مجلة الرسالة/العدد 732/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 732/الأدب والفن في أسبوع
بشار في الإذاعة:
أذاعت محطة الإذاعة موضوعاً عن (بشارة بن برد) أعد على النسق الذي تسميه (برامج خاصة) والذي يقوم على الرواية والتمثيل. . .
وكانت المحطة قد أعلنت عن هذا الموضوع على أنه فاتحة برامج من نوعه تصور رجال الأدب والشعر الماضين، ولابد أنها أرادت بذلك أن تجدَّ في عهدها الجديد، وتقدم للمستمعين من محبي الأدب مادة نافعة تستعين على جذبهم إليها بحسب العرض في هذا النسق التمثيلي الإذاعي؛ وهي رغبة محمودة، ولكن هل تحقق المرجو منها؟
بدأ (الرواية) يحدث عن نسب بشار، واستمر يسرد بعض أخباره وقام الممثلون والممثلات في أثناء ذلك بتمثيل كل حال تنبئ عنها تلك الأخبار التي اختارها واضع البرنامج من أخبار بشار المنتثرة في كتب الأدب. . .
وهذا الذي اختير وتألف منه الموضوع لم يكوَّن لبشار الشاعر هيكلا حياً، ولم يعط صورة صادقة لحياته وشعره، بل كان أهم ما قام عليه البرنامج أن بشاراً نشأ صبياً يقول الشعر في شتم الناس فيضربه أبوه بالعصا، وكبر وهو يهاجي الشعراء، ثم يهجو الخليفة ووزيره، مما أدى إلى اتهامه بالزندقة وضربه بالسوط حتى يموت. ويلخص (الرواية) حياة بشارة بقوله في آخر البرنامج: وهكذا قضى حياته بين العصا والسوط!
وقد تعودنا أن نسمع اللحن أي الخطأ في نطق الكلمات العربية من إذاعتنا. . . ولكن كنت أتوقع أن يتجنبوا هذا ويتحروا الضبط ويلتزموا صحة النطق في مثل هذا الموضوع الأدبي العربية البحت، ولكنهم لم يفعلوا. . ولو تجاوزنا عن لحن الرواية وغيره فلا يصح التجاوز في ذلك يعوضها لبشار نقصه، فلا يليق به أن يلحن وألا يحسن ضبط شعره، فقد آذى أسماعنا الذي مثله أو مثل به - بقوله في صوت مجلجل:
(ويحك) بضم الحاء. . . وكررها في مواقف مختلفة متعددة ولما أنشد هذه الأبيات:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي قوة للقوادم
وما خير كف أمسك الغل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم نطق كلمة (نصيحة) في البيت الأول بالنصب، ولفظ كلمة (الغل) في الثالث بفتح الغين.
واكتفى بتلك الأمثلة، وهي قليل من كثير، لأذكر بعض الملاحظات في التأليف والتمثيل، فقد ذكر أن (عبدة) صاحبة بشارة أتت إليه في خمس نسوة يطلبن منه شعراً يندبن به قريباً لهن قد مات. والذي نعلمه أن عبدة كانت إحدى القيان المتأدبات اللائي كن يقصدن بشاراً ليسمعن شعره، وكن يعابثنه ويغنينه؛ ولعل هذا كان فرصة يحسن انتهازها في موضوع الإذاعة لتقديم إحدى المغنيات لتغني قطعة رقيقة من شعر بشار.
ولم يكن من السائغ أن يرفع النسوة الخمس أصواتهن بضحكة مفردة وقد جئن حزينات على فقيدهن يطلبن شعراً لندبه. . . لم يكن من المفهوم أن يقول أحد الذين جاءوا يشكون بشاراً إلى أبيه لهجائه إياهم: (فقه برد أغيظ لنا من شعر بشار) قبل أن يقول لهم برد: إنه أعمى وقد قال الله تعالى (ليس على الأعمى حرج) وما أظن هذا الممثل كان يعي ما يقول!
وبعد فإذا كانت (البرامج الخاصة) التي تريد محطة الإذاعة أن تذيعها عن أعلام العرب، ستكون على هذا المنوال، فخير لها وللأدب ألا تستمر فيها، بل يجب إعداد (تسجيل) بشار وعدم تكرار الإساءة بإذاعته.
هنا كما هناك:
كتب الأستاذ فرج جبران إلى (الأهرام) من أمستردام يصف زيارته للمعهد الشرقي في ليدن الذي يشرف عليه بعض المستشرقين، فقال (وفي هذا المعهد يجد الزائر نفسه محاطاً بالكتب العربية، ويسمع هؤلاء الأساتذة يتكلمون العربية، ويسألونه عن أحدث المؤلفات التي ظهرت وعن أخبار المؤلفين المصريين وغيرهم من أبناء العربة) ثم قال إنه يقصد إلى أن يوجه انتباه ولاة الأمور في مصر إلى مجهود ضخم هو وضع (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي) الذي شرع فيه المستشرقان ونسنك ومنسج، ولكنه لم يتم إلى اليوم لأن إتمامه يحتاج إلى معاونات مالية وأدبية منتظمة، وقال الكاتب: (وإن هذه المستعمرة العربية التي تعمل هنا في صمت دون أن يسمع بها عنها أحد لتتطلع إلى مصر، رافعة لواء الأدب العربية في الشرق، لكي تقدم لها يد المعونة).
وعلقت (الأهرام) على ذلك بدعوة وزارة المعارف إلى الاهتمام بهذا المشروع عن طريق مجمع فؤاد الأول للغة العربية (لأن وضع مثل هذا المعجم المفهرس داخل في اختصاصه وفقاً لأحكام المرسوم الملكي بإنشائه).
ولا أظن أن لدى المجمع من الجهد ومال ما ينفع في ذلك المشروع، على أن الأعمال الداخلة في اختصاصه إنما يقوم هو (لا غيره) بها، وفي المجمع نفسه مشروعات وأعمال لم تتم بعد، رغم مضي الزمن الطويل عليها، كالمعجم الوسيط، ومعجم فيشر، ولا يتوقع تمامها للتقتير عليها في الجهد والمال.
وفي غير المجمع أعمال أدبية معطلة شملها بطئ الأداة الحكومية، كالكتب العربية التي كان يقوم بإحيائها القسم الأدبي بدار الكتب المصرية.
فهنا كما هناك، بل أكثر، وإن كان لما هنا لون خاص، يكسبه من التراخي مع وفرة الوسائل.
هل في مصر أديبات؟
وجهت بعض المجلات اللبنانية هذا السؤال إلى قرائها، فعلق عليه كاتب في مجلة (صوت المرأة) بأن هذا السؤال يحمل في طياته الشك في وجود أدبيات بلبنان، وقابل السؤال بسؤال مثله: هل في لبنان أدباء؟ وهو يقصد بالأدباء الذين يشك هو أيضاً في وجودهم بلبنان - المثاليين الذين ذكر وصفهم - وقد نقلته (الكاتب المصري) في عددها الأخير، كما نقلت عن مجلة (المرأة) الدمشقية ما كتبته بها (نديمة المنقبادي) في مثل ذلك قالت: (فالمجهود الأدبي يقوم الآن في كافة نواحيه على الرجل وحده. . . أما المرأة في بلادنا فما أعتقد أنها سارت في ذلك شوطاً بعيداً أو قريباً، وإذا حدث أن ظهرت مؤلفات أدبية لبعض الكاتبات فهي من الندرة بحيث تعد في يسر وسهولة)
وأنا أيضاً أسأل: هل في مصر أدبيات؟ أستطيع أن أعد نحو ثلاثين أدبياً في مصر لهم شأن وأثر في العالم العربي، فهل لدينا أدبيات من هذا الطراز؟ كدت أرجع عن هذا السؤال لأني ذكرت واحدة. . . ثم ذكرت أخرى (على سبيل جبر الخاطر) ولكني أصررت عليه لأن هاتين اثنتان وأنا أسأل عن (أدبيات) وأقل هذا الجمع ثلاث. . . فهل من مجيب؟
الاتحاد الثقافي المصري:
وأخيراً حل (الاتحاد المصري الإنجليزي) وتقرر أن يقوم على أنقاضه (الاتحاد الثقافي المصري) وهي فكرة موفقة من غير شك، ولكنا لا نجب أن يعقب إشادتنا بفكرة الاتحاد الثقافي الجديد ما أعقب الإشادة بفكرة ذلك الاتحاد المنحل. . .
والذي أعقب ذلك أن ارتمي بعض كبار المصريين من المستوزرين و (المتعهدين) في أحضان الانجليز، فكان ما كان.
أما الذي نريده الآن فأن لا تعلو القبعة ثقافتنا. . . عندنا قوم يروجون للثقافة الفرنسية، وآخرون للانجليزية، وغيرهم لغيرها؛ وهم يستهلكون أنفسهم في ذلك غير مرتكزين على قاعدة من الثقافة العربية.
نريد أن تكون ثقافتنا هي ذات الحجم الأكبر الذي تنجذب إليه الأجرام الصغيرة.
الطالب يساهم في بناء عالم جديد:
نظمت جمعية الشبان المسيحية بالقاهرة مؤتمراً للطلبة اشتركت فيه وفود الطلاب التي تمثل فروع الجمعية في الإقليم. وكان موضوع هذا المؤتمر (الطالب يساهم في بناء عالم جديد) وقد ألقى الأستاذ محمد شفيق غربال بك وكيل وزارة المعارف كلمة في حفلة افتتاح المؤتمر، أشاد فيها بفكرته ورجا أن تتسع في المستقبل حتى تشمل طلبة سائر الأقطار العربية ليتحقق بينهم التعاون الثقافي المنشود:
وفي اليوم التالي ألقى الدكتور إبراهيم سلامة محاضرة في موضوع (الطالب يساهم في بناء عالم جديد - في محيط الأسرة والنادي والجماعة) بين فيها واجبات الطالب في الأسرة من النواحي الاقتصادية والثقافية، بأن يكون منتجاً، فطالب الآداب - مثلا - يمكن أن يشتغل بالصحافة، ويمكن الصحف أن تستعين به في تكوين معلومات تحفظ لديها (أرشيف) عن العلماء والسياسيين وغيرهم من كبار الرجال.
ومن واجب الطالب بأن يذيع في الأسرة ما يتلقاه في المدرسة والجامعة من ألوان الثقافة والمعرفة، وعلى الطالب والطالبة أن يسهما في تربية الذوق الفني في الأسرة بإشاعة الهوايات الطيبة فيها كالرسوم والموسيقى، حتى لا تشتري الأسرة السرور الرخيص من السوق في أفراحها ومجتمعاتها، وحتى لا يندفع الشاب إلى دور الملاهي اندفاعه الخطر على الأسرة من الناحتين الخليقة والاقتصادية.
ثم قال الدكتور إن الطالب يمكنه أن يحدث في النادي تفكيراً جديداً في عالم جديد، من حيث إزالة الفوارق لأن النادي تسوده الديمقراطية، والديمقراطية الحقيقية أساسها نبل العمل لا نبل الوراثة؛ ومن حيث الاحترام المتبادل بين الأعضاء المشتركين في الفكرة والغاية؛ ومن حيث المساهمة العقلية التي تتاح لها الفرصة في النادي أكثر من المدرسة، لأن عضو النادي يجد لذة في إظهار المعرفة، بخلاف ما يكون في الجامعة حيث تدفعه المنافسة إلى الأنانية.
وقد عرض الدكتور سلامة لمسألة تعدد النوادي، فتساءل: هل الأوفق أن يكون النادي لأبناء الثقافة الواحدة أو لأبناء الثقافات المختلفة؟ ثم قال: تلك مسألة خطيرة لأنها أسفرت في بلادنا عن تمزيق لا ينفع عالم اليوم، ولا يمكن أن ينفع عالم الغد. وظهر هذا التمزق في الأحزاب السياسية، وجبر السياسيون هذا النقص بالبرلمانات، فلا بد لنا إذن أمام تمزق النوادي من عمل اتحادات جامعة لكل مجموعة منها ابتغاء الانسجام وتكوين الوحدة التي تعتبر أساساً للقومية والعالمية. . .
وانتقل بعد ذلك إلى واجب الطالب في محيط الجماعة فقال: يخرج الطالب من الأسرة إلى النادي ومنه إلى الجماعة وهي هنا الوطن والقومية، انتظاراً لإعداد النفوس للعالمية، والطالب في غمار الجماعة لابد من أن يلتزم مبادئ ثلاثة:
1) أن يلحم الاتصال بقومه وأن يعتز بمصريته ويعتقد أنها مدنية ككل المدنيات وأنه ليست هناك مدنية واحدة نموذجية تفرض فرضاً على مدنيته، ومن هنا يتكون رأي عام للقومية السياسية والقومية الخلقية. 2) روح النظام، والنظام أحياناً معناه الحرمان، فتمثل غيرك في كل تصرفاتك، واعلم أنك ستؤذي غيرك بعملك الضار كما أنه سيقع إثمه عليك حتما.
3) الحرية المطلقة، فلست حراً في الأسرة ولا في النادي ولكنك حر في الحياة، والعلوم تحرر الفكر من الأوهام، ومتى تحرر الفكر تحرر الخلق، ومتى شاعت الحرية أتى اليوم الذي يؤمر فيه الجندي بقتل أخيه الجندي فلا يفعل، لأن الحرية التي فهمها ستضع عقله في رأسه لا في رأس السياسيين الذين يجرونه إلى الحرب كما تجر السائمة إلى المجزرة.
(العباس)