انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 743/ورثة فلسطين:

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 743/ورثة فلسطين:

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1947



حجج تاريخية

للأستاذ نقولا الحداد

استأذن حضرة الدكتور جواد علي أن أعلق شيئاً على مقاله القيم في عدد 15 سبتمبر من الرسالة تعليقاً يضيف حججاً إلى الحجج التاريخية ضد ميراث اليهود من فلسطين.

ذكر حضرة الدكتور (أن أسفار التوراة الخمسة الأولى المنسوبة لموسى نزلت على موسى إذ لم يكن موسى قد دخل فلسطين أي أنها نزلت خارج الأرض المقدسة). طبعاً لان موسى لم يدخل الأرض المقدسة أرض الميعاد مع شعبه الإسرائيليين الخارجين من أرض مصر. بل مات وهو يشرف على تلك الأرض التي تدر لبناً وعسلا ولم يدخلها مع شعبه لأن الله أبى عليه دخولها لذنب أتاه.

والحقيقة أن موسى لم يكتب حرفاً واحداً من هذه الأسفار الخمسة وإن كانت تنسب إليه. بل كتبت بعد رجوع بني إسرائيل من سبي السبعين سنة في بابل. فقد سباهم نبوخذ ناصر سبياً جارفاً سنة 586 قبل المسيح. فبقوا في بابل سبعين سنة واطلع حكماؤهم الأسلاف والخلفاء منهم على أساطير أشور وبابل وشرائع البابليين والآشوريين ولا سيما شريعة حمورابي العربي الذي فتح ما بين النهرين وحكمه هو وخلفاؤه نحو قرن من الزمن.

ولما فتح كورش الفارسي ما بين النهرين أطلق سراح اليهود فعادوا إلى البلاد التي سُبوا منها وشرع حكماؤهم (حاخاماتهم) يكتبون تاريخ قومهم وأساطيرهم وشرائعهم ممتزجة بأساطير بابل وأشور بل ممسوخة منها. وإذا قارنت الشريعتين الحمورابية والإسرائيلية كما هي في سفر تثنية الاشتراع لا تجد إلا فرقاً قليلا بينهما.

وكان موسى قد خرج بشعبه من أرض مصر سنة 1250 قبل المسيح فبين الخروج من مصر والعودة من سبي بابل نحو 734 سنة. وفي هذه الأثناء لم يكتب حرف واحد من التوراة لأن الكتابة الهجائية لم يكن الفينيقيون قد استنبطوها بعد أو أنها لم تكن قد شاعت في اللغات السامية أو الآرامية بل كانت الكتابة السامية مقصورة على رسوم الأشياء المراد التعبير عنها كرسم رجل للرجل والعين للعين. وهذه الكتابة مقتصرة على النقش في الألواح الحجرية أو الآجر المشوى وهذه لا تحتمل كتابات التواريخ والشرائع المطولة.

وإذا طالعنا أساطير البابليين وتاريخهم القدير وجدنا تشابهاً كلياً بين تلك الأساطير وقصة التكوين في التوراة وقصة الطوفان وغيرهما، الأمر الذي يؤكد لنا أن حكماء اليهود اقتبسوا كثيراً من البابليين وزجوه فيما كان أسلافهم يتناقلونه من تاريخهم وأساطيرهم. حتى أن قصة الخليفة في سفر التكوين واردة مرتين متواليتين في الأصحاحين الأولين بأسلوبين مختلفين الأمر الذي يدل على أنهما أُخذا من مصدرين مختلفين.

هذا من حيث نزول الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى. وما نسبت إليه إلا لأنه كان زعيم القوم الأكبر الذي قادهم من أرض مصر في برية سينا نحو 40 سنة إلى أرض كنعان حيث كان يمنيهم بأسلاب الكنعانيين وبطردهم من بلادهم وامتلاك أرضهم وماشيتهم وأثاثهم كما عَّلم الإسرائيليات قبل الخروج من مصر أن يستلفوا حِليَّ المصريات قبل الهرب. كذا كانت تعاليم موسى لشعبه - أنه يحل لهم مال كل أجنبي عنهم لأنهم شعب الله الخاص حسب تعليمه.

أما أن اليهود ورثة فلسطين فمسالة لا تحتاج إلى كثير تحقيق فإن مجموع ما أقامه اليهود في المنطقة التي كانت قديماً تسمى فلسطين (وهي القسم الغربي من جنوبي فلسطين الحديثة) لم يزد عن ثلاثة قرون. وفيما سوى ذلك كانوا مشردين في الشرق والغرب بسبب فتوحات الدول المحيطة بهم من كل ناحية. وقد هاجر بعضهم عن طريق آسيا الصغرى إلى أوروبا وبعضهم هاجروا عن طريق البحر الأبيض المتوسط إلى نواح مختلفة.

وتغلغلوا في أوروبا التي كانت في تلك الأزمان وثنية تعبد الأصنام المنحوتة. فلما اختلطوا بأولئك الأقوام وعرَّفوهم بديانتهم رأي عقلاء الوثنيين وحكماؤهم أن ديانة اليهود معقولة أكثر جداً من ديانتهم لأنهم فهموا أن إله اليهود شخصية حية غير منظورة وليس صنما منحوتاً من جمادهم ينحتونه. فتهوَّد كثير منهم في جميع أنحاء أوروبا وغربي آسيا. ولما جاءت النصرانية اكتسحت الوثنية ولم تكتسح اليهودية اكتساحاً مطلقاً لأنها مستندة إلى نبوآتها.

فجميع اليهود الذين في أوروبا وغربي آسيا هم من السلالات الآرية وليس فيهم قطرة من السلالات السامية. هم آريون أكثر من هتلر وكان بولس الرسول مؤسس النصرانية يهودياً إغريقياً من أثينا. يدل على آريتهم بياض بشرتهم الناصع وصفرة شعورهم وزرقة عيونهم خلافاً للساميين الممتازين بسمرتهم وسواد أحداقهم وسواد شعورهم. فما يهود أوروبا من ورثة فلسطين بتاتاً.

أما ورثة فلسطين القديمة والحديثة الحقيقيون فهم سكانها الحاليون الذين كان بعضهم يهوداً والكنعانيون والحيثيون والجزريون والفلسطينيون القدماء والصيدونيون وغيرهم من عبدة البعل، فلما جاءت النصرانية تنصر معظمهم من يهود ووثنيين. ثم جاء الإسلام فأسلم معظمهم واستعربوا كلهم. هؤلاء المقيمون الآن في فلسطين الحديثة هم أهلها وورثتها. وأما اليهود المهاجرون من أوربا وغيرها إلى فلسطين الكبرى التي نشأت من بعد الحرب الكبرى الماضية فليس لهم قلامة ظفر فيها. هم غرباء عنها ودخلاء فيها.

وقد استدل علماء اليهود من التوراة والتلمود أنهم لا يمكن أن يرجعوا إلى أرض آبائهم ما لم يجدوا تابوت العهد المفقود.

ذلك أنه لما غزا نبوخذ ناصر أورشليم أسرع أشعيا وأخذ جميع محتويات الهيكل وخبأها في بعض مغاور جبل نبو جنوبي أورشليم وكل تابوت المهد أهم تلك الكنوز لأنه يحتوي على اللوحين الحجريين اللذين كتب الله أو بالأحرى يهوه رب الجنود (كما تسميه التوراة) وصاياه العشر بإصبعه.

ولذلك جاءت بعثة أثرية يهودية من أميركا بعد الحرب السابقة إلى فلسطين وجعلت تنقب في مغاور جبال بنو عسى أن تعثر على تابوت العهد الذي لو وجدوه لكان أعظم أثر تاريخي. ولكنهم بعد تنقيب طويل شاق لم يجدوه فيئسوا وعادوا بخفي حنين. لذلك لا يحق لهم أن يعودوا إلى أورشليم لأنهم لم يحققوا وعد التلمود أو التوراة. ولن يعودوا.

ليتهم وجدوا ذلك التابوت لكنا نتمتع برؤية خط الله على اللوحين الحجريين وآثار إصبعه الكريمة. . . وكنا نعرف بأي حرف كان الله يكتب. . وأية لغة كان يهوه رب الجنود يكلم موسى أبالعبرية كما يدعى اليهود أم بالسريانية كما يدعى بعض النصارى - حقاً إنه لأثر تاريخي عظيم. لو وجد!

نقولا الحداد