انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 721/تلفون الأرواح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 721/تلفون الأرواح

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 04 - 1947



للأستاذ نقولا الحداد

ذكر مراسل المصري الخاص أن المستر جون وليمسن العالم بما وراء الطبيعة قال (إن استعمال آلات تحطيم الذرة في مضمار الاتصال بعالم الأرواح، يؤدي أخيراً إلى اختراع تليفون يصل بين عالمنا المادي وعالم الأرواح بحيث يتيسر لأي شخص أن يقتني آلة تليفونية روحية لا تكلفه أكثر من خمسة جنيهات ويخاطب بها الأرواح).

إذن فليبشر العلامة الروحاني الأستاذ أحمد فهمي أبو الخير. لأن أول آلة تصدر من مصنع التليفونات الروحانية ستقدم له هدية بحكم رسالته وجزاء لاجتهاده فيها. وحينئذ سينقم من الساعة التي بدأ يدرس فيها عالم الروحانيات لأن ألوفاً من طلاب أرواح أهليهم وأصحابهم سيهجمون عليه لكي يتصلوا بأرواح ذويهم ويزعجونه أي إزعاج ويقبضون على خناقه ريثما تنتشر آلا هذه التليفون في الأسواق وتتيسر لكل إنسان.

إن نظرية المستر جون وليمسن هذه مسندة إلى نظرية (أن الأفكار تتولد من الطاقة. ولذلك فإن أفكار الأرواح التي تتحدث بطريقتها الخاصة تخلق نوعاً من الذبذبات تصبح إشارات يمكن أن تلتقطها آلة التليفون الروحاني وتقويها وتنقلها).

هذه نظرية معقولة على فرض واحد لا محيص من تحقيقه بعملية هذا التليفون وهي أن الروح لابد أن تكون هيولانية أي مادية من طبيعة مادة الجسد، لأن الطاقة (التي تتولد منها الأفكار كما يقول المستر وليمسن) وذبذباتها أي موجاتها هي خاصة رئيسية للمادة. فالمادة لا تتحرك إلا بما لها من طاقة، والطاقة لا تحرك إلا المادة.

وإذا كانت الروح شيئاً مادياً كسائر عناصر المادة تسنى لنا أن نظفر بها في المعمل الكيماوي كما نظفر بالراديوم أو الأورانيوم وفي المصانع الميكانيكية أو في المطياف أو تحت الميكروسكوب الذري الجديد الذي يعظم مائة ألف مرة. وحينئذ يمكننا أن نشرح الروح ما نشرح الجسد وكما شرحنا الذرة، وأن نعرف أسرارها كما عرفنا أسرار النور وسائر الموجات الكهربائية. ولعلنا نهتدي حينئذ إلى صلتها بهذه الكهربائية أو نراها حالة من حالاتها. وثم يتيسر لنا أن نتصل بالأرواح عن يد الموجات الكهرتيسية، وإذن فلا يستحيل علينا إذ ذاك اصطناع التليفون الروحاني.

وإذا أمكننا حينئذ مخاطبة أرواح الموتى بهذا التليفون فبالأحرى يمكننا أن نخاطب أرواح الأحياء به مهما كانوا بعيدين عنا. وثمة لا يبقى لزوم للوسطاء بين الأساتذة الروحانيين وأرواح الموتى والأحياء.

وما أدرانا حينئذ أن يطلع بعضنا عن أفكار بعض بناء على نظرية وليمسن (أي أن الأفكار هي ضرب من الطاقة المذبذبة كما قال). وإذا صح هذا الحلم الجميل فكيف يمكن أن يعيش الناس بعضهم مع بعض وهم يضمرون خلاف ما يظهرون؟ هل يتورعون حينئذ عن الكذب والدس والكيد والغش والزور. وهل يسلكون سلوك الملائكة الأطهار والقديسين الأبرار ويستغنون عن البوليس والقضاء والحكومة والحكام.

ولكن إن صح هذا يستلزم أن يتلاشى الطمع والاستئثار واستغلال القوي للضعيف من الناس. وكيف يمكن هذا إذا كان الناس متفاوتين في الكفاءات والأهليات والمؤهلات والذكاء؟. . .

وإذا استرسلنا في هذه الافتراضات وجدنا العالم منقلباً رأساً على عقب بل مختلطا بعضه مع بعض وقد انصهر في بوتقة الروحانيات وأنسبك عالماً آخر جديداً. ولعله يكون أفضل من عالمنا هذا. ويكون الله تعالى قد رضى عن خليقته وصاغها خليقة جديدة صالحة

ولكن هل يسلم الروحانيون بأن الروح شيء مادي من صنف مادة الجسد لها طاقة مذبذبة الموجات؟ أم هي شيء غير مادي. فإذا كانت شيئا غير مادي فنظرية المستر جون وليمسن تنهار لأنها لا تكون ذبذبات طاقة كما زعم. وإن كانت شيئاً مادياً فالأرواح تنحل بانحلال الجسد ولا يبقى ثمت عالم أرواح.

نقولا الحداد