انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 75/العلوم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 75/العلوم

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 12 - 1934



في تاريخ الرياضيات

للأستاذ محمد محمد السيد

للأستاذ قدري طوقان آثار مشكورة في الإبانة عن فضل العرب في الرياضيات والعلوم، ومقاله الأخير في الرسالة يكشف عن بعض آثر العرب في تلك الناحية. إلا أنه يلوح لي أن حرصه على إنصاف العرب يكاد يدفع به إلى إسناد الفضل لغير أهله، خذ مثلاً حساب التفاضل والتكامل. فالمعروف في تاريخ الرياضيات أن يودكسوس (حوالي 400ق م) وأرشميدس (حوالي 250ق م) وغيرهما كانوا سباقين في استعمال طرق تقرب من طرق التكامل في إيجاد المساحات والحجوم. فأرشميدس مثلاً أعطى مساحة أي قطعة من قطع مكافئ وأوجد مركز الثقل لصفائح ذات أشكال مختلفة. . الخ وفي كتابه نسب إلى ديمقراطيس (حوالي 450ق م) بأنه أول رياضي قرر المعادلة الصحيحة لحجم الهرم أو المخروط بتقسيم كل إلى شرائح صغيرة

فإذا كان بعض مؤلفي العرب قد نسجوا على منوال رياضي اليونان في حل مسائل عن المساحات والحجوم، فهم لا يستحقون لذلك فضل المبتكر. لو أن فضلهم في الدرس والمثابرة مشكور غير منكور على كل حال

ومثل ذلك يقال عن دوران الأرض. فقد أبان الأستاذ بحق أن الفكرة قديمة. فقد تنازعها كثيرون من أعلام اليونان تأييداً وتفنيداً. فإذا ظهر من العرب من يأخذ بها أو من ينكرها، ففضله في ذلك لا يعدو فضل الحكم يختار من بين الآراء المختلفة أحدهما بدون أن يأتي بجديد من الحيثيات مؤيداً أو مفنداً

جاء في تاريخ الرياضيات لبول أن أحد كتاب العرب في الأندلس ويدعى (؟) (عاش في طليطلة حوالي 1080م) قال بحركة الكواكب في قطع ناقص. ولكن معاصريه أنكروا قوله لمخالفته لبطليموس. ومن المعلوم أن يوحنا كبلر هو الذي توطد على يديه هذا الرأي حوالي 1600م، ولكنه لم يشهر رأيه ولم يقتنع به ولم يدافع عنه إلا بعد مشاهدات وأبحاث استغرقت أعواماً عديدة. ولا شك أن فضل كشف هذه الحقيقة يجب أن يستأثر به كبلر وحده دون غيره. في الرأي نفسه عار عما يعززه، لا يقدم ولا يؤخر في العلم. ولكن المشاهدات والأدلة هي التي يقوم عليها الاقتناع والإقناع

ومن المشهور في كتب الرياضيات والعلوم أن جهد اليونان ثم العرب في العلوم الرياضية كان مقصوراً على الجانب النظري. ولم يكن للتجربة والمشاهدة أثر فعال في كسب المعلومات إلا بعد عصر الأحياء في أواسط أوربا. صحيح أن آثر العرب لا ينكر في الكيمياء والطب. ولكن تجاربهم في الفيزياء والرياضة التطبيقية نادرة. وحتى هذا النادر مختف في طيات الكتب القديمة ينتظر كولمبس جديداً لكشفه

ولذلك قرأت بشغف ما كتبه الأستاذ خاصاً بالجاذبية، ومن أن العرب أخذوا فكرة الجذب عن اليونان (وزادوا عليها ووضعوا بعض القوانين بسقوط الأجسام)، فإذا كان العرب قد وضعوا حقاً بعض القوانين لسقوط الأجسام، فمعنى هذا أنهم سبقوا في ذلك غاليلو وتجربته الشهيرة التي أجراها من برج بيزا. والتي يقول علماء التاريخ بأهميتها في القضاء نهائياً على ما قال به اليونان من اختلاف سرعة سقوط الأجسام الثقيلة عن الخفيفة. فإذا كانت هناك تجارب في هذا الشأن أجراها علماء العرب فتفصيلها يضيف زيادة ذات بال إلى المعروف المشهور عن فضلهم على العلوم والمعارف. ولعل الأستاذ يدلي بما وصل إليه علمه في هذا الشأن ومثل ذلك يقال عما جاء في مقال الأستاذ عن (أبن حمزة المغربي) واستعماله في بحوثه عن المتواليات الهندسية طرقاً تقرب من اللوغارتمات فمن المفيد نشر فضل هذا الباحث وآثاره في هذه الناحية بالتفصيل خدمة التاريخ.

في المقال النفيس الذي ظهر في العدد التالي من الرسالة فصل الأستاذ المبارك آثر العرب في الرياضيات، ولكن فضل العرب في الجبر يحتاج بعض الإبانة

فقد ذكر الأستاذ أن العرب لم يستعملوا رموزاً حرفية في معادلاتهم الجبرية، وإنما استعملوا كلمات بأجمعها دون اختصار، ولعل الأستاذ قصد الخوارزمي دون غيره في هذه الفقرة. وإلا فمن المؤلفين العرب من استعمل الرموز كما تستعمل في الجبر اليوم. ففي مؤلف للقاصدي (توفي سنة 1486م أو 1477م). عنوانه (كشف الستار عن علم الغبار) كان يستعمل في المعادلات الجبرية الرمز (س) للمجهول (أول كلمة شيء) والرمز (م) (لربما كان أول كلمة مال) لمربعه، والرمز (ربما كان الكاف أي مثل) لعلامة التساوي. فمثلاً المعادلة 63 يقصد بها 3س2=12س + 63

كذلك جاء في هذا المؤلف أيضاً استعمال الرمز (جـ) (أول كلمة جذر) علامة الجذر التربيعي فكان يكتب ويقصد بها الجذر التربيعي للعدد 48

ولا شك أن هذا الاستعمال، إن صح، يعزز الأصل العربي للاصطلاح المذكور وهو ما ينكره الأستاذ المبارك

أما حل العرب لمعادلات الدرجة الثانية جبرياً فلا فضل لهم فيه، فقد سبقهم فقد سبقهم ديوفانتس والهنود في ذلك. ولكن يرجح أنهم اقتبسوا حلهم من الهنود. إذ لم تكن أعمال ديوفانتس قد وصلت إلى علمهم بعد

ولكن العرب أضافوا حلولاً هندسية لمعادلات الدرجة الثانية من ابتكارهم. كذلك فعلوا في معادلات الدرجة الثالثة إذ أعطى كل من المهني (؟) وأبي جعفر الخازن وأبي الجود وعمر الخيام حلولاً هندسية لمعادلات الدرجة الثالثة وقد حل عمر الخيام معادلات من الدرجة الثالثة من الصور الآتية

س3 + ب2 س=ب2 جـ

، س3 + أس2=جـ3

، س3 + أس2 + ب2 س=ب2 جـ حيث أ، ب، جـ أعداد صحيحة موجبة.

وحل أيضاً المعادلة من الدرجة الرابعة الآتية

(100 - س2) (10 - س) 2=8100

وكذلك أعطى ثابت بن قرة حلاً هندسياً لبعض صور معادلات الدرجة الثالثة (وهو في هذا يسبق عمر الخيام)

وقد يكون من المفيد أن ألفت نظر الأستاذ فيما يختص بإشارة الناقص التي تستعمل للطرح إلى أصل محتمل لها وهو (النقطة التي كان يستعملها الهنود ويضعونها فوق الكميات المطروحة. وقد تكون علامة ناقص من الشرطة التي كانت توضع فوق الكتابات القديمة دليل ضياع أحرف منها. . .).

طنطا

محمد محمد السيد مدرس