انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 771/من ديوان (هناء):

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 771/من ديوان (هناء):

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 04 - 1948



قلب شاعر

للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري

(ليت ملهمتي الخالدة (هناء) تصغي لهذا القلب الذي يشدو والكين تقطر دماً)

لي مضنة بين جنبي لا قرار لها ... كأنها لجة ما بين أهوائي

هي الفؤاد الذي لولا نوازعه ... لكنت أرفل في أبرار نعماء

لا يستقر على حال مرزأة ... كالشلو تنتابه أنياب رقطاء

يمسي ويصبح خفاقاً نقلبه ... على بساط المآسي أنحل الداء

تجمع الأمل الزاهي بساحته ... كما حوى الحب ممزوجاً ببغضاء

فهو الذي حمل الآلام قاتلة ... حتى غدا عاجزاً عن حمل سراء

وهو العليل وقد خابت مطالبه ... بالطب. . يأمل تحنان الأطباء

وهو المحب وقد ظلت رغائبه ... بالحب. . يأمل إحسان الأحباء

يا للجريح لقد حار الأساة به ... وارحمتاه لميت بين أحياء

عجبت للشاعر الموهوب ترهقه ... حياته ويوافيها بأطراء

ما باله وهو في فجر الشباب يرى ... بالرغم من زهوه في زي بكاء

مدله، ذاهل، أسوان متشح ... بالهم يدأب في بيداء ضراء

لا تأخذ العين منه عند رؤيته ... إلا خيالاً عليه برد غماء

أبقت عليه يد الأيام طابعها ... من بعد ما فتكت فيه يد الداء

كأنما الموت فيه قيد أنملة ... أو قد يسير إليه سير إبطاء

إن كانت الخيبة الكبرى غنيمته ... بعد الطواف وراء المأمل النائي

فليملأ اليأس منه كل جارحة ... واليأس داء وترياق لأدواء

ما قيمة الأمل المنشود إن نظرت ... عيني الحياة فكانت جد سوداء

يا للجمال لقد حفت فواكهه ... بالمغريات وفيها متعة الرائي

هل يحرم الشاعر الموهوب لذتها ... وينعم الوغد فيها بعد إقصائي

يا لروعة أجج الحرمان جذوتها ... فأحرقت بلقاها كل أعضائ لا تهدئي فعسى نذكو بشعلتها ... ذبالة خمدت ما بين أحشائي

سبع وعشرون ما أبقت على كبدي ... إلا غلالة أوجاع وأرزاء

كأنها ويد الأقدار تنسجها ... قبر تشيده الدنيا لإيوائي

مرت على سنون العمر كاملة ... كأنها ما وعت ترجيع أصدائي

فمن عموم منيخات إلى محن ... ومن عناء إلى شكوى وبلواء

كأنني صخرة صماء لا كبد ... حرى تعج بآمال وأهواء

أشكو إلى الحب قلباً ظل منفرداً ... في وحدة كظلام القبر خرساء

حيران كالبلبل المأسور في قفص ... وحوله جنة حفت بآلاء

حران لا أمل يزهو فيسعدني ... ولا صباح الهوى بنأي بظلمائي

ولهان والنصب القتال أنهكني ... هل من خميلة حسن ذات أقباء

حتام أظمأ والأقداح دائرة ... مثل الكواكب ما بين الندماء

هذا الخيال الذي يسري على مهل ... للقبر شعلة أفكار وآراء

بغير درب الهدى للناس في زمن ... تخبطوا في رجاء خبط عشواء

أجريت قلبي ينبوعاً يلذ به ... كل البرية أحبابي وأعدائي

وما رجوت صفاء من نفوسهم ... وكيف أرجو صفاء الطين والماء

وقد وهبت لهم روحي وما ملكت ... كفي، فلم يذكروا بالحمد آلائي

لئن ظلمتم شبابي في طروادته ... فأين يا ظالمي الأفذاذ أخطائي؟

أنا الشعاع الذي يخزي ظلامكم ... فليل جهلكم يعنو لأضوائي

إن كان يسعدكم ما تنعمون به ... فليس يسعدني عز الأذلاء

أنا الذي تملأ الأيام سيرته ... فهل يهدم مجدي كيد حرباء!

لا در در الذي يسعى لغايته ... أن لم تكن روحه تصبو لعلياء

(بغداد)

عبد القادر رشيد الناصري