مجلة الرسالة/العدد 750/هجرة المختار:
مجلة الرسالة/العدد 750/هجرة المختار:
يا صاحب الحوض المطهر. .
للشاعر محمد هارون الحلو.
هل غير بابك للمؤملى باب ... يا خير من تسمو به الألقابُ
شعت بنورك في البرية آية ... هي في الخلائق سنة وكتاب
كفل الإله لنا بظلك نجوة ... من كل ما يخشى الورى ويهاب
الكوكب الدري في أفق الورى ... هذا النبي، تبارك الوهاب
نزل الأمين عليه يحمل معجزاً ... للمرتجين به هدى وثواب
آي من الكلم الجوامع لم يزل ... للعقل منها منطق وخطاب
فيض من الألق السنى تفرقت ... منه وشائع سحرهن عجاب
ما كان شاعر أمة وقبيلة ... هذا الزكي الطاهر الأواب
بل كان ملهم حكمة وشريعة ... تسمو بها الأخلاق والآداب
بعث النبي وقومه في غمرة ... وحديثهم في المرسلين كذاب
ورثوا عن الاشياخ من أبائهم ... بهتان ما شبوا عليه وشابوا
اللات والعزي وآلهة الهوى ... تسعى لها الأعاناق والذناب
والراي وهو من الفطانة والحجى ... تقضي به الأزلام والأنصاب
والقتل وهو على النفوس محرم ... لم يبق منه الثأر ما هو عاب
والخلف داء في القلوب اصابهم ... في مقتل فغدوا وهم أحزاب
فغدا الرسول عليهم بيقينه ... والحق سيف يمينه وقراب
فأضلهم شيطانهم إذ ردهم ... في غيهم خاب الدعى وخابوا
ما ضر لو تبعوا الهدى من ربهم ... وسعى بهم نحو الفلاح ركاب
قد كذبوه وناهضوه وإنه ... فيهم لينبوع جرى وسحاب
يدعو إلى التوحيد وهو جبلة ... دانت بها وبنورها الألباب
رهانه نور الكتاب مفصلا ... ولهم حجاج خاسر وسباب
أيقر عقل أن تقوم خليفة ... وبطلها تتسابق الأرباب ما غير رب العرش في ملكوته ... بين الخلائق قاهر غلاب
حملوا الأذى عنه وحمل عنهم ... ما يحمل النصراء والأصحاب
يتأمرون عليه وهو مناصح ... أيفيد نصح فيهم وعتاب
ضاقوا بدين الله وهو مبلج ... ضاح يشع ضياؤه الخلاب
نفث الغوى ضلالهم في روعهم ... فغدوا وهم يصول وناب
يتوثبون ودون ما قد قدروا ... للقاء أحمد حاصب وشهاب
داروا ببيت المصطفى وحيالهم ... دون النبي مسالك وشعاب
واستلأموا كي يقتلوه وما غنى ... في البيت إلا الفارس الوثاب
ينتظرون مع الصباح غدوة ... وصباح ليل المشركين ضباب
يا نائماً والروح حارس مهده ... وسيوف مكة من فراشك قاب
خفوا إليك يناوشونك بالأذى ... يا بائس ما خفت له الأعراب
بكروا على ما بيتوا من أمرهم ... وبهم هدير صاخب ووثاب
ويتمتمون بحسرة وفجيعة: ... هذا عليّ دثرته ثياب
وافوا على أمل يقر عيونهم ... وغدوا بخزي الخاسرين وآبوا
ومضى رسول الله يطلب غاية ... يرعاه من ظل الإله جناب
هل يعلمون بأن دون لحاقة ... ووثاقه تتقطع الاسباب!!
ساخت يدا فرس يجد بفارس ... القلب منه واجل هياب
ويد النبي تشير: قف متصاغراً ... يا أيهذا الواغل الطلاب
وسراقة المصروع يهتف بالهدى ... أنت النبي وما يدينك عاب
ولوى العنان وكان أول مؤمن ... حملت عليه وصاولته هضاب
وطوى الرسول البيد وهو على خطأ ... من غار ثور والطريق يباب
أو ما اليه المصطفى بتحية ... فأنهل منه البشر والترحاب
قف بي حيال الغار وقفة خاشع ... فالغار في بطائحه محراب
حشد الملائك حوله مستلئمين وهم لدين المصطفين غضاب
وكأن روح القدس في أجناده ... من حوله أسد العرين وغاب هذا هو الغار المحجب سره ... رف الظلام به فما ينجاب
فيه ونور الحق أبلج مشرق ... دون البصائر ظله ونقاب
لا يستبين القلب منه مظنة ... فيها لسعي الطالبين رغاب
فعشاشة فيها الحمائم فرخت ... وعليه من نسج العناكب باب
صور يحار الفكر في تدبيرها ... عجباً وليس له بهن جواب
الله أكبر ذاك نصر محمد ... ما فيه شك أو به مرتاب
منعته كف الله من أعدائه ... فمضى على التوفيق وهو مهاب
لله درك يا أبا بكر فقد ... شدت بك الأوتاد والأطناب
وبك الشريعة قد توطد ركنها ... وسمت بها في المشرقين قباب
مذ جاءك النبأ العظيم وأنت في ... ظل النبي السائح الجواب
تفدى وتبذل عن يقي صادق ... لم يثن عزمك شدة وصعاب
في الغار كنت المفتدى خير الورى ... والقلب ظام والنفوس جداب
حين ابتليت بواثب متربص ... والسم منه تفحه الأنياب
والمصطفى حان عليك مطبب ... والجرح بلسمه الطهور لعاب
علمتنا معنى الوفاء ولم يزل ... لك في وفاء الصادقين كتاب
هذا الخضم أما له من شاطئ ... يا رب ترسو عنده الآراب
فالليل داج والمسالك وعرة ... فيها بروع الماخرات عباب
والمرفأ المأمول منه محجب ... ووراء عين الناظرين سراب
لولا هدى المولى تبارك وجهه ... ما لاح نجم أو أضاء شهاب
فسفينة الملاح يهدى سعيها ... صوت من الله العلي مجاب
الروح حاديها إلى شط السلا - م فكيف يستبق الخطأ جواب؟
هذي مشارف يثرب أئتلقت وأشـ ... رق بينها للصاحبين رحاب
وسرت مع الصبح المنور نفحة ... تهفو بها النسمات وهي عذاب
وغدا النبي ووجهه متهلل ... جذل فغمره ليلة تنجاب
ومواكب البشرى تحف ركابه ... وبها قلوب بالنشيد طراب ونجيبة المختار يحدو خطوها ... بين الهتاف الصحب والأحباب
ويرف حول المصطفى نسم وظل ... (م) فيه من مسك الربى أطياب
فالسهل بلله الندى برضانه ... وسقاه فهو منضر معشاب
والنخل ذو الأكمام مال مصفقا ... وله أكف زانهن خضاب
وترى الجحافل والكتائب بالسيو - ف تشابكت منها عليه قباب
والطير باللحن الشجي تسابقت ... منها لترجيع الهوى أسراب
عرس به غدت المدينة مشهداً ... عجباً تهيم بسحره الألباب
يا قدس هذا اليوم يوم محمد ... فيه تجلى الواحد التواب
هي هجرة ميمونة لجلالها ... ذات كواهل في الورى ورقاب
يا صاحب الحوض المطهر هل إلى ... ظام بحبك نفحة وشراب؟
ورد الهوى لو يستباح لظامئ ... لذ المدام ورقت الأكواب
أنا من يغالبه الهوى وله به ... روح وريحان ند وملاب
نهواك نهوى في حماك مثوبة ... والأمن في يوم يقوم حساب
لي منك يا جد الحسين شفاعة ... ترجى إذا غشى النفوس عذاب
في يوم تصطفى الجوانح خشية ... ويشف عن كشف الغيوب حجاب
صلى عليك الله جل جلاله ... ما أنهل بالعذب النمير سحاب
محمد هارون الحلو