انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 742/قولوا استعدوا ولا تقولوا اتحدوا!

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 742/قولوا استعدوا ولا تقولوا اتحدوا!

مجلة الرسالة - العدد 742
قولوا استعدوا ولا تقولوا اتحدوا!
ملاحظات: بتاريخ: 22 - 09 - 1947


يسيء إلى كرامة مصر من يزعمون أن فيها اليوم جماعةً وفُرقة، ثم يحاولون أن يجمعوا المتفرق ويضموا الشتيت بدعاء داع أو سعى ساع أو إذاعة مذيع!

إن في هذا الزعم اتهاماً لبعض قومنا بالعقوق وقذفناً لهم بالخيانة.

ولا يجوز في الطبع ولا في الشرع أن نفترض الجريمة ثم نرتب على افتراضها ما نرتب على الأمر الواقع. قولوا استعدوا وانظروا يوم الاستعداد من يتلكأ. وقولوا انفروا وانظروا بعد النفير من يتخلف! أمَّا أَن تقولوا اتحدوا وائتلفوا وسووا الصفوف، ثم تنتظروا أن يقبّل زيد رأس عمرو، ويرد عمرو قُبلة زيد، فذلك هو الهزل في مقام الجد، والعبث في موقف الخطورة!

ليست الأحزاب السبعة أو الثمانية هم جميع الأمة؛ وليست الزعماء التسعة أو العشرة هم كل القادة؛ وليست الأمة بأضعف غريزة من النحل التي تدفع عن بيوتها الزنابيرَ؛ فكيف تنتظر أن يقول لها هذا الحزب أو ذاك الزعيم دافعي عن أرضك التي منها تأكلين، وعن مائك الذي منه تشربين؟!

هذا يوم الفصل بين الاحتلال والاستقلال أو بين العبودية والحرية؛ فمن تخلف فيه أو خَزَّل عنه قوتل مقاتلة العدو، أو عومل معاملة المريض!

هذا يوم جهاد البغي والجور والاستعمار؛ فمن لم يكن لنا فيه فهو علينا؛ ومن لم يقم للدفاع معنا فليس منا. والخارج علينا لغُلول في نفسه، والمتخلف عنا لنكول في طبعه، لا يردهما إلى الطريق قول معروف ولا عذل منكر

اقرعوا الطبول يا دعاة الجهاد تجدوا الأمة برجالها ونسائها أمامكم، تضمر في قلبوها الضغينة، وتظهر في أيديها القوة، لتجرد عدو الله وعدوكم من الباطل هنا، كما جرده النقراشي من الحق هناك!

إن الذين يظهرون الأمة في هذا المظهر الكاذب من الشقاق والافتراق والتخاذل فريق من الكتاب والساسة، يقولون فنسمع، ويكتبون فنقرأ، حتى إذا اقتربت الساعة وجدَّ الجد وحق الجهاد رأيت الأمة صحيحة الكيان قوية البنيان سليمة الوجدان، لا تطيع غير رجل واحد هو القائد، ولا تعرف غير عدو واحد هو الإنجليز!

قولوا استعدوا ولا تقولوا اتحدوا؛ فإن الأمر بالاتحاد يتضمن اعترافاً بالتفرق؛ وفي ذلك تزييف للحقيقة، وإيهان للعزيمة، وإغراء للعدو!

إن من يزعم أن في الأمة المصرية تفرقاً لأن صاحب العزة رئيس التحرير، أو صاحب السعادة رئيس الحزب، يريد أن يعارض ليضمن نقوده، أو يخالف ليثبت وجوده، كمن يزعم أن في الجامعة العربية تصدعاً لأن صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله يريد أن يشرك سورية في صداقته لبريطانيا ليرتفع عرشه شبرين، ويتسع تاجه إصبعين! كِلا الزاعمين ينكر الأمتين المصرية والأردنية، ولا يزال يقول كما قال الأقدمون: إن أهواء السادة هي مصالح الأمة، وإن إرادة الملوك هي شرائع الممالك!

لا يا سادة، قولوا استعدوا ولا تقولوا اتحدوا، فإن الاتحاد قائم بإرادة الأمة؛ وإن النصر مكفول بمشيئة الله!

احمد حسن الزيات