انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 77/ما نرى في الغردقة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 77/ما نرى في الغردقة

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 12 - 1934



في محطة الأحياء البحرية التابعة للجامعة المصرية

للدكتور كبروسلاند مدير محطة الأحياء البحرية بالغردقة

أعدت محطة الأحياء البحرية بالغردقة للأبحاث العلمية البحتة، فليس بنا من حاجة إلى معرض نربي فيه بعض الحيوانات الجميلة التي تعيش بالبحر الأحمر. ولكن كثيرا ما يعني زائرو المحطة بجمع هذه الحيوانات للتمتع بمشاهدتها في المرابي كل في معمله المعد له. وقد نجحت المعدات التي زودنا بها هذه المرابي نجاحا باهرا، فقد عاش أغلب هذه الحيوانات عيشة صحية بضعة أسابيع أو أشهر حتى يغادر صاحبها المحطة فيطلق سبيلها في اليم أو تقتل لتحفظ في المتحف. والمعدات التي هيأناها للمرابي هي: -

أولا - أن تزود بسيال مستمر من ماء البحر الطازج الذي يؤخذ تواً من نهاية الرصيف حيث يكون صافيا لا يحتاج إلى ترشيح، فيوضع في صهريج صغير يملأ ثلاث مرات يوميا، ومنه يوزع على المرابي.

ثانيا - تجري المياه في أنابيب مصنوعة من السليوليد (الطبخ) وصنابير من السليوليد أو الولكنت أما المضخة فمبطنة بالخزف. وبذلك لا تتصل المياه في طريقها من البحر إلى المربي بأي معدن.

كثير من الأسماك الاستوائية جميل في لونه، وبعضها كفرس البحر والأمفسيل غريب في شكله كما جاء في مقالي السابق (بالرسالة)، وكثيرا ما نحصل هنا على فرس البحر والأمفسيل، فيعيش الأول في المربي ويموت الثاني بمجرد إخراجه من البحر. وغير هذين النوعين يوجد أبو صندوق , والدرمة , وقد اقتفينا من هذه سمكة صغيرة كانت تسبح بزعانفها فقط، بينما تجر ذنبها ملتويا إلى جسمها، فإذا اهيجت سبحت به بسرعة ونشاط.

ويشاهد أحيانا الرعاد ويعرف هنا (بالرجدة) , على الشاطئ الرملي بجوار المعامل، وهو سمك كهربائي يحدث رعشة خفيفة ولكنها كافية لأن تحمل (سيباء) على أن تلقي بنفسها خارج المربى الذي كانا يعيشان فيه سويا. وتوجد أنواع من الأسماك الصغيرة مثل الكشكوشة في أسراب كبيرة بجوار المرسى تعيش على الأحياء الدقيقة المعلقة بالماء وأعجب خواصها مقدرتها على الحياة مدة طويلة في المربى، ولعلها تجد مقدارا ك هذه الأحياء المعلقة، وخاصة عندما يملأ الصهريج الخازن في المساء، إذ تكثر الأحياء المعلقة في المياه السطحية، كما تكفي تلك لغذاء المرجان وقرب البحر وغيرها.

وتحفظ الكشكوشة فريسة لحيوانين من أعجب حيوان المربى هما السيساء وزهرة البحر الكبيرة. تجثو السيساء أكثر الوقت على القاع وقد ضمت ثمانيا من أذرعها جنبا إلى جنب فتكون قلنسوة حول الفم. وتماتن السيساء القاع الذي تعيش عليه تماما، غير أن لها خطا أزرق براقا يحف زعنفتها. وهكذا تطل جاثمة في مكانها مختفية عن الأنظار حتى إذا دنت منها سمكة كالكشكوشة أطلقت عليها ذراعيها الطويلتين المختبئتين في جيب مخصوص وأمسكتاها يمصصانها، وفي برهة تتوارى السمكة في قلنسوة أذرعها القصيرة، وفي الوقت نفسه تظهر على جسم السيساء خطوط عريضة بنية داكنة تجعلها واضحة جلية. ذلك التغيير في اللون وغيره مما يحدث أثر أي حافز بدون حافز ظاهر يجعلها فتنة للناظرين، وإنه لمن الأهمية بمكان أن نبحث عن العلاقة الحقيقية بين ذلك التغيير في اللون والحوافز المختلفة.

وعندنا من الرخويات صدف اللؤلؤ، ذلك الذي يعيش حتى يقتله الإنسان طمعا في صدفة البراق، أو في اللؤلؤة يصادفها في كل نحو من عشرة آلاف صدفة.

والبرق من أعجب الرخويات وهي عديمة المحار. كثير منها جميل خلاب مادام حيا، فإن حفظ بعد الموت تحول إلى كتل لا شكل لها تكون أقرب إلى الطين لونا. وهناك عائلة من البزق من أهم مميزاتها أن أفرادها ذوات ألوان أخاذة، وفيما عدا ذلك لا تختلف أنواعها إلا في خواص طفيفة. ومن بين ردف العائلة كرومود وريدي نوع واحد ذو حجم لا بأس به يبلغ خمسة سنتيمترات طولا، وأثنين ونصفا عرضا، وهو من أقلها جمالا ومع ذلك فهو خلاب حقا. ظهره مسطح يمتد منه من الأمام قرنا الاستشعار، ويرجح انهما للشم، ومن الخلف عدة خياشيم ريشية منتظمةفي دائرة. لونه أسود مقلم طوليا بخطوط زرقاء - قد يكون جزء منها أو كلها أبيض - أما القرون والخياشيم فذات لون أصفر برتقالي زاه. ويحف الظهر خط من نفس اللون داخله خط أبيض. ولما كانت هذه البزق لا تلجأ عادة إلى الاختباء تحت الأحجار كما تفعل البزق المعتمة اللون كانت أداة طيبة للعرض. ولون هذه الحيوانات في جلائه ووضوحه إرهابي أعدائها التي تخشى طعمها الرديء.

ومنذ قريب عثرنا على نوع أخر من وجدت منه كثيرا في زنجبار منذ نيف وثلاثين عاما عند ما كنت أقوم بعمل مجموعة الأحياء للسير (شارلزإليت)، ولكني لم أره هنا من قبل برغم ألوانه الغريبة، جسمه أبيض يميل إلى الصفرة، تزينه نقط صفراء فاقعة، ويحفه خط بنفسجي وحلقة بيضاوية بنفسجية تحيط بقرني الاستشعار وأخرى تحيط بالخياشيم. ولهذه الحلقات يسمى

وأضخم هذه البزق وأجملها لونا هو ويسميه الصيادون هنا لسان البحر، يبلغ طوله نحو عشرين سنتيمترا، وله برنس عريض كثير الحواشي قرمزي اللون يحفه شريط أبيض قد تتخلله خطوط دقيقة مستعرضة، وتختلف نسبة هذا الشريط الأبيض، فقد لا توجد في بعض سلالات، وفي أخرى من المحيط الهندي (لم نرها بالبحر الأحمر) يداخله كثير من الصفرة.

ويذكر إليت أن هذا الحيوان كثير الانتشار، ولكني أعتقد أن حجمه الكبير ولونه الزاهي هما اللذان يساعدان على رؤيته. ولم أره إلا مرة واحدة في موطنه الطبيعي بين المرجان، وكل نماذجنا الأخرى حصلنا عليها بعد أن لفظها البحر على الشاطئ في فصل الربيع. وعند ما نلتقطه يظهر قدمه كنقر ضيق، فتبدو قبضته على السطح الذي يزحف عليه واهنة جدا، فإذا طغت الأمواج أزاحته عن موطنه وطفا على سطح البحر. ولكنه إذا وضع في المربى تفرطحت قدمه وأمسك بالقاع جيدا، فإن أهيج ترك القاع وأرتفع في الماء سابحا بتموجات غريبة. لعلكم لم تروا فيلا يطير، ولكننا هنا نرى بزاقة تسبح بنشاط. وليس لي عهد ببزاقة أخرى تقدر على السباحة ما عدا تورديسا في زنجبار، ولم أرها منذ ذلك الوقت. ومن خصائص هذا النوع أنه يخدر بسهولة بإضافة كبريتات المانيزيا إلى الماء الذي يعيش فيه، وبذلك يمكن قتله وحفظه على شكله وهو حي، غير أنه يفقد لونه بسرعة.

وكثير من الشوكيات يعيش طويلا في المربى، ويرى أنواع من قنفذ البحر لبعضها أشواك غليظة كمبسم الغليون (مثل أبي مباسم & ولغيرها أشواك دقيقة طويلة كالأسلاك، مثل الهلمان وأخرى قصيرة كالإبر، وقد يتجرد أبو مباسم من أشواكه كلها، ولا نعلم بالتحقيق هل ينبت عليه غيرها كما يكون الحال في الزقة الأوربية فإننا لم نحتفظ بالمرابي مدة كافية للفصل في ذلك. وبين نجوم البحر نجمة قرمزية اللون تزينها نقط زرقاء، كذلك كف مريم وهو يشبه النوع الإنجليزي كثيرا، ويزحف فوق القاع على أرجله الأنبوبية المدببة بدلا من التسلق بالممصات كبعض الأنواع الأخرى.

أما المرجان فيسهل حفظه حيا في المرابي، وهو يتكون عادة من مستعمرات من عدد كبير من البوليبات متفاوتة الحجم، وأفضلها ما كانت بوليباته كبيرة كما في الشكل، ففي نوع من الفافيا مثل يبلغ قطر البوليب خمسة عشر ملليمترا، وفي يبلغ ثلاثين ملليمترا، ولكليهما عدة زوائد طويلة تقوم بالحس والغذاء.

وأضخم بوليبات المرجان هو مرجان عيش الغراب , وهو ما يسميه الأهالي هنا بالطبق، وكلا الاسمين يدل تماما على شكله، ويتكون من قرص كبير له زوائد قصيرة. أما النوع المعروف باسم الذي يشبه زهرة البحر في طول زوائده فلا يوجد هنا تلك الأنواع تظهر طرائق تغذية المرجان بجلاء. والمعروف أن المرجان حيوان لحم ولكن ذلك العلم ليس كالعيان. وقليل من العلماء من مكنتهم الظروف من ملاحظة تغذية المرجان. أنها تقتنص الفريسة بالخلايا اللاسعة، وتحملها القرون والتيارات الهدبية إلى الفم. وفي مرجان عيش الغراب تحمل الأهداب وحدها الفريسة المشلولة (من أثر الخلايا اللاسعة) وفيه أيضا نشاهد ظاهرة هامة، وهي ارتكاس الحركات الهدبية وقد كانت تغذية المرجان مجالا لكثير من الشك حتى درسها ينج في الحاجز المرجاني العظيم باستراليا.

ويطل حيوان المرجان من هيكله الجيري في ظلمة الليل، ويختبئ فيه نهارا، حتى نور الصباح الكهربائي يبدو كأنه الجماد. ومن بين المرجان جنس يدعى تربناريا تطل بوليباته نهارا فتبدو صفراء فاقعة خارج الهيكل الأصفر الداكن. أما أجمل أجناس المرجان، فهو الدندورفيليا ففيه يبلغ قطر البوليب سنتيمترا، ويرتفع كالزهرة ذات الألوان المختلفة كالأصفر أو البرتقالي أو الأحمر , أو القرمزي الأسود في , ويظهر أن هذه الألوان تتفق مع انعدام الطحالب أن تعيش تحت هذا الحجاب من اللون الذي يحول دون أشعة الشمس إليها، فإن لون , يشبه لون الورق البرتقالي الذي كان يستعمل قديما في لف ألواح التصوير (الفوتوغرافيا) ليقيها الضوء، وبينما يوجد هذا النوع في أماكن ظليلة ينمو , كبقية المرجان في الأماكن المعرضة لضوء الشمس.

وعندنا من زهور البحر الشيء الكثير، وليس منها ما يعدل في بهائه زهرة البحر الريشية التي نراها كثيرا في مرابي أوربا. ولكن الزهرة التي يسميها روبل من أكبر أنواع الزهور في العالم - التي تعيش لعدة أشهر في المربى، وتعايشها دائما (كبقية الزهور الكبيرة في المنطقة الحارة) سمكة أنيقة فأينما وجدنا الزهرة على مقربة منها والعكس بالعكس. فإذا أوجست خيفة من شيء هرعت إلى الزهرة وتحصنت بين قرونها من أعدائها. ولا نعرف لماذا لا تلسع الزهرة هذه السمكة فتقتلها كما تفعل مع غيرها ومع أكبر منها. ويمكننا أن نشاهد تبادل المنفعة بين الحيوانين إذا وضعنا معهما سردينة صغيرة. فإننا نشهد مأساة من ماسي الطبيعة التي يتألم لها الإنسان، إذ تهيج السمكة المعايشة وتطارد السردينة هنا وهناك حتى تلامس قرون زهرة البحر وتلتصق بها، ثم لا تلبث أن تنفر منها، ولكن سرعان ما يصيبها الشلل ويعتريها اللهاث فتنقض عليها السمكة وتجرها من ذنبها إلى الزهرة، فتجاهد جهادا عنيفا قد تفلت بعده، وهكذا تتكرر المأساة حتى تخر صريعة فتنطوي عليها قرون الزهرة وتزج بها إلى فيها فتخفيها، ثم تلفظ عظامها بعد بضع ساعات. وهنا أيضا تساعدها السمكة على التقاط الفضلات وإزالتها.

هنا على الأقل مثلان آخران للمعايشة بين زهور البحر والأسماك، ولكننا لم نراقبهما في المرابي. وفي هاتين الحالتين تكون زهرة البحر كبيرة والسمكة صغيرة جدا.

يحمل بعض البشابش على المحارة التي يسكنها عددا من الزهور البحرية تبلغ الخمس أو الست، وتكون عادة من نوع عادي لم يتحور تبعا لهذه العادة كما تحورت الزهرة الأوربية وغير هذه الزهور زهرة غريبة تتميز بقرونها الثلاثية الريشية فتبدو الزهرة كأنها مستعمرة من الزنيا (جنس من الألسيوناريا)، وقد حيرت نماذج محفوظة من هذه الزهرة بيلجيين لتقلصها إلى كتلة لا شكل لها.

أما الألسيوناريا أو المرجان اللين أو ما يسميه البحارة الربلة , فذات بوليبات ثمانية التماثل، ويختلف نموها هنا عنه في المناطق المعتدلة كما يختلف المرجان نفسه، فبينما لا نرى في أوربا إلا (أصابع الموتى) , ' ومروحة البحر الحمراء , ولا يمكن الحصول على الأخيرة إلا بالمجراف من قاع البحر - أما هنا فتوجد الألسيوناريا في كل مكان بكثرة عظيمة وبأشكال متنوعة، منها الكتل اللحمية، ومنها الشجيرات، ومنها النورات والمراوح. وقد حاولنا حفظ القليل منها في المربى فلم يعش إلا واحدة وهذه جنس مشعب لين من عائلة الألسيوناسيا وتختلف عن قرائنها من نفس العائلة في عدة نقط مهمة، فتعيش الأخيرة معرضة على سطح الشعب وتبدو لمن لا عهد له بها كأنها شجيرات من الطحالب السمراء، وترجع سمرة لونها إلى وجود طحالب وحيدة الخلية في أنسجتها لا تعيش إلا معرضة لأشعة الشمس. أما الدندرونفشيا فتعيش بعيدة عن الأنظار في شقوق بين المرجان، ولذلك لا تأوي إليها الطحالب معايشة كبقية أفراد العائلة. ويغلب أن تكون ذات لون قرمزي طريف، ومنها أيضا البرتقالي والأصفر والأبيض والأسمر والأزرق. ولا يعرف عدد أنواع هذا الجنس، إلا أني نجحت في فصل نوعين فقط، بينما لا تزال الأنواع الأخرى تنتظر البحث. ولا يتم ذلك إلا بدراسة الحيوانات الحية، إذ لم ير أحد هذه الحيوانات وهي ناشرة بوليباتها غير من زاروا محطتنا، أو على الأقل ليس بين الصور والأشكال المنشورة ما يوضح هذه الظاهرة. فالشكل يمثلها كما تبدو نهارا، فإذا وضعت في المرابي تمددت إلى ثلاث مرات أو أربع طولا، وتنقص بنفس النسبة عرضا، وتغطى الأفرع الحمراء أو الوردية مئات من البوليبات كما فيوتعيش المستعمرات الصغيرة جيدا (ليس عندنا مكان يتسع لحفظ المستعمرات الكبيرة التي تصل إلى قدم في الارتفاع) وسرعان ما تموت الحيوانات الأخرى التي تنتمي إلى نفس العائلة وتتحول إلى مخاط، ولكنها تعيش معرضة إلى ضوء الشمس يبين جنسا أخر كثير التشعب يدعى يعيش قليلا في المربى ثم تختفي أنسجته الحية ويبني هيكله، وهو جميل في ذاته يستحق العرض ومثل ذلك مروحة البحر التي تعرض في المرابي في أوربا فإنها خداع نظري وليست حية، إنما هي هياكل خاوية. ولعل أفضل ما يروق الزائر من غير الأخصائيين أن يرى مرجان الزينة في المربى، إلا أنه معدوم في البحر الأحمر ولكن المليتودس كوكسينيا تشبهه كثيرا غير أن عودها الصلب المكون من التحام شويكاتها لا يزيد غلظه على نصف الملليمتر. ويبين جزءا منها مكبرا من تحضير شفاف، وقد ظهرت بوليباتها بارزة من غشاء رقيق يتكون من قنوات لحمية دقيقة يحجبها عدد كبير من الشويكات غير الملتحمة. وتحيط هذه القشرة من الشويكات والقنوات اللحمية بعود صلب هو نظيم مرجان الزينة. وتمثل الشويكات في الشكل بأجسام بيضاوية، وترى هيئتها الحقيقية في مكبرة كثيرا. اما البوليبات فمنكمشة قليلا وبقرونها شويكات كالعصى الملتوية. ولا تمكن رؤية هذه التفاصيل إلا إذا قتلت الحيوانات بعد تخديرها بحذق ومهارة وإلا اختفت البوليبات. لهذا السبب لا يمكن وصفها في مئات النماذج من الألسيوناريا التي جلبتها الرحلات العلمية إلى أوربا، ويتوقف على هذه الشويكات وترتيبها أساس تقسيم جنس الدندرو نفشيا إلى أنواعه المختلفة. لذلك كان من ضروريات البحث في الألسيوناريا والمرجان دراسة الحيوانات حية. ولمثل هذا النوع من البحث العلمي أنشئت محطة الأحياء البحرية بالغردقة.

ويوجد لون المليتودس القرمزي في الشويكات كما هو الحال في كثير من الألسيوناريا. وهو ثابت جدا ولا يعرف كنهه إلى الآن، والمرجح أنه يرجع إلى عوامل فيزيائية وكيميائية معا، فيجب أن يتكاتف في دراسته البيلجي والكيميائي والفيزيائي. ومما يزيد في صعوبة البحث أو يقلل منها أننا نجد تحت حجر واحد وتحت ظروف واحدة مستعمرات متشابهة في كل شيء ما عدا اللون، فقد يكون بعضها وردي اللون وبعضها قرمزيا أو أصفر، ولا نجد أي ألوان متوسطة بين تلك كما نجد في مرجان الزينة بين الأبيض والأحمر والوردي.

هذه أغلب أدلتنا التي نجحنا في توفير أسباب الحياة لها في المرابي. إلا أن هنا قليلا من الدخلاء، فلو فرضنا أن مربى وضع في البحر لمدة ستة أشهر لتغطى بطبقة يبلغ غلظها البوصة من قرب البحر والرخويات والأطوم والأشنة البحرية مع عدد من الديدان والبزق. ولعل أمتع شيء النظر إلى أعمدة رصيف ميناء الغردقة إذ تكسوها الدندرونفشيا، ونوعان من مراوح البحر وقرب البحر، والديدان الأنبوبية والأشنة البحرية، وغيرها، فهي إذ ذاك متحف طبعي. وفي المحطات الأخرى حيث ترشح المياه وتخزن لا سبيل لليرقات إلى المرابي، أما عندنا فالباب مفتوح لها على مصراعيه. وفي الأسابيع القليلة التي استعملت فيها المرابي باستمرار نمت لطخ صغيرة من الطحلب الجيري ونوعان من الديدان الأنبوبية وآخران من قرب البحر وواحد من الرخويات ذات المصراعين فلو أن المرابي استعملت عاما مثلا لحصلنا على الشيء الكثير، ولكن قلة النمو في الفترة السابقة تدل على أن الفترة الحرجة في اليرقة وتنتقل إلى حياة اليافع. ذلك الانتقال الذي يتعذر في الطبيعة إلا على واحدة في الألف أو بعض الآلاف، وذلك لقلة الغذاء أو المكان المناسب لنموها.

الغردقة الدكتور كرلس كرسلند

-