مجلة الرسالة/العدد 732/في سيدي بشر
مجلة الرسالة/العدد 732/في سيدي بشر
للأستاذ خليل شيبوب
سلوتُ أحلامي وآمالي ... فأكسبتني راحةَ السالي
وحينما عدتُ إلى العقل لم ... أجد بديَل الحال من حالي
ما قيمةُ العقل أراني به ... أهتاجُ بالتفكير بلبالي
إن الورى حربٌ على جانح ... كما يريدون إلى السَّلْم
كلاُمهم أسخفُ من صمتهم ... يجري على أَلسنةٍ عجْم
هذا وذا ويلٌ أَلا إنهم ... كالبَبَّغَاوات بلا فهْمِ
يا خلجات الصدر طال الأسى ... وطال هذا الدقُّ في صدري
إن كنتِ آليتِ لتحصينَ لي ... عمري لقد أَفسدتِ لي عمري
فعلتِ في صِدريَ بِالدقّ ما ... تفعله القطرةُ في الصخر
نزلتُ سيدي بشر مستشفياً ... مما بصدري من أَسىً نازِل
في جنة صَّيرتُها عُزْلةً ... ليس بها غيريَ من آهلِ
طريدةُ الجناتِ يثوى بها ... طريدُ هَمّ لازبٍ قاتِل
ينعشها البحرُ بأنسامِه ... تهبُّ والشاطئ منها بعيدْ
هنالك الأقوامُ قد آثروا ... عيشَ اصطهاب وزحامٍ عهيدْ
وهاهنا الأمنُ لمستنجدٍ ... بالأمن من ذاك الصراع العتيدْ
صحراءُ إلا أن واحلتها ... معروشة الأشجار بين الرمال
مِثْلَ بقايا الحبِّ في مهجة ... أحرَقها اليأسُ وكرُّ الليال
قد حَفلتْ بالحسن داراتُها ... واتسقتْ في صدرها كاللآل
تطيفُ بي منعرجاتُ اللوى ... كل كئيبٍ معقلٌ ناهضُ
والرمل معقودُ الثَّنَايا بِه ... يستمسك الرافعُ والخافضُ
أُلقى بجسمي فوقه متعباً ... يثورُ فيه قلبي النابضُ
قلبي أُداريه هنا عاكفاً ... عليه وهو الهادئ الوادع
أخشى عليه رجَعات الهوى ... إنَّ الهوى أَقْتَلُهُ الرايلّتزم الصَّمْتَ ولكنني=رَوَّعَ لبى صمتُهُ الرائع
أَلم تزَلْ تذكُرها بعدما ... عرفتَها في الحب خوَّانهْ
حبيبةٌ كانت وزالت وهل ... تدومُ للإنسان إنسانَهْ
والحب لو صفَّيْتَهُ وازناً ... لَرجَّح الزَّائف ميزَانَهْ
يا هذهِ لو ينفعُ العَقْل في (م) ... الهوى لحكمتُ لك العقلا
وهبتك العمرَ فلم تُحسني ... أخذاً له بل زدتِه خَبْلا
وإنَّ حسنَ الأخذِ فضلٌ وما ... عرفتِ يوماً ذلك الفضلا
لاَحقني طيفُك في عزلتي ... ماذا يريدُ الطيفُ من ناسي
ألا أرى لي راحةً بعد ما (م) ... اعتصَمْتُ بالبعِد عن الناس
إن ضلالي ليَ عينُ الهدى ... ووحشتي مبْعَثُ إيناسي
يا ليلَ سيدي بشر رفْرفْ على ... وجهي بشف من نسيم البحار
ينتعش القلبُ به بعدما ... أوْقدَ فيه اليأسُ أتوُّن نارْ
روائحُ الأمواج والرمل في ... بردَيه تشفى من لهي الأوُارْ
ترمقني هِذي النجومُ التي ... فوقي بعين الشاهِد المشْفِق
والأفق مبهوتُ الحواشي به ... يختلطُ الأسوَدُ بالأزرق
والغيمُ قد راحت جماعاتهُ ... طرائدَ المغرِب والمشرق
وخيَّم الصمتُ فلا نبأةٌ ... إلا قطارٌ صافرٌ يعبرُ
له صدًى في الرمل ترجيعُه ... هريرُ كلبٍ جاٍثم يخفر
وغارت الأعلام في حلكةٍ ... تحدجها العينُ ولا تبصر
ثم تراَءى قمرٌ طالعٌ ... في الشرق خلفَ الغيم مستهلاَ
أكدرُ إلا أنهُ كلما ... علا صفت صفحتُه وانجلى
وفضَّض الرمل بأضوائه ... فوقَّ ثوبُ الليل مسترسلا
ياربِّ هذي ساعةٌ سرها ... يملأ نفسي فيضُه الغامر
يكاد ينشقُّ بها الغيبُ لي ... عما حواه العالم الآخرُ
إن كان نام الكون حولي فهل ... يكفيكَ منه قلبي الساهرُ خليل شيبوب