مجلة الرسالة/العدد 731/رحلة إلى الهند
مجلة الرسالة/العدد 731/رحلة إلى الهند
2 - رحلة إلى الهند
للدكتور عبد الوهاب عزام بك
عميد كلية الآداب
هذه دهلي الجليلة القديمة، دهلي ذات الخطوب والغير، وأم الوقائع والعبر، وسجلّ الملوك والدول.
دهلي المماليك والتغلقية والخلجية واللودية والتيمورية، دار قطب الدين، وظهير الدين، ونصر الدين، وجلال الدين، ومحي الدين.
دهلي التي ضمت تراث الإعصار، من جلائل الآثار، يكاد القلم يجمح عليَّ منطلقاً في الكتابة عنها، كما يستنّ الجواد حين يرى حلبة السباق، أو تمرحه فسحة المروج؛ ولكني أؤخر الكتابة عن هذه المدينة العتيقة حتى أفرغ من حديث المؤتمر الذي سافرت إلى الهند من أجله:
دعا (المعهد الهندي للشئون العالمية) إلى مؤتمر للعلاقات الأسيوية، فأجابت الدعوة أمم آسيا. ودعيت مصر لأنها إحدى الأمم العربية فهي آسيوية وإن كانت أفريقية في جغرافيتها.
وقد دعيت الأمم كلها المستقلة وغير المستقلة. وكانت الأمم التي تجاهد لاستقلالها أحرص على شهود المؤتمر لتعلن عن نفسها، وتنشر بين المؤتمرين دعوتها. وكان عدد المندوبين مشتركين ومراقبين زهاء مائتين. وقد اختلف الأمم في عدد مندوبيها، وكانت مصر خاصة ودول الجامعة العربية عامة ممثلة باثنين مراقبين، وكنت ممثل مصر، وشاركني نائب القنصل المصري في الهند.
وكان موعد المؤتمر الثالث والعشرين من شهر آذار (مارس) الماضي، ودام اجتماعه عشرة أيام. فاجتمعت هنالك وفود الأمم، بل حشرت آسيا ألوانها وأزياءها ولغاتها وعقائدها وحضاراتها في صعيد واحد.
وشهد المؤتمر من الأوروبيين والأمريكيين أحد عشر مراقباً.
وكانت لغة المؤتمر الإنكليزية، وهي لغة العلم في الهند اليوم ولغة الخطاب، يتحادث ويتراسل بها الهنود الذين تختلف لغاتهم. ولم أسمع في المؤتمر هندياً يخطب بغي الإنكليزية حاشا جوا هرلال نهرو؛ خطب في حفلات الافتتاح والاختتام بالأردية والإنكليزية. وكانت رياسة المؤتمر للسيدة ساروجيني نايدو خطيبة الهند وشاعرتها وبحث المؤتمر في أمور كثيرة قسمت إلى هذه الطوائف:
1 - مساعي الأمم إلى الحرية
2 - والهجرة ومسائل الأجناس البشرية
3 - والتطور الاقتصادي والمساعي الاجتماعية
4 - والمسائل الثقافية
5 - والمسائل النسائية
وقد بحثت كل طائفة من المسائل لجنة خاصة من أعضاء المؤتمر، وسجلت ما انتهى إليه بحثها. وتلى تقرير كل لجنة في لجنة عامة من الأعضاء، ووضع بعد المجادلة في صيغته الأخيرة.
وكان للمؤتمر ثلاث حفلات للافتتاح والاختتام؛ شهد حفلتي الافتتاح زهاءعشرة آلاف، وشهد الحفلة الخاتمة نحو خمسة عشر ألفاً وحضرها غاندي.
وكان النظام محكما في هذه الاجتماعات الحاشدة، وكانت الصبايا الهنديات يرشده الوفود إلى مقاعدهم من المؤتمر، وكنّ في اجتماعات اللجان العامة كذلك يتولين التنظيم والخدمة.
وكانت حفلات الافتتاح والاختتام في قلعة كبيرة قديمة من آثار الدولة الإسلامية تسمى (برانا قلعة) أي القلعة العتيقة. وهي بقايا قلعة فسيحة عالية الأسوار رفيعة الأبواب.
وقد طبع المؤتمر كثيراً من أبحاثه وفرقها على الأعضاء، وفيها أبحاث قيمة جديرة بالعناية، وهي مفيدة في تعرف مستوى الثقافة في الأمم الآسيوية وتبين الوجهات الفكرية والنزعات الاجتماعية في هذه الأمم.
وقد حرص القائمون على المؤتمر، ولاسيما نهرو، على أن يشكل معهد آسيوي دائم له فروع في الأقطار الآسيوية كلها، ليقوم على الصلات الثقافية والاجتماعية التي عنى المؤتمر بالنظر فيها.
وقد نص في القانون المقترح للمعهد على أن يكون له رئيس وأمينان أحدهما من البلد الذين اجتمع فيه المؤتمر أول مرة والثاني من البلد الذي يجتمع فيه المؤتمر اجتماعه الثاني، فكان رئيس المعهد، وأحد أمينيه من الهند، وأمينه الثاني من الصين، وهي القطر الذي يجتمع فيه المؤتمر للمرة الثانية سنة 1949م.
والحق أن خطط المؤتمر في استقبال الوفود وإنزالهم ونقلهم إلى مجامع المؤتمر، وفي ترتيب اللجان وتوزيع المنشورات، وفي تنظيم المعارض وزيارة الآثار والمتاحف - كانت خططاً محكمة.
وأحسب القائمين على المؤتمر أرادوا فيما أرادوا من الدعوة إليه، أن يعظموا شأن الهند، ويبينوا مكانتها في آسيا في طور الانتقال الحاضر، وفي هذا ما فيه من إعظام شأنهم في مفاوضة الإنكليز. ولست أدري أقصدوا كذلك أن يظهروا الهند مظهر الأمة المجتمعة الكلمة، الموحدة المقصد، ويخفوا جهد الطاقة ما كان يضطرب به الهند من صدام بين دعوة الهنادك، وهم الدعاة إلى المؤتمر ومعهم قليل من المسلمين، وبين دعوة الرابطة الإسلامية إلى إقامة دولة إسلامية مستقلة في مواطن الكثرة الإسلامية.
وقد اهتم الداعون إلى المؤتمر باشتراك الأمم الإسلامية فيه، وبعثوا رسلا إلى بعضها ليطمئنوا إلى إجابة دعوتهم. وأرسلت طائرة خاصة إلى أندنوسيا لتحمل سلطان شهريار رئيس وزرائها. وأحسب لهذا الاهتمام صلة بهذا الاختلاف بين حزب المؤتمر الهندي والرابطة الإسلامية كما أبين من بعد. . .
(للكلام صلة)
عبد الوهاب عزام