حياتهم. وتعثرت خطواتهم. إلى المغمورين الذين مسهم الضيم وهم أباة، وسيسوا الهوان وهم كرام).
كأني بالشاعر وقد عاش تسعين عاما، بين عيون تعامى. . . فلم ينقذه من حياة الأموات، سوى سهم الممات!
عاش سطراً في دفتر العناء، وسرا في ضمير الفناء. ومات فلم يخسر شيئا من الدنيا، لأنه لم يكن قبل الموت حياً!!
عاشفأنكروه، ولم يذكروه. ومات فتباركي الجاحد، وتحازن الحاسد. . .!
عاش يبحث عن الضالة المنشودة، والرحمة المفقودة، حتى دوى يأسا، وقضى بؤساً. .!
عاش هدفا لإجحاف مر، واعتساف مستمر. . . ومات فهشوا لوفاته، وبالغوا في تكريم رفاته!
فقد الرحمة حيا ثم مات، فطلبوا له عيثا من الرحمات! فهل كانت الرحمة للميت لزاماً، وعلى الحي حراماً؟! أم هو الفضل يذكر إن صاحبه ذهب، والحقد يزول بزوال السبب. فمن لم يستطع التحديق في الشمس كان للتعامي مؤثرا، فإذا غربت انقلب مبصرا، فأكبر الدفين في الرميس، وعرف له اليوم مالم يعرفه بالأمس. ورب متجاهل كان تجاهله جهلا، ومتعام كان للعمى أهلا.
وكأني بالشاعر وقد شيعوه إلى القبور، ملتمسين لذويه الصبر! وبعد تراب عليه انهال، أقيم له تمثال.
وإذا العيون قفلت، والقلوب غفلت، فإن التمثال لا يلفت ذوي عمى، ولا يوقظ من ينظرون إليه نظر الأطفال إلى الدمى!
وإذا قضى الشاعر نحبه، وفارق آله وصحبه، فإن التمثال لا ينفع من ذهب، وإن كان من ذهب!
فلعمري إن لم يظفر الحي بأمنيته، قبل منيته، فإن الذكر والنسيان، في الموت يستويان!
ليتهم صانوا صاحب التمثال حيا، فمن مات مذكوراً هو من عاش منسياً!! حامد بدر