انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 73/عرس في مأتم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 73/عرس في مأتم

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 11 - 1934



واعَجَبَاً للمرء في جَهْلِهِ ... وهو أخو اللُّبِّ شقيقُ النُّهى

يُمعِنُ في غَفْلَتِهِ حالماً ... وَيَحسِبُ الضِلَّةَ كلَّ الهدى

يَطوي شقاء العمرِ في سَكْرَةٍ ... نشوانَ يُغريه رفيفُ الرُّؤى

وهمانُ كلَّ العمرِ ما إن يعي ... سرَّ الدُّنى. يا بؤسَه لو وعى!

يا سرَّه! أيةُ أُلعوبَةٍ ... هَيِّنَةٍ في كفِّ هذي الدُّنى

وسرَّ هذا الكونِ من شاعرٍ ... مُسْتَعْجَمِ اللفظِ غريبِ اللُّغى

شَيَّعتُ بالأمْسِ رُفاتِ الصِّبا ... في لوعةِ الثُكلِ ومُرِّ الجوى

يقولُ لي صحْبِيَ في فَرحَةٍ ... هَوِّن على نفسِك بعضَ الأسى

لله قَلبُ المرءِ من غامِضٍ ... يُحَيِّرُ اللُبَّ ويُعْيِي الحِجى

يَبكي لِما يُضحِك حيناً وقد ... يُضْحِكُهُ ما يَستَفزُّ البُكا

تراه كالدَّمعِ همى رقَّة ... طَوراً وطَوراً كَحَرونِ الصَّفا

هذا الشبابُ الجَهمُ ما عِندَهُ؟ ... أثَمَّ مِنْ بارِقَةٍ تُرتَجى

صَحراؤهُ مُرمِضةٌ رَحْبَةٌ ... وكُلُّ شَئٍ موحِشٌ في الفلا

لا بُلبُلٌ يُطرِبُ إمّا شدا ... ولا رُبى يَعبَقُ فيها الشَّذى

أقطَعُ وَحدي عَرضَها راكباً ... صَهوَةَ آمالي، أسيرَ القضا

أضْرِبُ في آفاقِها حائِراً ... أجري وما لِلجَرْيِ مِنْ مُنْتَهى

أَخُبُّ لا مُؤْنِسَ في وَحدَتي ... تِلكَ ولا مِن سامرٍ في الدُّجى

ظمآن! إنْ آلٌ بدا مَرَّةً ... بَذلتُ خلفَ الآلِ كلَّ القُوى

يَحِفُّ بي مِنْ أنسُرٍ مَوْكِبٌ ... يَرْقُبُ أنْ يأتي عليَّ الرَّدى

تُرى أأنجو سالماً؟ أم تُرى ... أهوى صَرِيعاً جَاهِداً للثرى

وَفِتْيَةٍ همُّهُمُ مَلْعَبٌ ... وكُلُّهم كالزَّهر غَضُّ الصِّبا

ضَمَّتهُمُ للعِلمِ فَيْنَانَةٌ ... كما يضم الدَّوحُ سِربَ القَطا

مِثلِ الظِبا في مَرَحٍ دائمٍ ... يَحيَون في أحلامِهم والمُنى

يا فَرَحَة الأطفالِ! لَو أَنَّها ... تدومُ للإنسانِ طُولَ المَدى

يأتي عليها الدهرُ مُستأسِداً ... يُشهِرُ غَضبَان نُيوبَ الأذى يا رحمة الله لِعهدِ الصبا ... من حُلُمٍ ما رَفَّ حتى اختفى

تَقولُ لي النَّفسُ وقد هالَها ... أن تَجِدَ العهدَ الحبيبَ انطَوى

أهكذا الأيامُ مجنونةٌ ... مسرعةٌ في سيرِها والسرى

دمشق

أمجد الطرابلسي