مجلة الرسالة/العدد 724/مؤتمر آثار الشرق
مجلة الرسالة/العدد 724/مؤتمر آثار الشرق
للدكتور جواد علي
قررت اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية عقد مؤتمر في مدينة دمشق في شهر أغسطس أو أوائل شهر سبتمبر من سنة 1947 لدراسة آثار الشرق الأدنى يدعى (مؤتمر آثار الشرق) وقد عينت اللجنة التحضيرية التي وضعت منهج المؤتمر أغراضه بما يلي:
1 - الاهتمام بالثقافة الأثرية وتبادل الآراء العلمية والفنية.
2 - المحافظة على تراث الشرق العربي ووضعه في الإطار اللائق به.
3 - تقوية الصلات بين أمم الشرق، وتذليل العقبات في سبيل تحقيق التعاون فيما بينها من الناحية الأثرية.
وقد تصفحت التقرير الذي وضعته اللجنة التحضيرية ليكون جدولا لأعمال المؤتمر فلم أجد فيه - وآسف لذلك - أية إشارة إلى عرب ما قبل الإسلام. كما أنني لم أجد في قائمة الموضوعات العامة التي ستبحث فيها المحاضرات التي تلقى في المؤتمر أية محاضرة قد تناولت تاريخ ما يسمى (بالجاهلية) أو (العصر الجاهلي) وكل ما وجدت هو أن سلسلة المحاضرات بدأت بالعلاقات بين مصر والشرق الادنى، ثم تطرقت إلى العلاقات بين بابل وأشور والشرق الأدنى، فأثر الفينيقيين في حضارة الشرق الأدنى، فالعلاقات بين الشرق الأدنى والإغريق. ثم انتقلت رأساً إلى موضوع أثر العقائد الدينية في حضارة الشرق القديم، ثم إلى حظ الشرق من الحضارة الإغريقية في العصور الهلينية فيدخل في ذلك حظ مصر من تلك الحضارة ثم حظ سورية فبابل ثم تنتقل السلسلة إلى مظاهر الحضارة الإسلامية في دول الشرق العربي وتلك طفرة عجيبة بالطبع، وتنتهي بموضوع الحفائر الأثرية في ممالك الشرق العربي فموضوع ترميم الآثار.
وكنت أطمع في أن أرى للتاريخ العربي القديم المحل الأول في قائمة الموضوعات التي ستدرس في هذا المؤتمر، إذ أن اللجنة الثقافية التي وكلت إلى اللجنة التحضيرية أمر تهيئة خطط المؤتمر هي مؤسسة من مؤسسات الجامعة العربية، وأنها وضعت نصب عينها إحياء التراث العربي القديم وحرصت على ذلك في كل مناسبة. فالأولى بها أن تعني بتاريخ عرب ما قبل الإسلام فتجعله الهدف الثقافي الأول نظراً إلى أن التاريخ العربي القديم يكاد يكون حتى اليوم في حكم المجهول، ولأن الآثاريين الغربيين لم يتمكنوا من التنقيب فيه لأسباب كثيرة، منها أن الدول العربية التي تشتمل على المناطق الآثارية، لم تسمح لهم بالعمل، خوفا من النفوذ الأجنبي ومن تسرب تلك الآثار إلى الخارج، وإن اللجنة الثقافية ستنتهز هذه الفرصة فتثير لذلك هذا الموضوع في مؤتمر الآثار لتحث الدول العربية على العناية بآثار العرب وبتاريخ العرب القديم، ولتطلب إلى حكومات الجامعة القيام بحفريات علمية بنفقتها أو بنفقة الجمعيات العلمية الأوربية التي توافق على التنقيب بإشراف الجامعة. أو أنها ستسعى لأن تسهل لمن تخصص من أبناء دول الجامعة العربية بتاريخ العرب القديم الدخول في مناطق الآثار لدراستها والكتابة عنها والقيام بحفريات علمية فيها أن أمكن ذلك من الوجهة العلمية والمادية.
وقد قام نفر من العلماء المستشرقين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين أمثال (هاليفي) و (أرنو) و (كلاسر) وغيرهم بزيارة مختلف أنحاء بلاد العرب المجهولة وفي ظروف حرجة فتعرضوا إلى مختلف الأخطار والمهالك فعادوا بأنباء مهمة تشير إلى وجود أماكن آثارية على جانب كبير من الأهمية. وقد نقلوا معهم بعض الألواح والأحجار المكتوبة التي عثروا عليها على سطحالأرض وهي توجد اليوم في المتاحف الآثارية الكبرى وهي تؤيد هذه النظرية وتتحدث عن حضارة عربية قديمة أصيلة.
وقد بذل هؤلاء العلماء جهوداً كبيرة حتى تمكنوا من حل رموز الحروف اليمانية القديمة المسماة بالحروف الحميرية. واستطاعوا بعد معرفتها أن يقرءوا ما هو مكتوب فنشروه، وقد دل ما نشر حتى الآن وهو قليل بالطبع على أن الحضارة اليمانية قديمة قدر عمرها بعض العلماء بما يزيد على ألف وثلاثمائة عام قبل المسيح.
كما انهم بحثوا في النصوص الآشورية والبابلية والمصرية وفي التوراة، وفي النصوص السريانية واليونانية واللاتينية فكونوا من هذا البحث مقدمات لمن يريد في المستقبل الكتابة عن تاريخ عرب ما قبل الإسلام.
ولا يمكن أن يكتب للأمة العربية تاريخ قديم إلا إذا سهلت الدولة العربية للمستشرقين وللشبان العرب الذين تخصصوا بتاريخ ما قبل الإسلام الدخول في المناطق الآثارية وقاموا بحفريات علمية بأشراف تلك الدولة أو الدول العربية على أن يحفظ ما يستخرج من أثار من متحف الدولة أو متحف جامعة الدول العربية مثل. وأني أرجح اشتراك دول الجامعة كلها في نفقات الحفرحتى لا تتسرب الآثار إلى الخارج فتنتقل إلى المتاحف الأوربية أو الأمريكية، وأن تكون عمليات الحفر بأشراف المتخصصين العرب.
ولما كان المؤتمر لم يعقد بعد وأن هناك متسعاً من الوقت لتدارك الحال أرجو من اللجنة الثقافية أن تهتم بهذه الناحية اهتماما كبيرا بان تجعل في رأس المواد التي ستدرس في المؤتمر موضوع دراسة الآثار العربية القديمة، وان ترجو من دول الجامعة ولا سيما اليمن والمملكة السعودية بذل العناية لخدمة التاريخ العربي القديم، وأن تطلب من المتخصصين العرب أو المستشرقين التطوع للقيام بحفريات علمية أو دراسة الأطلال الموجودة تمهيدا للقيام بالحفر، وأن تمنع الناس من نبش تلك الأطلال لسرقة الآثار أو هدمها لاستعمالها مادة للبناء. فالعبث بهذه الآثار عبث بتاريخ الأمة العربية الذي نريد إحياءه. وأن تقوم الجامعة بتخصيص المبالغ لإرسال المتخصصين إلى مواقع الآثار كما فعلت بإرسال نفر من العارفين بالمخطوطات إلى سوريا لتصوير ما هو موجود من المخطوطات.
وأن تخصص في قائمة المحاضرات مكاناً للتاريخ العربي قبل الإسلام وأن نرجو بهذه المناسبة من الذين سيمثلون دول الجامعة في مؤتمر الآثار توجيه أنظارهم نحو خدمة كإثر عربي قديم، وأن يكون لآثار العرب نفس الحظ الذي نالته الآثار القديمة الأخرى في الأقل، وإن كنت أطلب المزيد لأنه تاريخنا المباشر، ولأنه يوازي الآثار الأخرى في القدم والدرجة، إذ أن من العار على العرب أن يتركوا متاحفهم عارية من آثارهم وهي كثيرة مطمورة فيتصور العالم أنهمأمةهمجية لم يتكون لها تاريخ قبل الإسلام وانهم كانوا عالة على حضارات الأمم الأخرى أو أنهم كانوا نقلة تعوزهم قوة الإبداع والابتكار.
جواد علي