انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 734/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 734/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 07 - 1947



طرائف:

قرأت نقدا أو تعليقا أو تصويبا أو أي شيء آخر عن كتابي (طرائف). وما كنت أحب أن أتناول الموضوع من جديد. غير أنه يحلو لي أن أشكر (الذي فكر في أن يصفني بالكاتب الصحفي) على هذا الوصف الجميل ثم أقول: (أن الكتاب كله (سخائف) ما في ذلك شك. والأسخف منه أن يمضي الكاتب في قراءة (سخائف) ويقيني أنه وهو الرجل الفاضل المتدين المتفقه في اللغة ما كان يجدر به أن يحمل نفسه عناء القراءة ثم الكتابة لو كان لديه (فسحة) من الفضل والأدب والدين.

فالمفكر العميق لا يمضي في قراءة البسائط. ورجل الدين المتعلق بإذا بليتم فاستتروا، ليس له أن يقف أما أبواب الحانات وأن يتسكع مع (الثقاة) و (السعادة) و (البغاة) وإنما عليه أن يمر باللغو كريما. وقد همس الدين بإذنه هذه الهمسة للطيفة الطيبة

وليس أسمي (محمدا) وإنما أسمي محمود فلعل في هذا التصويب ما يطمئن على أن اسم محمد من الفضل بحيث لا يقع في أمور اشمأز لها الناقد أو المعلق أو المصوب أو الشيء الآخر.

وماذا افعل - وقد ازدحمت أخطاء المطبعة - مع ما أنا عليه من أخطاء، وتكاتفت كلها متعاونة متآزرة حتى ظهر الكتاب على هذا النحو من السخف وضلال الرأي وقلة الحيلة.

والكتاب فيه أكثر من مائة وعشرين صفحة. لم يقع أخو القلم إلا على (غلطة) قد تكون صحيحة منى أو مطبعية من العمال ولكنها واحدة لي لا علي. وأحب أن أقول له أنني (بالذات) قد أحصيت أكثر من ألف غلطة بعد أن طبع الكتاب، فلو أراد صديق الرغبة في النقد إلى آخره أن يقف على هذا العدد فأنا على استعداد لأضع إصبعه عليها عندما يريد.

محمد صاحب الرسالة (عليه السلام) لا محمد صاحب السخائف (عليه اللعنة) كان رقيق العاطفة، واسع الفكر، كريم الملاحظة، وكأن في يده السف يستطيع أن يضرب به عنق من يخرج على أصول الدين، ولكن الذي أدبه ربه فاحسن تأديبه كان يتناول الأمور بما هو عليه من رقيق العاطفة وواسع الفكر، وكريم الملاحظة، فكأن يعالج هذه الأمور بروح عالية، روح العالم بالآداب والأخلاق وما انطبعت عليه النفوس من خصائص ومميزات.

أما محمد صاحب (السخائف) كما أرادته دار المعارف فلا يخرج عن كونه بشرا، له من الأخطاء في السلوك والمعاملة، وفي اللغة والأدب ما يجعله دائما بشرا، لا ملاكا ولا قريبا من ملاك. وكنت أحب أن أكون فنانا، أو مفتنا حتى اشكره على حسن الظن بأن يعقد مقارنة في الهواء بين الفن، وبين سخائف ولكن شاء القدر أن يسلبني كل شيء حتى صحيح الاسم. ولذلك قصة لا تخلو من السخافة كنت أود أن أرسلها على صفحات الرسالة. ولكن ما العمل وكتاب الرسالة خطباء منابر، ورجال دين وفقه وعلم لا ينفع معهم ارتفاع صوت مدني سخيف اسمه:

محمود العزب موسى

ما جرى من أرى:

من الظواهر الطبيعية في مصر أن المحسن لا يجيد من يقول له متطوعا (أحسنت) بينما يجد المسيء فورا من يقول له (أسأت) وهي ظاهرة لا تشجع على الإحسان، لولا أن المحسنين يستمدون الشجاعة من أنفسهم ويرون دليل إحسانهم أن أحدا لم يقل لهم أسأتم.

لبثت أربعين عاماً أقول الشعر في مصر لم اظفر خلالها بمن تبرع بتسجيل إحسان لي في صحيفة، حتى كدت احسبني مسيئا لولا إيماني بتلك الظاهرة، ولولا أن المجمع اللغوي سجل لي هذا الإحسان.

واليوم، حين يتوهم مني الخطا، اسمع كلمة (أخطأت) سريعة مجلجلة. ولا خطأ هناك، وإنما سقطت كلمة (أرى) من هذه الجملة (وما أرى الضمير الثاني إلا ضميراً قلقاً نابياً) فقرأت (وما الضمير الثاني إلا ضميرا قلقا نابيا) والصواب في الحالة الثانية رفع الضمير كما قال الأستاذ (ع) ولكن ما حيلتي ولم أكن أقدر أن ستسقط (أرى) فيجري منها ما جرى؟؟

وسائر الغلطات النحوية التي تقع في عبارات الكتاب في الصحف مردها إلى وجه كهذا الوجه والأصل فيها صواب الكتاب لأن قواعد النحو ميسرة للجميع.

على أني كنت بسبيل أن اشكر للأستاذ (ع) تصويبه، فهو وأن لم يفدني فقد يفيد غيري لولا غمزة خبأها الأستاذ في قوله أنه ما عمد إلى تصحيح كلامي إلا لأني حريص على تصحيح كلام الناس.

أما تصحيحه كلامي فقد بينت نصيبه منه، وأما تصحيحه كلام الناس فذلك ما لا اعرف لي منه نصيبا فقد ظللت طول حياتي الأدبية منصرفا إلى شعري وحده بعيدا عن المجادلات والمساجلات التي هي سبيل الشهرة في مصر وأنا ازهد الناس فيها وما أثرت اليوم موضوع (الضمير القلق) لأخطئ به شخصيا بعينه ولكن لا تعرف مع القراء وجه الصواب فيه. .

محمود عماد

أفي مصر أيضا. . .!؟

لقد قرأت في العدد 731 من الرسالة الغراء كلمة للأستاذ الخفيف سطرتها براعته السيالة من وراء منظاره الذي حمله وأخذ يطوف به بين مجاهل حياتنا الاجتماعية باحثا مستقصيا عن جراثيم أمراضنا الاجتماعية، إلى أن هداه بحثه واستقصاؤه إلى مرض خطير ألا وهو مرض الجنون بالألقاب والرتب.

نعم لقد أقبلت على قراءة كلمة (يا خسارة) بشرهة ونهم كعادتي في تتبع إنتاج الأستاذ الخفيف ولا سيما من وراء المنظار - وما أن انتهيت من قراءة الكلمة حتى شعرت بوخزات الأسى والألم تحز في نفسي، وقلت سائلا مستفهما أفي مصر أيضا ينظر إلى المعلم الإلزامي تلك النظرة المزرية لأنه معدوم السلطان ولأنه لا يحمل لقبا من تلك الألقاب البالية. .!؟

أفي هذا المجلس الذي يضم القاضي والمحامي والأستاذ والنائب والكاتب والشاعر والصحفي هؤلاء النخبة الممتازة من سواد الأمة ومثقفيها يزدري المعلم الإلزامي ويضحك منه ويزور عنه رغم علمه وثقافته وسعة اطلاعه التي قرها له الجميع. . لا لسبب إلا أنه معلم إلزامي!! قلت في نفسي (يا خسارة) أن تكون في مصر مثل هذه المجالس. . (ويا خسارتين) أن يكون الجالسون فيها أمثال أولئك الذين فتنوا بزيف الألقاب والرتب. .!

البصرة - عراق

أحمد سالم الفرج ما زال الضمير مطمئنا:

في العدد الأسبق من الرسالة الغراء لم يقنع الأستاذ محمود عماد ما سقته من القرآن الكريم دليلا ناهضا على أن تكرير الضمير المفيد للملكية صحيح، وأنه يراد به مع ذلك القصر، أو التقرير كما في قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين) وقول المصريين: (هذه المسالة لها أهميتها) ولجأ في رده إلى أن هناك فارقا بين الآية التي أوردتها والمثال العصري؛ إذ في المثال العصري يسبق الضمير صفة والآية ليست كذلك؛ فإن كان، ولا بد من إصابة الهدف فما على المرشد أو المجيب إلا أن يتوخى ذلك، ولا يتعداه؛ إذ له أهميته؛ وعلى هذا فما زال الضمير العصري قلقا، وخاصة أن الآية تقيد القصر بعد الملكية، والمثال العصري يفيد الملكية الخاصة وهي تطابق القصر أو التقرير والتفرقة بين الآية والمثال دعوى لا دليل عليها.

وتوضيحا للمقام نود أن نعرض على الأستاذ ما فيه المقنع، وها نحن نفتح المصحف في المرة الأولى فنقع على هذه الآية في سورة البقرة: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم) وفيها ما سنشده السائل: أي تلك أمة قد مضت لها كسبها، ولكم كسبكم؛ إذ أن ما مع الفعل يؤولان بمصدر. ونفتحه مرة ثانية فتصادفنا هذه الآية من السورة عينها: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، ونعيده مرة ثالثة فتطالعنا هذه الآية من سورة الشورى: (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا عمالنا ولكم أعمالكم، لا حجة بيننا وبينكم، الله يجمع بيننا وإليه المصير) وهنا أتوهم أن الأستاذ سيعيد ما سبق أن قاله: من أن المراد من المثال الوصف، وليسمح لي أن أقول له: إن هذا يعد تحكما ولا أدل على هذا من أننا لو قلنا: (هذه المسالة لها أهميتها) على سبيل التعريف لظلت المسالة بالوصف ليس وراءه كبير فائدة، وإنما الذي يتمسك به هنا هو تكرير ضميرين: كلاهما يفيد الملكية وأحدهما ليس له فائدة في رأيك وذا - في الواقع - هو محل النزاع بدليل ما عللت به في العدد 730 من الرسالة.

على أن أمثلتك التي أوردتها اتفق للضمير وما يليه أن يقع صفة؛ وأنت لو أوردتها على أن يكون الضمير وما يليه خبرا لما كان هناك باس وبهذا وضح لنا أن التمسك بالوصف لا يجدي.

وإلى هنا صارت الأمثلة على اختلافها تتفق والآيات القرآنية السابقة، واللاحقة ومفادها كما قلت هو: القصر، أو التقرير؛ فعندما نقول: (هذه المسالة لها أهميتها، أو هذه مسالة لها أهميتها) أو يقول القرآن الكريم: (فلهم أجرهم) إنما يراد أن هذه المسألة بالذات أو المعينة في ذهن القائل مختصة وحدها بأهميتها، وكذلك اجر المنفقين بالليل والنهار سرا وعلانية، والمعلومين عند الله. . مقصور عليهم لا يتعداهم إلى غيرهم، ولعلنا إن نكون قد وفينا المقام حقه، وفي هذا القدر كفاية.

محمد غنيم

إلى الأستاذ محمود الخفيف:

كأن قارئا للقرآن يطوف بالبيوت وكأن له من وراء ذلك اجر فكأنما سدت في وجهه أبواب العمل فلم يجد إلا هذا رزقه الله ولدين وبنتا، فعلم الأكبر ما استطاعت ذات يده أن تمده حتى حاز كفاءة التعليم الأولى وعين مدرسا بالمدارس الإلزامية كان يضع فيه أمله في المستقبل ليكون عونا له ولزوجته وولده الثاني وابنته - على عادية الزمن.

زوجه وأنفق في سبيل كل ما يملك، ولكنه للأسف لم يعش طويلا إذ سرعان ما مات كمدا واسى فقد هجره ولده بعروسه وتنكر له يا ترى هل خلت الدنيا من الوفاء حتى بين الولد ووالده؟

واليوم سمعت الابن الأصغر - وهو لم يتعد الثانية عشرة من عمره - يقرأ القرآن في بيت بجوارنا حتى يستطيع أن يعين والدته وأخته على الحياة بذلك القليل الذي يجود عليه به الناس.

هذا طالب قوت بالريف وليست القاهرة وحدها المليئة بهم فما أحوج الريف إلى نظرة من منظارك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(أجا) محمد محمد حسن الديب

نشيد فلسطين أيضا:

إلى الأستاذ إبراهيم عبد الستار:

لست أنكر شاعرية الأستاذ محمد حسن علاء الدين، ونشيده الذي نشرته (الوحدة) الغراء، لا شك في قوته، ولكنه لم يلحن، ولم ينشد، ولم تقره لجنة مسئولة فليس يكفي أن يشهد له أديب أو أن تقدمه جريدة وإنما المعروف في مثل هذا الموقف أن يعلن عن مسابقة في الموضوع ثم تؤلف لجنة من أعلام الأدب للنظر في الأمر تقرر النتيجة على مسئوليتها هي، لا على مسئولية شخص أو صحيفة.

أما أن في كتابكم (شعراء فلسطين العربية في ثورتها القومية) غير نشيد واحد فليس كافيا، لأن هذه الأناشيد محلية، وليس فيها واحد يردده جميع أبناء القطر، فكيف يكون أحدهما نشيدنا القومي المنشود؟!

وأما أنني اجهل الكثير عن الموضوع - كما حكمتم - بدليل أن في كتابكم المذكور غير نشيد واحد فأمر يتوقف على شهرة الكتاب إلى حد بعيد. . .

وأخيراً أرجو أن تطمئنوا إلى أن لا خطر من الصورة الأدبية التي ارسمها للأقطار الشقيق - لا الشقيقة كما كتبتم؛ إذ أن هذه الأقطار أعضاء في جسم الوطن العربي الكبير الذي اصبح بلدنا موضع الخطر فيه، وليس عربي عن أخيه بغريب!

(البقية - عكا)

حنا فارس مخول